خطبة الجمعة القادمة: هكذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما يجب أن نعرفه ، للشيخ عبد الناصر بليح
كتب: د. أحمد رمضان
خطبة الجمعة القادمة: هكذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما يجب أن نعرفه ، للشيخ عبد الناصر بليح.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي
هكذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،” كما يجب أن نعرفه “
الحمدلله رب العالمين..:”هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”(الجمعة/2).
وأشهد ان لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه :” أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ “(التوبة/33).
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشائها ونور الأبصار وضيائها محمدصلي الله عليه وسلم قال عن نفسه :”ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر”(الترمذي).
ويقول :”إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ, فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ, وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ. وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ”(البخاري ومسلم).
سيدي يارسول الله :”
الحق أنت وأنت إشراق الهدى***ولك الكتاب الخالدالصفحات
من يقصد الدنـيا بغيرك يلقها *** تيها من الأهوال والظلمات
ظلت علومهــم برغم نبوغهم *** وتعرضو لمهالك الخطرات
وتنكبو سبل السـلام وأقبلوا *** يتشدقـون بأسـفه الكلمات
لو شرق القوم الكبار وغربوا *** فأليك حتما منتهى الخطوات
اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد فياجماعة الإسلام .
هكذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
صاحب الخلق الكريم:”
عباد الله :” ونحن في شهر مولده صلي الله عليه وسلم ما أحوجنا لأن نتخلق بأخلاقه و أن نتأسى بأفعاله فهو الأسوة والقدوة الذي نقتدي بخير أسوة وخير قدوة – يقول الله تعالي :”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “(الأحزاب / 21). وقد امتدحه المولي عزوجل بقوله :”وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”(القلم /4). وقال عن نفسه :”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”(مسند البزار). وقال :”إنما أنا رحمة مهداة “. (الحاكم ). وكان صلى الله عليه وسلم يقول:”إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا”. ويقول :”ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء” . ويقول :”أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لأهله”.
ولما سأله أبو بكر الصديق :”ما كل هذا الأدب الجم يا سول الله قال :”أدبني ربي فأحسن تأديبي “(السخاوي). فكان يدعو إلى الله بأخلاقه ومعاملاته ، كما يدعو إليه بأقواله.
فكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأدباً وأكرمهم و أتقاهم وأنقاهم معاملة . قال عنه ربه عز وجل مادحاً وواصفاً خُلقه الكريم صلى الله عليه وسلم “وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ “(القلم/4).
عن أنس رضي الله عنه قال:” كان النبي صلى الله عليه وسلم:”أحسن الناس خلقًا “( متفق عليه). و عنه قال : ” خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال أف قط ، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا” ( الشيخان وأبو داود و الترمذي).وعن عائشة قالت :”ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله”( متفق عليه).
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت:”ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم “(الطبراني في الأوسط بإسناد حسن).
وعن عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : “كان خلقه القرآن”( مسلم).
عن عطاء رضي الله عنه قال : قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا “(البخاري).
#هكذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
صاحب النسب الرفيع :”
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أكمل الناس شرفاً وألطفهم طبعاً وأعدلهم مزاجاً وأسمحهم صلة وأنداهم يداً , لأنه مستغن عن الفانيات بالباقيات الصالحات. فقال عن نفسه :” إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم”(مسلم). وقال يوم غزوة حنين مفتخرأ بنسبه ” أنا النبيُّ لا كذِب، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلب”(البخاري). وهذا رداً علي من يطعنون في نسبه صلي الله عليه وسلم فلو كان في نسبه ذرة من غبار لقال له المشركون في عز الحرب لاقف هنا ..
ولما سئل عنه علي كرم الله وجهه الذي اضطر يوماً لأن يفخر فقال: “
#محمدٌ النبي أخي وصهري -#وحمزة سيد الشهداء عمي –
#وجعفر الذي يمسي ويضحي يطير مع الملائكة ابن أمي –
#وبنت محمد سكني وزوجي منوط لحمها بدمي ولحمي –
#وسبطا أحمد ولداي منها فأيكم له سهم كسهمي..
هكذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
صاحب المقام المحمودوالشفاعةالعظمى”
قال تعالى: ” عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا “(الإسراء/79). فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم : ” وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ”(الترمذي). محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من تفتح له أبواب الجنة فهو الذي يقول:”آتى باب الجنة يوم القيامة فاستفتح ، فيقول الخازن : من أنت ؟ قال : فأقول : محمد. قال : يقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك “(مسلم). وقال:”وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلَا فَخْرَ”(الترمذي).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه :”فيأتوني ، فيقولون : يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، فأنطلق فآتي تحت العرش ، فأقع ساجداً لربي عز وجل ، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك ، سل تعطى ، واشفع تشفع “( متفق عليه).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : “إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا – جلوساً على الركب – ، كل أمة تتبع نبيها ، يقولون : يا فلان اشفع ، يا فلان اشفع ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود “(البخاري) .
هكذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
خير الناس لأهله
كان صلي الله عليه وسلم خير الناس لأهله يصبر عليهم ، ويغض الطرف عن أخطائهم فهو القائل:”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي “(الترمذي) .
كان يمازح أهله ويلاعبهم ويسابقهم. عن عائشة رضي الله عنها قالت ” : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : اقدموا فتقدموا ، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : تقدموا فتقدموا ، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك ” رواه أحمد.
كان صلى الله عليه وسلم يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم فعن عائشة رضي الله عنها قالت :”كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم “( أحمد).
وعن الأسود قال : سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت :” كان يكون في مهنة أهله ، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة”( مسلم والترمذي). وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس؛ إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها. وَجَـاءَ الْحَسَـنُ وَالْحُسَـيْنُ، عَلَيْهِمَا قَمِيصَـانِ أَحْمَـرَانِ، يَمْشِيَـانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُـولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن الْمِنْبَرِ، فَحَمَلَهُمَا، فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ:” إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ”(التغابن/15). نَظَرْت إلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي فَرَفَعْتُهمَا” (أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه).
وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم “(البخاري واللفظ له ومسلم)..وكان يقول”إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ”(البخاري).
#هكذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
نبي الرحمة والتيسير على أمته وعلى الناس أجمعين.
كان صلي الله عليه وسلم يحب التيسير وينهي عن المغالاة في الدين عن عائشة رضي الله عنها قالت ” ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا ، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم”(البخاري).
كان صلى الله عليه وسلم يحب أمته ويدعو على من آذاها :” اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً ، فشقَّ عليهم ، فاشقُق عليه ، و من ولي من أمر أمتي شيئاً ، فرفق بهم ، فارفق به “(مسلم).
و عندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم ” إني لم أبعث لعانًا ، وإنما بعثت رحمة “(مسلم).
كان صلى الله عليه وسلم رحيما في تعامله مع الناس حكيما في توجيههم عن أنس رضي الله عنه قال : ” بينما نحن في المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فصاح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : مَه مَه” أي اترك ” !!.قال النبي عليه الصلاة و السلام :” لا تُزرموه، “لا تقطعوا بوله”.فترك الصحابة الأعرابي يقضي بَوله ، ثم دعاه الرسول صلى الله عليه و سلم و قال له:” إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنَّما هي لِذِكر الله والصلاة و قراءة القرآن ” ، ثم قال لأصحابه صلى الله عليه و سلم : ” إنَّما بُعِثتم مُبَشِرين ، ولم تُبعَثوا معسرين، صُبّوا عليه دلواً من الماء “.عندها قال الأعرابي : “اللهم ارحمني ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً “.فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : “لقد تحجَّرتَ واسعاً”، (أي ضَيَّقتَ واسعاً)، (متفق عليه).
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين..
أما بعد فياجماعة الإسلام : لازلنا نواصل الحديث حول
#هكذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
سماحته في معاملة غير المسلمين:”
إخوة الإسلام :” بعث الله تعالى نبيه صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، وهو صلي الله عليه وسلم مثال للكمال البشري في حياته كلها ، مثال للكمال في علاقته بربه وفي علاقته بالناس كلهم بمختلف أجناسهم وأعمارهم وألوانهم ، مسلمين وغير مسلمين ، قال جابر بن عبد الله رضى الله عنه كان رسول الله صلي الله عليه وسلم:” رجلا سهلا قال النووي : “أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفا ميسرا في الخلق “
وتعدد صور السماحة في هدي النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين وشواهد ذلك من سيرته لا تحصر وأذكر منها ما يلي:”
قال صلي الله عليه وسلم : “لا يرحم الله من لا يرحم الناس وكلمة الناس هنا تشمل كل أحد من الناس ، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم وجاءت النصوص في باب الرحمة مطلقة ، وقد ساق البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي صلى الله عليه وسلم :” ما من مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة”( النسائي). فدين الإسلام دين السماحة والرحمة يسع الناس كلهم ويغمرهم بالرحمة والإحسان .
*تجاوزه عن مخالفيه ممن ناصبوا له العداء فقد كانت سماحته يوم الفتح غاية ما يمكن أن يصل إليه صفح البشر وعفوهم فكان موقفه ممن كانوا حربا على الدعوة ولم يضعوا سيوفهم بعد عن حربها أن قال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
*وكان من سماحة النبي صلي الله عليه وسلم أن يخاطب مخالفيه باللين من القول تأليفاً لهم ، كما تظهر سماحة النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين في كتبه إليهم حيث تضمنت هذه الكتب دعوتهم إلى الإسلام بألطف أسلوب وأبلغ عبارة..
كان صلي الله عليه وسلم يحرص كل الحرص علي هدايتهم وإنقاذهم من النار يوم القيامة بدعوتهم إلي سبيل الهداية بالحسني :” كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده ، فقعد عند رأسه، فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له : أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم ، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول : “الحمد لله الذي أنقذه من النار”(البخاري) .
*وكان صلي الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال :” انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ ” . فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ ، فَنَادَاهُمْ فَقَالَ : ” يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا ” . قَالُوا : قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ . قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” ذَلِكَ أُرِيدُ فَأَسْلِمُوا تَسْلَمُوا ” . فَقَالُوا : قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ . قَالَ : ” ذَلِكَ أُرِيدُ ” . ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ… الحديث(البخاري ومسلم وأبوداود).
وكان صلي الله عليه وسلم يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع والشراء والأخذ والعطاء ، ودرعه مرهونة عند يهودى مقابل الطعام … فعن عائشة رضي الله عنها قالت :”مات صلي الله عليه وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاثِينَ صَاعَاً مِنْ شَعِيرٍ”(البخارى). يعني : صاعا من شعير .
وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم فقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : صلي أمك “(البخاري).
هكذا كان سيدنا محمدصلي الله عليه وسلم
” كما يجب أن نعرفه ”
ومعاملته وسماحته مع مخالفيه وحرصه علي هدايتهم وإنقاذهم من نار جهنم والمحافظة علي دمائهم ففي المدينة حيث تأسس المجتمع الإسلامي الأول وعاش في كنفه اليهود بعهد مع المسلمين وكان صلي الله عليه وسلم غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم حتى نقضوا العهد وخانوا رسول الله صلي الله عليه وسلم ،أما من يعيشون بين المسلمين يحترمون قيمهم ومجتمعهم فلهم الضمان النبوي،فقد ضمن صلى الله عليه وسلم لمن عاش بين ظهراني المسلمين بعهد وبقي على عهده أن يحظى بمحاجة النبي صلي الله عليه وسلم لمن ظلمه فقال صلي الله عليه وسلم :” أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا ، أَوِ انْتَقَصَهُ ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “( أَبُو دَاوُدَ ).
وشدد الوعيد على من هتك حرمة دمائهم فقال صلى الله عليه وسلم :” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا “(البخاري).
#هكذا كان سيدنا محمدصلي الله عليه وسلم.
وصايته علي أهل مصروقبطها خيراً
فمن نبوأته صلي الله عليه وسلم للصحابة أنهم سيفتحون مصر ووصاهم بأهلها وقبطها خيراً
فعن أبي ذر قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا قَالَ فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا”(مسلم).
وقال صلي الله عليه وسلم:” إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً”(مسلم). وقال ابن الأثير في النهاية: معنى قوله:”فإن لهم ذمة ورحماً”. أي أن هاجر أم إسماعيل عليه السلام كانت قبطية من أهل مصر. وأن مارية أم إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم قبطية..
عباد الله :” تلك صور من سماحة النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين وهو ما سار عليه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون من بعدهم ..
وتلك صور من “هكذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ” فهذا غيض من فيض وهناك الكثير والكثير عما يجب أن نعرفه عن رسول الإنسانية والرحمة والرفق والعدل والسماحة والصدق والأمانة والتواضع والحياء ..الخ مكارم الأخلاق التي بعث من أجلها :” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”
وقد ذكرنا بعضاً منها لنتعرفها ونعمل بها ونتأسي ونقتدي به صلي الله عليه وسلم مصداقاً لقوله تعالي:”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “(الأحزاب / 21).
اللهم اسقنا من حوض نبينا شربة هنيئة لانظمأ بعدها أبداً . اللهم اهدنا إلى السير على سنن هدي نبيك الكريم ، واحفظ علينا أوقاتنا وأسماعنا وأبصارنا، واجعلنا هداة مهديين بكرمك وفضلك ياأكرم الأكرمين .
عبادالله :”استغفروا الله يغفر لكم ..وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله ..
وأقم الصلاة .