خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ ، الدكتور محروس حفظي
بتاريخ 15 شعبان 1446هـ ، الموافق 14 فبراير 2025م
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير 2025 م بعنوان : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ ، الدكتور محروس حفظي بتاريخ 15 شعبان 1446هـ ، الموافق 14 فبراير 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير 2025 م بعنوان : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ ، للدكتور محروس حفظي :
(١) إثباتُ الوسيطةِ للأمةِ المحمديةِ، وبيانُ فضلِ رسولِهِ ﷺ.
(٢) الوحدةُ والاجتماعُ وعدمُ التفرقِ، وعدمُ الذوبانِ في شخصيةِ الآخرين.
(٣) الامتثالُ لأمرِ اللهِ تعالَى والخضوعُ لأحكامِهِ.
(٤) عدمُ الاعتدادِ بالسفهاءِ والمغرضينَ وأهلِ الشرِّ.
(٥) محبةُ الخيرِ والنفعِ للجميعِ، والتخلِّي عن الأنانيةِ وحبِّ الذاتِ.
(6) فضلُ ليلةِ النصفِ مِن شعبانَ، ومشروعيةُ إحيائِهَا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير 2025 بعنوان: تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «تحويلُ القبلةِ دروسٌ وعبرٌ »
بتاريخ 15 شعبان 1446 هـ = الموافق 14 فبراير 2025 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كمَا ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ.
مِن الشهورِ المفضلةِ التي اختصّهَا اللهُ وأَوْلَاهَا مِن المنزلةِ بمكانٍ: شهرُ شعبانَ، فمَيَّزَهُ بمنزلةٍ كريمةٍ، ومكانةٍ عظيمةٍ، وقد كانَ النبيُّ ﷺ يختصُّ أيامَهُ بالصيامِ؛ لكونِهَا محلًّا لرفعِ الأعمالِ، فعن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي اللهُ عنهمَا قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لم أركَ تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (النسائي)؛ وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كان رَسُولُ اللهِ ﷺ يصومُ حتى نقولَ: لا يفطرُ، ويفطرُ حتى نقولَ: لا يصومُ، فما رأيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ استكملَ صيامَ شهرٍ إلّا رمضان، وما رأيتُهُ أكثرَ صياماً منهُ في شعبانَ» (البخاري) .
ونتذكرُ ونحنُ على أعتابِ شَهْرِ شعبانَ حَدثًا مِن الأحداثِ المهمةِ التي غيرتْ مجرَى التشريعِ الإسلامِي ألَا وهو حادثُ «تحويلِ القبلةِ» لقد كان رسولُنَا ﷺ والمسلمونَ معهُ يتوجهونَ في صلاتِهِم إلى بيتِ المقدسِ قبلَ الهجرةِ ثُمَّ بعدَ الهجرةِ بستةَ عشرَ شهراً أو سبعةَ عشرَ شهراً فعَنْ البَرَاءِ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ المَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا» (الترمذي وحسنه)، ولعلَّ الغرضَ مِن ذلكَ تأليفُ قلوبِ أهلِ الكتابِ للإسلامِ، فنبيُّنَا ﷺ كان يحبُّ أنْ يدخلَ في دينِ اللهِ جميعُ الخلائقِ، ولذا كان يحزنُ عندما يعرضُ الخلقُ عن دعوتِهِ فعاتَبَهُ ربُّهُ جلَّ وعلا:﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، وهذا التأليفُ منهجٌ نبويٌّ التزمَ بهِ نبيُّنَا في دعوتِهِ ورسالتِهِ، ويعضددُ هذا المعنَى أعنِي– تأليفَ أهلِ الكتابِ– ما جاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا شَأْنُ الْقِبْلَةِ قَالَ اللَّهُ:﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَرَكَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ فَقَالَ اللَّهُ:﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ يَعْنُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَنَسَخَتْهَا، وَصَرَفَهُ اللَّهُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَقَالَ اللَّهُ:﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
وقد حوَى حادثُ «تحويلِ القبلةِ» عدةَ أهدافٍ ومقاصدَ لعلَّ أبرزهَا ما يلي:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ
(1) إثباتُ الوسيطةِ للأمةِ المحمديةِ، وبيانُ فضلِ رسولِهِ ﷺ:
إنَّ أهمَّ مقصدٍ نتعلمُهُ مِن «تحويلِ القبلةِ» هو الوسطيةُ التي هي ميزانُ الإسلامِ، وقد جاء الحديثُ عن تلك الوسطيةِ في سياقِ الكلامِ عن هذا الحدثِ فقالَ تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، حيثُ وصفَ الأمةَ بأنّهَا أمةٌ خيرةٌ عادلةٌ مُزكاةٌ بالعلمِ والعملِ، وكأنّهُ يقولُ: “فكمَا جعلنَا الكعبةَ التي هي بمثابةِ الأمانِ للناسِ حيثُ لهَا خصوصيةٌ وقدسيةٌ عن غيرِهَا مِن بقاعِ الأرضِ، فهي وسطُ العالمِ، حتى قِيلَ إنّهَا سرُّ الأرضِ، إشارةٌ إلى توسطِهَا، فكذلكَ أنتم يجبُ عليكُم أنْ تكونُوا خياراً عدولاً وسطاً”؛ ليتحققَ التناسبَ بينكُم وبينَ القبلةِ التي تتوجهونَ إليهَا في صلواتِكُم؛ لأنّكُم ستشهدونَ على الأممِ السابقةِ بأنَّ أنبياءَهُم قد بلغوهُم الرسالةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ وَالوَسَطُ: العَدْلُ» (البخاري)، فما أحوجنَا إلى تلك الوسطيةِ والتحلِّي بها، والبعدِ عن التشددِ والغلوِّ حتى نجذبَ القلوبَ، ونأسرَ النفوسَ بحبِّ هذا الدينِ، ولذا مدحَ اللهُ التوسطَ في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ كقولِهِ تعالي: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾، ونهَى نبيُّنَا ﷺ عن الغلوِّ بكلِّ أنواعِهِ وأشكالِهِ قولاً وعملاً؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» (ابن ماجه)، وأمرَ بالرفقِ واللينِ، فعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (مسلم)، بل دعَى الخسرانَ على مَن سلكَ طريقَ التشددِ، واتخذَهُ منهجَ حياةٍ، فعَنْ ابنِ مسعودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا (مسلم).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ
(2) الوحدةُ والاجتماعُ وعدمُ التفرقِ، وعدمُ الذوبانِ في شخصيةِ الآخرين:
لقد أرادَ اللهُ مِن «تحويلِ القبلةِ» أنْ يجمعَ الصفَّ، ويلمَّ الشملَ بينَ المسلمينَ أجمعينَ إلى يومِ القيامةِ، فهم يعبدونَ ربًّا واحدًا، ويتجهونَ نحوَ قبلةٍ واحدةٍ، وهذا يوجبُ أنْ تتلاقَى النفوسُ والقلوبُ على وجهةٍ واحدةٍ كمَا قالَ ربُّنَا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقال أيضًا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»(مسلم).
إنَّ المجتمعَ المتفرقَ لن يستطيعَ الدفاعَ عن دينهِ وعرضهِ ووطنهِ، ولقد ذمَّ اللهُ التفرّقَ في كتابهِ العزيزِ فقالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾، ولذا يحسدُنَا اليهودُ على القبلةِ، روى الإمامُ أحمدُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ» (صحيح) .
لقد توجَّهَ نبيُّنَا ﷺ نحو بيتِ المقدسِ قبلةِ الأنبياءِ قبلَهُ، لكن شاءتْ إرادةُ الخالقِ أنْ يتجهَ نحو بيتِ اللهِ الحرامِ قبلةِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، فجمعَ ﷺ بينَ ما كان عليهِ الأنبياءُ قبلَهُ مِن الأصولِ، لكنَّهُ جعلَ لأُمتهِ شخصيةً مستقلةً في عبادتِهَا عن غيرِهَا مِن الأممِ السابقةِ حتى لا تذوبَ في شخصيةِ الآخرين، والإسلامُ أمرَنَا بالانفتاحِ على الناسِ جميعًا دونَ أنْ ننسَى هويتَنَا وثقافتَنَا الأصيلةَ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ قال محمدُ القرظِي: «ما خالفَ نبيٌّ نبيًّا قط في قبلةٍ ولا في سنةٍ، إلَّا أنَّ رسولَ اللهِ استقبلَ بيتَ المقدسِ حينَ قدمَ المدينةَ ستةَ عشرَ شهرًا، ثمَّ قرأَ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾».
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ
(3) الامتثالُ لأمرِ اللهِ تعالى والخضوعُ لأحكامِهِ:
إنَّ العربَ في الجاهليةِ كانتْ تُعظمُ البيتَ الحرامَ، وتفتخرُ قريشٌ أنَّهَا تقومُ على خدمةِ حجيجهِ، فلمَّا جاءَ الإسلامُ أرادَ أنْ يخلصَهُم مِن تلك العلائقِ البغيضةِ وتلك الرواسبِ والنعراتِ الجاهليةِ المقيتةِ، ليكونَ إرتباطُهُم باللهِ وحدَهُ، وليُبَيِّنَ لهم أنَّ العبرةَ ليس بالتوجهِ نحو البيتِ فقط، وإنَّمَا بانضمامِ العملِ والسلوكِ الموافقِ لهديِ السماءِ، ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
لقد كان «تحويلُ القبلةِ» درسًا عمليًّا للمسلمِ في حسنِ الخضوعِ والتسليمِ والانقيادِ لأمرِ اللهِ، لذا مهّدَ اللهُ لهُ بما يطمئنُ النفوسَ، ويثبتُ الإيمانَ في القلوبِ، ويهيئُ الأفئدةَ لتقبلِ هذا الأمرِ العظيمِ حيثُ أنزلَ قبلَ آياتِ القبلةِ قولَهُ تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، ولذا بادرَهُ الصحابةُ بالسمعِ والطاعةِ حينمَا أمرَهُم ﷺ بالتوجهِ ناحيةِ المسجدِ الأقصَى فانقادُوا ولبثُوا على ذلك مدةً، فلمَّا أُمِرُوا بالتوجهِ ناحيةِ البيتِ الحرامِ سارعُوا وامتثلُوا، بل إنَّ بعضَهُم لمَّا عَلِمَ بتحويلِ القبلةِ وهُم في صلاتِهِم توجهُوا إلى القبلةِ الجديدةِ، فعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: «فَصَلَّى مَعَ النَّبِىِّ ﷺ رَجُلٌ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِى صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ» (البخاري)، أمّا المنفاقونَ والمذبذبونَ وضعافُ الإيمانِ فقد انتابَهُم الشكُّ والحيرةُ: “كيف نُصلِّي نحوَ المسجدِ الأقصَى ثم نتجهُ للبيتِ الحرامِ” ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، وما أكثرَ هؤلاءِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ يرتدُّ أحدُهُم لأقلِّ شبهةٍ، وأدنَى ملابسةٍ، يتعاملُ مع اللهِ بمبدأِ المنفعةِ المجردةِ، والمصلحةِ البغيضةِ فهو كما أخبرَنَا﴿مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ﴾.
إنَّ المسلمَ الحقيقيَّ الذي يسلمُ أمرَهُ كلَّهُ للهِ ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، فلا يقدمُ على شيءٍ إلّا إذا وافقَ حكمَ اللهِ ورسولِهِ ﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾، وعَن أَبِي هُرَيْرَة قال: ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لَمَّا جِئْتُ بِهِ» (رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ)، وهذا الانقيادُ هو الذي يعصمُ المسلمَ مِن رياحِ الشكوكِ والفتنِ، وأبواقِ الشبهاتِ والإلحادِ التي قد تظهرُ أمامَهُ فلا يتأثرُ بهَا، إذ معهُ مِن اليقينِ ما لا يتزعزعُ عن إيمانِهِ قيدَ أُنملةٍ ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾، وها هو رسولُن.حا ﷺ يضربُ أروعَ الأمثلةِ في حسنِ الأدبِ مع اللهِ، فهو على الرغمِ مِن محبةِ صلاتِهِ إلى الكعبةِ بل ظلت تلكَ الأمنيةُ تراودُهُ، وتشغلُ فؤادَهُ، لكنّهُ لم يسألْ اللهَ، وإنّمَا انتظرَ الفرجَ مِن السماءِ يدلُّكَ على هذا التعبيرُ بالمضارعِ ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ الذي يفيدُ التكثيرَ، فعَنْ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَى الكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ﴾، وَكَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ» (البخاري) .
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ
(4) عدمُ الاعتدادِ بالسفهاءِ والمغرضينَ وأهلِ الشرِّ:
لقد أظهرَ «تحويلُ القبلةِ» صحةَ نبوةِ رسولِنَا ﷺ حيثُ أخبرَ اللهُ بمَا سيقولُهُ هؤلاءِ اليهودُ عندَ تحولِ القبلةِ قبلَ أنْ يتمَّ هذا الحدثُ، فدلَّ على صحةِ قولِهِ ﷺ؛ إذ هو أمرٌ غيبيٌّ قالَ تعالَى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، لقد شنَّ اليهودُ ومِن على شاكلتِهِم حملةً إعلاميةً بشعةً استخدمُوا فيها كلَّ أساليبِ الخداعِ والتمويهِ، وقلبِ الحقائقِ حيثُ قابلُوا «تحويلَ القبلةِ» بالاستهزاءِ والجحودِ، وإثارةِ الشبهاتِ، وبلبلةِ الأفكارِ، وتشكيكِ المسلمين في عقيدَتِهِم، فقالُوا: «تركَ قبلةَ الأنبياءِ قبلَهُ»، وقال مشركُو العربِ: «توجَّهَ إلى قبلتِنَا ويوشكُ أنْ ينقلبَ بكليتِهِ إلى دينِنَا»، وقال المنافقون: «إن كانت القبلةُ التي توجَّهَ إليهَا أولًا هي الحقُّ فقد تركَ الحقَّ، وإن كانت التي توجَّهَ إليها ثانيًا هي الحقُّ فقد كان على الباطلِ قبلَ ذلك»، لكنَّ اللهَ أفسدَ عليهم خطتَهُم، وأحبطَ مكرَهُم، ولقَّنَ نبيَّهُ ﷺ الجوابَ الذي يخرسُ بهِ ألسنةَ المعترضينَ وهؤلاء السفهاءِ الجاهلين الذين لم يعتد القرآنُ بذكرِ أسمائِهِم، فهم فريقٌ خفتْ أحلامُهُم، وضعفتْ عقولُهُم قالَ تعالَى: ﴿قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وهذا الأسلوبُ وتلك الحيلةُ إحدى أدواتِ الحربِ النفسيةِ التي يستخدمُهَا خصومُنَا في كلِّ زمانٍ ومكانٍ لتحقيقِ أهدافٍ مختلفةٍ سواءٌ في أوقاتِ السلمِ أو الحربِ، لكنَّ المسلمَ اليقظَ الفطنَ اللبيبَ يقفُ مِن تلك الشائعاتِ إحدَى الحسنيين: أحدُها: موقفُ المتجاهلِ الذي لا يعبأُ بمَا يقولُهُ أو ينشرُهُ أهلُ الشرِّ والمرجفون، ولذا حكمَ اللهُ على هؤلاءِ بالطردِ مِن رحمتِهِ إنْ لم ينتهُوا فقالَ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾، وللهِ درُّ الإمامِ الشافعِي حيثُ قال:
إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ … فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ
فَإِن كَلَّمتَهُ فَرَّجتَ عَنهُ … وَإِن خَلَّيتَهُ كَمَداً يَموتُ
ثانيها: موقفُ المتثبتِ الناقدِ لِمَا يسمعُ ويُبثُّ ويذاعُ مِن الأخبارِ والأراجيفِ حسبمَا قالَ ربُّنَا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾، فاللهُ إذا أرادَ بعبدٍ خيرًا وفقَهُ لمواصلةِ العملِ والبناءِ والتنميةِ فلا يلتفتُ لِمَا يُقالُ هنا وهناك، أمَّا مَن أرادَ خذلانَهُ فيشغلُهُ بالجدلِ والمخاصمةِ، يقول مَعْرُوف الْكَرْخِي: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتَحَ لَهُ بَابَ عَمَلٍ, وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ, وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ الْجَدَلِ, وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ».
العنصر الخامس من خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ
(5) محبةُ الخيرِ والنفعِ للجميعِ، والتخلِّي عن الأنانيةِ وحبِّ الذاتِ:
كمَا أنَّك تلحظُ – أخي الحبيب – أنَّ الصحابةَ في «تحويلِ القبلةِ» كانوا حريصينَ على مَن سبقَهُم مِن أهلِ الإيمانِ الذين ماتُوا وهم يصلونَ نحو بيتِ المقدسِ فسألُوا عن مصيرِهِم كأسعدِ بنِ زرارةَ، وأبي أمامةَ الباهلِي وغيرِهِم، فعَنْ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «وكان الذي ماتَ على القبلةِ قَبلَ أنْ تحولَ قِبل البيتِ رجالٌ قتلُوا لم ندرِ ما نقولُ فيهِم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾»(البخاري)، وهذا يرشدُكَ إلى حسنِ صفاءِ النفوسِ، وصلاحِ القلوبِ، وحبِّ الخيرِ للغيرِ، خاصةً ونحنُ نعيشُ ليلةَ النصفِ مِن شعبانَ، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» (ابن ماجه) .
العنصر السادس من خطبة الجمعة القادمة 14 فبراير : تَحْوِيلُ القِبْلَةِ دُرُوسٌ وَعِبَرٌ
(6) فضلُ ليلةِ النصفِ مِن شعبانَ، ومشروعيةُ إحيائِهَا:
لقد اختصَّ سبحانَهُ مِن هذا الشهرِ: ليلةَ النصفِ منهُ ونهارَها، وفضَّلَهُمَا على غيرهِمَا مِن أيامِهِ ولياليهِ، ورغَّبَ في إحيائِهَا، واغتنامِ نفحِهَا، بقيامِ ليلِهَا وصومِ نهارِهَا؛ سعيًا لنيلِ فضلِهَا، وتحصيلِ ثوابِهَا، وما ينزلُ فيها مِن الخيراتِ والبركاتِ، وقد دَرَجَ على إحياءِ هذه الليلةِ والاحتفالِ بهَا المسلمون سلفًا وخلفًا عبرَ القرونِ مِن غيرِ نكيرٍ، فقد كتبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عدِي بنِ أرطأةَ وهو عاملُهُ على البصرةِ: “أَنْ عَلَيْكَ بِأَرْبَعِ لَيَالٍ مِنَ السَّنَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ يُفْرِغُ فِيهِنَّ الرَّحْمَةَ إِفْرَاغًا: أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْلَةِ الفِطْرِ، وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى” (الترغيب والترهيب)؛ واعتنَى العلماءُ بهذه الليلةِ المباركةِ؛ لِمَا لهَا مِن الفضلِ، وزادَ اعتناؤُهُم بهَا حتى أفردُوا في فضلِهَا وإحيائِهَا وبيانِ خصائصِهَا أجزاءَ حديثيةٍ ورسائلَ، منها: “ليلةُ النصفِ مِن شعبانَ وفضلُهُا” للحافظ ابن الدبيثي صاحب “الذيل على تاريخ بغداد” [ت: 637هـ]، و”الإيضاحُ والبيانُ لِمَا جاءَ في ليلتي الرغائبِ والنصفِ مِن شعبان” للإمام ابن حجر الهيتمي [ت: 974هـ]، و”التبيانُ في بيانِ ما في النصفِ مِن شعبانَ” للملا علي القاري [ت: 1014هـ]، و”فضائلُ ليلةِ النصفِ مِن شهرِ شعبانَ” للعلامة سالم السنهوري [ت: 1015هـ]، و”رسالةٌ في فضلِ ليلةِ النصفِ مِن شهرِ شعبانَ” للعلامة محمد حسنين مخلوف [ت: 1355هـ]، و”حسنُ البيانِ في ليلةِ النصفِ مِن شعبانَ” للعلامة عبد الله الغماري [ت: 1413هـ]، و”ليلةُ النصفِ مِن شعبانَ في ميزانِ الإنصافِ العلمِي” للإمام الرائد الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم [ت: 1419هـ].
وقد نُقِلَ العملُ على الاحتفالِ بليلةِ النصفِ مِن شعبانَ عن السلفِ الصالحِ، قال العلامةُ ابنُ الحاجِّ المالكِي: [وكان السلفُ رضي اللهُ عنهُم يُعَظِّمونَهَا – أي: ليلةُ النصفِ مِن شعبانَ-، ويُشَمِّرُونَ لهَا قبلَ إتيانِهَا، فما تأتيهِم إلا وَهُمْ متأهِّبونَ للقائِهَا، والقيامُ بحرمتِهَا على ما قد عُلِمَ مِن احترامِهِم للشعائرِ على ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، هذا هو التعظيمُ الشرعيُّ لهذهِ الليلةِ]. أ.هـ.
فكان مِن أعمالِهِم المستحبةِ والمشروعةِ في هذه الليلةِ: الدعاءُ والاستغفارُ خاصةً في الثلثِ الأخيرِ مِن الليلِ، والاجتماعُ لقراءةِ القرآنِ والأذكارِ، وصلةُ الأرحامِ، ونشرُ الصدقاتِ، قالَ العلامةُ الفاكهِيُّ: [ذِكْرُ عملِ أهلِ مكةَ ليلةَ النصفِ مِن شعبانَ واجتهادِهِم فيهَا لفضلِهَا: وأهلُ مكةَ فيمَا مضَى إلى اليومِ، إذا كان ليلةُ النصفِ مِن شعبانَ خرجَ عامةُ الرجالِ والنساءِ إلى المسجدِ، فصلَّوا، وطافُوا، وأحيَوْا ليلتَهُم حتى الصباحِ بالقراءةِ في المسجدِ الحرامِ، حتى يختمُوا القرآنَ كلَّهُ، ويُصلُّوا، ومَن صلَّى منهم تلك الليلةَ مائةَ ركعةٍ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ بـ﴿الْحَمْدُ﴾ -أي: الفاتحة-، و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ عشرَ مراتٍ، وأخذوا مِن ماءِ زمزمَ تلك الليلة، فشربُوه، واغتسلُوا بهِ، وخبَّؤُوهُ عندَهُم للمرضَى، يبتغونَ بذلكَ البركةَ في هذه الليلةِ، ويُروىَ فيهِ أحاديثٌ كثيرةٌ] . أ.ه.
وقال الحافظُ ابنُ رجبٍ: [وليلةُ النصفِ مِن شعبانَ: كان التابعونَ مِن أهلِ الشامِ، كخالدِ بنِ معدان ومكحولٍ ولقمانَ بنِ عامرٍ وغيرِهِم، يعظمونَهَا ويجتهدونَ فيهَا في العبادةِ، وعنهم أخذَ الناسُ فضلَهَا وتعظيمَهَا] . أ.هـ.
وأحاديثُ هذا البابِ وإنْ كان في بعضِهَا مقالٌ إلّا أنّهَا في الجملةِ يقوِّي بعضُهَا بعضًا؛ لكثرةِ طرقِهَا، وتعددِ رواتِهَا؛ فيُحْتَجُّ بهَا، فلا تحرم نفسَكَ مِن الخيرِ والبرِّ، قال العلامةُ المباركفوري: [بابُ ما جاءَ في ليلةِ النصفِ مِن شعبانَ.. فهذه الأحاديثُ بمجموعِهَا حجةٌ على مَن زعمَ أنّهُ لم يثبتْ في فضيلةِ ليلةِ النصفِ مِن شعبانَ شيءٌ] . أ.ه.
وأعظمُ عبادةٍ يتقربُ بهَا العبدُ إلى ربِّهِ – سبحانَهُ- في هذه الليلةِ أنْ يصفِّيَ قلبَهُ، ويهذبَ نفسَهُ مِن الخصوماتِ والشحناءِ والعداواتِ، تأهباً واستعداداً لنزولِ الرحماتِ مِن ربِّ الأرضِ والسمواتِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَطَّلِعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ، وَقَاتِلِ نَفْسٍ» (أحمد) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف