خطبة الجمعة القادمة 14 مايو 2021م بعنوان : اتساع أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 14 مايو 2021م بعنوان : اتساع أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 2 شوال 1442هـ ، الموافق 14 مايو 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 مايو 2021م بعنوان : اتساع أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للشيخ كمال المهدي:
١- كما انتهى رمضان ستنتهي الأعمار .
٢- لماذا الانتكاسة بعد رمضان.
٣- الخير مستمر في الرسالة المحمدية .
٤- نماذج من تنافس وتسابق الصحابة في فعل الخير.
٥- علامات قبول الأعمال.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 مايو 2021م كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة ٢ شوال ١٤٤٢ الموافق ١٤مايو ٢٠٢١ م بعنوان اتساع أبواب الخير في الرسالة المحمدية
**
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد :-
أحبتي في الله :لقد أقبل رمضان وسُرْعَان ما انقضى وفات.. لم نشعر بمروره، مر وكأنه طيف خيال..
هذا وإن دل فإنما يدل على سرعة مرور الأيام هذه الأيام التي هي تعد مجموع عمر الإنسان، فالإنسان ما هو إلا مجموعة أيام إذا انتهى يوم انتهى بعضه، فالأيام تمر بسرعة فائقة وكما انتهى رمضان سينهي العمر كذلك. فماذا أعددنا لهذا الانتهاء؟ الناظر يجد أننا اجتهدنا في شهر رمضان في فعل الخير من صلاة وصيام وصدقة وتلاوة للقرآن وذكر لله وقيام بالليل بين يدى الملك العلام. كل ذلك خير وكل ذلك زاد للإنسان.
ولكن ما يثير العجب أن تجد بعض الناس فى رمضان من الصائمين القائمين والمنفقين والمستغفرين والمطيعين لرب العالمين، ثم ما إن ينتهى الشهر تنتكس فطرته ويسوء خلقه فتجده للصلاة ولأعمال الخير تاركاً وللمعاصي مرتكباً وفاعلاً، وعن طاعة الله مبتعداً!
وكأنه بفعله هذا يعتقد أن الخير والطاعة لا تكون إلا في رمضان فقط. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
وقد سُئل قديمًا أحدُ السلف عن حال هؤلاء الذين لا ينشطون و لا يجدون في العبادة إلا في شهر رمضان فقط، فقال: “بئس القوم؛ لا يعرفون الله إلا في رمضان”.
أحبتي في الله :-
إن الخير في الرسالة المحمدية مستمر لا ينقطع وأبوابه كثيرة لا تُعد فالخير في رمضان وفي غير رمضــان. فلم يُقْصِر المولى عز وجل العبادة وفعل الخير على رمضان فحسب بل أمر بالعبادة والخير في سائر الأيام حتى ينتهى العُمْر قال تعالى مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: ٩٩].واليقين هو الموت، فالمسلم مطالب بالمداومة على طاعة الله، والاستمرار في عبادته سبحانه وتعالى إلى أن يتوفاه الله؛ قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: ١٠٢] أي: جدوا في عبادته، وتنافسوا في القيام بما يرضيه إلى أن تموتوا على ذلك.
** وإننا نرددها في كل عام ونقول أن رب رمضان هو رب شوال هو رب جميع الشهور والأعوام.
فيا أخي الحبيب :- قُلِي بربك لماذا تصلي في رمضان ولماذا تقوم بالليل والناس نيام وما الذي جعلك تمتنع عن الطعام والشراب وما الذي جعلك تتلوا القرآن وتتصدق في رمضان أليس هو خوفك من الله ورجاؤك في رضاه والفوز بجنته. إن كان الأمر كذلك فإني أقول لك إن الله تعالى موجود في كل وقت لا يغفل ولا ينام لا تأخذه سنة ولا نوم. يأمرك بعبادة في كل وقت فهو القائل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهو القائل جل شأنه (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: ٩٩].
فإذا كنت تصلي في رمضان فلا تترك الصلاة بعد رمضان وإن كنت تصوم في رمضان فالصيام لا ينقطع طوال العام فهناك صيام الست من شوال قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم مُبَيِّناً فضلها في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صام رمضان وأتبعه ست من شوال، فكأنَّما صام الدهر كله).
وهناك صيام الإثنين والخميس وهناك صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهناك صيام عاشوراء ويوم عرفة وغير ذلك من صيام النوافل والتطوع.
وإن كنت تصدقت في رمضان وأخرجت زكاة فطرك فهناك زكاة المال وهناك الصدقة طوال العام.
فالخير في الرسالة المحمدية موجود ودائم لا يرتبط بشهر ولا بغيره وإذا كان شهر رمضان قد انقضى فلا تودّعوه، بل استمتعوا به باقى عامكم.. فرمضان ليس شهراً، بل أسلوب حياة وبداية التغيير، وأفسحوا له المجال ليحيا معكم وتحيوا به طوال العام، فالصوم لا ينتهي، والقرآن لا يُهجر، والمسجد لا يترك،
** وتعالوا بنا أحبتي في الله لنرى كيف كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسابقون ويتنافسون في فعل الخير حتى بعد رمضان وما اقتصروا على شهر رمضان فحسب. فهذه صورة مشرقة، ولوحة رائعة لمسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات. فعند الترمذي يقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، ووافق ذلك مني مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر. قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال – صلى الله عليه وسلم – له: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قال عمر: “لا أسبقه إلى شيء أبدًا”.
الله أكبر :-
إذا كانت النفوس كبارًا**تعبت في مرادها الأجسام…
* وهذا موقف آخر لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد كان سباقا، وحريصا على أن يكون له سهم في كل وجوه الخير، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».فالمداومة على العمل الصالح شعار المسلمين..
* وهذا أبو الدحداح الأنصاري، لما نزل قول الله تعالى: ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) [البقرة: ٢٤٥] قال للرسول صلى الله عليه وسلم : وإنّ الله ليريد منَّا القرض؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم يا أبا الدحداح ، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال أبو الدحداح: إني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي (أي بستاني، وكان فيه ستمائة نخلة) وأم الدحداح فيه وعيالها، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: أخرجي من الحائط: يعني: أخرجي من البستان فقد أقرضته ربي عز وجل. وفي رواية أخرى أنها لما سمعته يقول ذلك عمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح”.
** فانظر أخي الحبيب :كيف كانوا يتنافسون في فعل الخير في كل وقت ليس في رمضان فقط.
وأنا أقول لكم أحبتي في الله :أنه لا يشترط أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان، فنحن نعلم أن ذلك موسم عظيم لا يأتي بعده مثله إلى رمضان الذي بعده ، لا يأتي شهر فيه خيرات ومغفرة ورحمة وعتق كما في هذا الشهر الذي انصرم، فنحن لا نقول كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد فالنفس لا تطيق ذلك، لكن لا للانقطاع عن الأعمال، الخطورة في الانقطاع يا عباد الله، لا بد من أخذ الأمور بواقعية ليس من المطلوب أن نكون بعد رمضان مثل رمضان، كان ذلك شهر اجتهاد له وضع وظرف خاص، لكن الانقطاع عن الأعمال لا، ترك الصيام بالكلية لا، ترك القيام بالكلية لا، ترك ختم القرآن بالكلية لا، ترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة لا، استمروا على العمل وإن كان أقل مما كان في رمضان، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَل.. ثم إن العبد إذا كان مواصلاً على عمله لو أصابه عارض لو مرض أو سافر فإن الله يكتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري.
كما ينبغي علينا أن نعلم أن من علامات قبول الأعمال في رمضان هو الاستمرار على الطاعة وفعل الخيرات. فكل إنسان يرجو أن يكون الله تبارك وتعالى تقبل منه صيامه وقيامه، ومن أمارات القبول أن تكون حال الإنسان بعد الطاعة خير منها قبل الطاعة، فإذا كان مفرطًا مقصِّرًا قبل رمضان، فإنه بعد رمضان يكون مُجدًّا منافسًا في الخير، وإن كانت حاله قبل رمضان حسنة وطيبة، فإن حاله بعد رمضان تكون أحسن وأطيب، وهذا كله من علامات القَبول.
فالذي يتق الله حق تقاته يواصل على الطاعة والعبادة، والله تعالى لما ذكر صفات المؤمنين لم يقيدها بوقت ولم يخصها بزمان قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [سورة المؤمنون ١-٢] . خاشعون دائماً: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)[سورة المؤمنون٣] . ليسوا معرضين في رمضان فقط بل في كل وقت
وفي الختام : أقول لقد مضت الأعمال، والصيام، والقيام، والزكاة، والصدقة، وختم القرآن، والدعاء، والذكر، وتفطير الصائم، وأنواع البر التي حصلت ، لكن هل تقبلت أم لا؟ هل قبل العمل أم لا؟ يقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة ٢٧] . كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، وهؤلاء الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، يعطي ويخشى أن لا يقبل منه، يتصدق ويخشى أن ترد عليه، يصوم ويقوم ويخشى أن لا يكتب له الأجر، قال بعض السلف: كانوا لقبول العمل أشد منهم اهتماماً بالعمل ذاته، ألم تسمعوا قول الله : إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ… عن فضالة بن عبيد قال: “لئن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إليّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ… وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: “أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا” وقع عليهم الهم وليس وقعوا في المعاصي، وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنئه ومن هذا المحروم فنعزيه،
فإذا أردنا القبول والفوز بالجنة والنجاة من النار فلنداوم على الطاعة وفعل الخيرات بعد رمضان.
** أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يعيننا على طاعته وأن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال..
***
كتبه:- الشيخ/ كمال السيد محمود محمد المهدي.
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف