أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة ١٣ نوفمبر ٢٠٢٠م : أدب الحوار والتعبير عن الرأي، للشيخ كمال المهدي

خطبة الجمعة القادمة ١٣ نوفمبر ٢٠٢٠م بعنوان : أدب الحوار والتعبير عن الرأي، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 27 من ربيع الأول 1442هـ ، الموافق 13 نوفمبر 2020 م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 نوفمبر 2020 بصيغة word : أدب الحوار والتعبير عن الرأي، للشيخ كمال المهدي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 نوفمبر 2020 بصيغة pdf : أدب الحوار والتعبير عن الرأي، للشيخ كمال المهدي

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 نوفمبر 2020 كما يلي:

خطبة الجمعة القادمة ١٣ نوفمبر ٢٠٢٠م بعنوان (أدب الحوار والتعبير عن الرأي)

                 **

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم..

.. أما بعد :-

**أحبتي في الله:-قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)

أيها الأحبة :-

إن الاختلاف بين الناس أمر فطري. وهو سنَّة الله في خلقه فالناس مختلفون في أشكالهم وألوانهم. وطباعهم. وأفكارهم.

هذا الاختلاف آية من آيات الله جل وعل  قال تعالى :

( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ )[ الروم :٢٢]

فالاختلاف أمر طبيعي، ولكن قد نتوصل للتوافق . أو على الأقل  نضيق حجم الاختلاف عن طريق الحوار .

فما هو الحوار؟ وماهي آدابه التي ينبغي أن نلتزم بها لتحقيق الهدف المنشود من الحوار؟

بداية أقول :-

الحوار : هو مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، أو إظهار حجَّةٍ ، أو إثبات حقٍ ، أو دفع شبهةٍ ، أو ردُّ الفاسد من القول والرأي.

 وقد ذكر الله جل وعلا كلمة الحوار في كتابه الكريم .

فقال تعالى :

(فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا )[الكهف ٣٤]

وقال تعالى : (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا)[الكهف ٣٧]

 وقال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [ المجادلة ١]

وإِنَّ المُتَأمِّلَ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ يَجِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدَّمَ لَنا نَمَاذِجَ لِلحِوَارِ الهَادِفِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ ورُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، فَجَميعُ الأَنْبِياءِ حَاوَرُوا أَقْوَامَهُم وجَادَلُوهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلَنا فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، حَيْثُ حَاوَرَ أَبَاهُ، وَإِلَى الحَقِّ دَعَاهُ، بِأُسُلوبٍ هَيْمَنَ عَليهِ الأَدَبُ واحتِرَامُ الوَالِدِ، فَقَدْ كَانَ يَستَجِيشُ عَاطِفَةَ الأُبُوَّةِ عِنْدَ أَبِيهِ؛ فيُعبِّرُ فِي جَمِيعِ مُحَاوَراتِهِ بِلَفْظِ: ((يَا أَبَتِ)) فَقَالَ: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً)وَأَرْجَعَ عليه السلام الكُفْرَ إِلَى الشَّيْطَانِ لا إِلى النَّفْسِ لِيَمتَدِحَ فِيهِ الفِطْرَةَ السَّوِيَّةَ، وبِهَذَا يُقْنِعُهُ بِالبُعْدِ عَنِ العِصْيَانِ وَيَستَمِيلُهُ لِيَتَّبِعَ الحَقَّ، فَقَالَ:(يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً).

وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  يُقدِّمَ نَمُوذَجاً رَائِعاً مِنْ نَمَاذِجِ الحِوَارِ مَعَ المُخَالِفِينَ، لِيَستَمِيلَهُم إِلَى الإِيمَانِ، وَيُقَرِّبَهُم مِنْ سَاحَتِهِ، فَيَقُولَ:(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[سبأ:٢٤] ، ثُمَّ يَتَجَنَّبُ إِغْضَابَ الآخَرِ لِيَسْتَطِيعَ أَنْ يُوْصِلَ إِلَيْهِ رَأْيَهُ، فَيَقُولُ: ( قُل لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، فَهُوَ يَفْتَرِضُ فِي نَفْسِهِ التَّقْصِيرَ ولِذَلِكَ يُعبِّرُ بِقَولِهِ: ((أَجْرَمْنَا)) لِيَرْقَى بِالحِوَارِ عَنِ الأَهوَاءِ، ويَفْتَرِضَ فِي خَصْمِهِ الاجتِهَادَ لِيُقَرِّبَهُ مِنَ الإِنْصَافِ فَيُعبِّرَ بِقَوْلِهِ: ( تَعْمَلُونَ)، وبِهَذَا يَكُونُ قَدْ قَدَّمَ الحُجَّةَ وَأْظْهَرَ الحَقَّ، وَلَيْسَ أَحَدٌ سِوَى اللهِ يَفْصِلُ بَينَهُم، فَقَرَّرَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ فَقَالَ:(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)

إن رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم يعلم على وجه اليقين أنه على الحق والهدى، ومع ذلك أمره الله في تحاوره مع المشركين أن يقول لهم:  ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )

إنها الأرضية المشتركة التي نقف عليها، أحدنا على حق والآخر على باطل، فلنتناقش ولنتحاور حتى نصل إلى الحقيقة الغائبة..

إنها طريقة الحوار المثلى، وغاية الأدب، ومنتهى سموِ الأخلاق.

وَقَدِ اعتَادَ النَّاسُ فِي مَجَالِسِهِمْ أَنْ يَتَنَاقَشُوا فِي أُمُورِهِمْ، وأَنْ يَتَجَادَلُوا فِي مَوْضُوعَاتٍ تَهَمُّهُمْ، إِلاَّ أَنَّ البَعْضَ يَجْهَلُ أُسلُوبَ النِّقاشِ وطَرِيقَةَ الحِوارِ، فَمَا أَحْرَى أَنْ نَتَعرف على آدَابَ الحوار، حَتَّى نَعُودَ بِالنَّتَائِجِ الإِيجَابِيَّةِ والعَوَاقِبِ الحَمِيدَةِ مِنْ كل نقاش حوار.

فما هي آداب الحوار؟

**أول هذه الآداب  :-

 إخلاص النية لله تعالى وأن يكون الهدف من الحوار هو الوصول إلى الحق. سواء أكان الحق لي أو علي  ، أكان الصواب معي أو مع غيري.

المهم أن نصل إلى الحق والصواب، متبعين في ذلك قاعدة :

(قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب)

فالحق ضالة المؤمن أنى وجده فهو أحق به، فيلزم من الحوار أن يكون حسن المقصد،

وليس المقصود منه الانتصار للنفس ، أو الرياء وحب الظهور.

وعليك أخي الحبيب أن تسأل نفسك قبل كل حوار هذا السؤال : ما هو هدفك ، وما قصدك ، وما هي نيتك من هذا الحوار؟

كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول :

(ما ناظرت أحداً إلا وددت أن الله تعالى أجرى الحق على لسانه).

**ثانيها :- الإنصات إلى المتحدث حتى يفرغ من كلامه فلا نقاطعه ليعبر عن رأيه بكل حرية ولذلك قالوا: كن مستمعا جيدا لتكن متحدثا لبقا.

فينبغي أَن يُحْسِنَ المُحَاوِرُ الاستِمَاعَ لأَقْوَالِ الطَّرَفِ الآخَرِ، ويَتَفّهَمَها فَهْماً صَحِيحاً، وأَلاَّ يُقَاطِعَ مُحَاوِرَهُ، أَو يَعتَرِضَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَ حَدِيثِهِ، وانظر إلى هذا الحوار الراقي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عتبة بن ربيعة من سادة قريش. يذهب عتبة بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويساومه على ترك الإسلام فيقول له : (يا ابن أخي، إنك منَّا حيث قد علمت من السِّطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك أتيت قومك بأمر عظيم فرَّقت به جماعتهم، وسفَّهت به أحلامهم، وعِبْتَ به آلهتهم ودينهم، وكفَّرت به مَن مضى مِن آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها) فقال له رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم: (قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعْ) . قال: (يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإنْ كنت تريد به مُلكًا ملَّكناك علينا، وإنْ كان هذا الذي يأتيك رِئيًا تراه لا تستطيع ردَّه عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبْرِئك منه؛ فإنَّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُدَاوى منه

حتى إذا فرغ عتبة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قال: نعم. قال له رسول صلى الله عليه وسلم: فَاسْمَعْ مِنِّي، قال: أفعل.

فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم:(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ)[فصلت ١_٥]

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ فَأَنْتَ وَذَاكَ.

فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشِّعْر ولا بالسِّحر ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني، واجعلوها بي، وخَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليَكُونَنَّ لقوله الذي سمعتُ منه نبأٌ عظيم، فإن تُصِبْهُ العرب فقد كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وإن يظهر على العرب فمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وعِزُّه عِزُّكُمْ، وكنتم أسعدَ الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه!! قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم).

هذا الحوار في غاية الأهمية؛ فعلى الرغم أن عتبة بن ربيعة كان قد قدَّم كلامه بمجموعة من التُّهَم الموجَّهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رسول الله  ظل على هدوء أعصابه ولم ينفعل، إنما واصل الاستماع في أدبٍ واحترام، مع أن عتبة عرض على النبي صلى الله عليه وسلم التنازل عن دعوته مقابل ما يعرضه عليه من مغريات الدنيا، فقَبِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يستمع إليه، بل قال له: قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعُ. فهو يُكَنِّيه بِكُنْيَتِهِ، أي يُناديه بأحب الأسماء إليه ويلاطفه ويرقِّق قلبه، ولما عرض عتبة بن ربيعة الأمور التي جاء بها لم يقاطعه النبي صلى الله عليه وسلم مع سفاهة العروض وتفاهتها، بل إنه صبر حتى النهاية، وقال في أدبٍ رفيع: أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قال: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاسْمَعْ مِنِّي)لقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة كاملة لعتبة لكي يتكلم ويعرض وجهة نظره، وبعد انتهائه تمامًا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكلام؛ ليضرب لنا بذلك أروع الأمثلة في التحاور مع الآخرين، وإن كانوا مخالفين تمامًا في العقيدة والدين.

فماذا لو لم يسمح رسول الله صلى الله عليه وسلم لعتبة بأن يتم كلامه وقال له أنا على حق وأنت على باطل، أو قال له بل أنت استمع مني ومثلي لا يستمع لمثلك، أو رفض أن يجلس معه ويحاوره؟! أكان عتبة سيخرج بمثل ما خرج به، أكان سيستمع لكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ أكان سيخرج مادحاً لدين رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟

**ثالثها :-إنزال المحاوَر منزلته:

جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل ملك الروم كتاباً دعاه فيه إلى الإسلام، وفيه:( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأَرِيسيِّين -الفلاحين والأتباع-  و( يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )[آل عمران:٦٤]

فمن آداب الحوار النبوي مع الآخرين ، إنزال الناس منازلهم فقد قال صلى الله عليه وسلم  لِعُتْبة( أفرغت يا أبا الوليد)، وقال لهرقل ملك الروم النصراني ( من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم ) وذلك الأدب النبوي في الحوار أصله قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم )

ومن شواهد ذلك ما جاء في حديث وفد عبدالقيس لما وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( إن وفد عبدالقيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: من القوم، أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى)

وكان سبب استفساره هو الرغبة في التعرف عليهم؛ لينزلهم منازلهم، ويتحدث معهم مراعياً أحوالهم.

**رابعها:-النظر في شبهات المحاورين، والإجابة عنها:

ففي ذلك إرضاء لهم، وتطييب لنفوسهم. ومن الأمثلة على ذلك :ما ورد أنه في غزوة حنين رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتألف البعض بالغنائم تأليفاً لقلوبهم، وذلك لحداثة عهدهم بالإسلام، فأجزل العطاء لزعماء قريش وغطفان وتميم، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل، وقد تأثر بعض الأنصار بحكم الطبيعة البشرية، وظهر بينهم نوع من الاعتراض على ذلك، فراعى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاعتراض وعمل على إزالته بحوار رقيق، يتسم بالحكمة والرفق، والود والحب .

عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال:( لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد غضب هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟، قال: يا رسول الله، ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا من ذلك، قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال : فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة، قال : فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، قال : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال : يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجِدَةٌ وجدتموها في أنفسكم، ألم تكونوا ضلَّالاً فهداكم الله، وعالة  فقراءفأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟قالوا: بل الله ورسوله أمنّ وأفضل، قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟، قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل، قال: أما والله لو شئتم لقلتم فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لُعَاعَةٍ من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شِعباً، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً، ثم انصرف رسول الله ـصلى الله عليه وسلم وتفرقوا ) ( رواه البخاري ومسلم )

لقد وجد الأنصار في أنفسهم كما يجد أي إنسان من أنهم هم الذين قاتلوا وجاهدوا ثم بعد ذلك تُصرف الأموال إلى غيرهم، بل إلى رؤساء أعدائهم، لذلك قالوا في رواية أخرى للحديث: ( يعطي قريشاً وسيوفنا لا زالت تقطر من دمائهم) في ظاهر الأمر يحق لهم أن يعتبوا، ولكن نظر النبي صلى الله عليه وسلم أوسع من نظرهم، والمصلحة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعطاء المؤلفة قلوبهم كانت أكبر من إعطاء الأنصار تلك اللعاعة من الدنيا ولذلك وكلهم إلى إيمانهم، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار وحدهم واتبع معهم أسلوبا تربوياً حكيما رقيقاً خاطب فيه عقولهم وعواطفهم، فكانت النتيجة أن انقادوا طائعين راضين بقسمة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن القيم ينوه بما في هذا الحوار النبوي من النفع: ” ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين، ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عَوْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم ” .

**خامسها:-تجنب مقاطعة أحد أو تصحيح كلامه أو تجريحه أو تخطيه أو السخرية من كلامه، قال الله تعالى (وقولوا للناس حسنا)

**سادسها :-خفض الصوت وعدم رفعه أكثر من الحاجة وتجنب الصخب والضجيج والصراخ والانفعال، قال الله تعالى (واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) [لقمان آية ١٩] .

**سابعها:-التزام الهدوء والابتسام أثناء الكلام وعدم العبوس في وجوه الناس، عن أبى الدرداء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يحدث حديثا إلا تبسم”.

**أحبتي في الله :- ما ذكرناه إنما هو بعض من آداب الحوار فهناك العديد من هذه الآداب ولكن نكتفي بهذا القدر حتى لا نطيل على حضراتكم..

**وقبل الختام أقول لكم. ما أحوجنا إلى هذه الآداب حتى تستقيم حياتنا. فنحن في هذا الزمان نعاني كثيرا وكثيرا  من سوء الأدب في الحوار ،وعدم الالتزام بآداب الحوار.

*فكم من حوار بين زوج وزوجته لم يراع فيه أصول الحوار وآدابه كانت نهايته الطلاق.

*كم من حوار بين الولد ووالديه كانت نهايته العقوق.

*وكم من حوار بين شريك وشريكه انتهى إلى الانفصال .

*وكم من حوار بين رئيس ومرؤوسه انتهى إلى العقاب ،  وهكذا.

 **أحبتي في الله :-

إن الحوار سبيلنا وطريقنا * لبلوغ عهد من عظيم رخــاء..

فلنعتصم من أجل أمتنا التي * تأبى الرجوع لحقبة ظلماء..

أسأل الله تعالى أن يُؤلف بين قلوبنا وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه..

                   **

كتبه :- كمال السيد محمود محمد المهدي..

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »