خطبة الجمعة القادمة : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 6 شعبان 1445هـ ، الموافق 16 فبراير 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024م بصيغة word بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024م بصيغة pdf بعنوان : تحويل القبلة دروس وعبر ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024م بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات.
أولًا: أَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ.
ثانيــــًا: عنايةُ الاسلامِ بالطفلِ ورعايتِهِ.
ثالثــــًا :رسالةٌ لِمَن حُرِمَ نعمةَ الأطفال ِ !!!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024م بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات : كما يلي:
حقُ الطفلِ ورعايتُهُ بينَ الضرورياتِ والحاجياتِ والتحسينياتِ للدكتور محمد حرز
بتاريخ 6 شعبان 1445هـ، الموافق 16 فبراير 2024م
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان: 74،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) (رواه البخاري) يا مصطفَى
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
فاللهُمّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (أل عمران : :102
عبادَ الله: (حقُّ الطفلِ ورعايتُهُ بينَ الضرورياتِ والحاجياتِ والتحسينياتِ)عنوانُ وزارتنِا وعنوانُ خطبتِنا
عناصر اللقاء:
أولًا: أَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ.
ثانيــــًا: عنايةُ الاسلامِ بالطفلِ ورعايتِهِ.
ثالثــــًا :رسالةٌ لِمَن حُرِمَ نعمةَ الأطفال ِ !!!
أيُّها السادة: ما أحوجنَا إلى أنْ يكونَ حديثُنا في هذه الدقائقِ المعدودةِ عن حقِّ الطفلِ ورعايتِه بين الضرورياتِ والحاجياتِ والتحسينياتِ،وخاصةً ومقاصدُ الشريعةِ الاسلاميةِ الغراءِ التي وضعَهَا الشارعُ الحكيمُ لبيانِ مرادِهِ مِن وضعِ الشريعةِ على ثلاثةِ مراتبٍ ضرورياتٍ وحاجياتٍ وتحسينياتٍ، وحقُّ الطفلِ يدورُ بينهُمَا الثلاثة، وخاصةً وأنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مُسْتَقْبَلًا تَأْمُلُهُ وَتَنْشُدُهُ، وَلَا يَقُومُ هَذَا الْمُسْتَقْبَلُ إلاَّ عَلَى النَّاشِئِ، فَأَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، أَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ حُمَاةُ الدينِ وأَبطَالُ الوَطَنِ، أَطفالُ الْيَوْمِ هُمْ نَوَاةُ أُمَّتِنَا وَهُمْ فَخْرُهَا وَعِزَّتُهَا، وخاصةً في زمنٍ تكالبَ فيهِ أعداءُ الإسلامِ على أهلِه، وفي زمنٍ كشّرَ الشرُّ فيهِ عن أنيابِهِ وفي زمنٍ انتشرتْ فيهِ وسائلُ الفسادِ وعمتْ وطمّتْ، كان لزامًا علينا -نحن الآباءَ والمربين وأولياءَ الأمورِ- أنْ نهتمَّ بشأنِ تربيةِ الطفلِ منذُ نعومةِ أظفارِهِ بل وقبلَ مولدِهِ واختيارِ أُمِّهِ، وأنْ نبحثَ عن كلِّ ما مِن شأنِه أنْ يعيننَا على القيامِ بهذه المسؤوليةِ، وخاصةً ونحن في زمنٍ ضاعتْ فيه التربيةُ بينَ النشءِ إلّا ما رحمَ اللهُ، وخاصةً وهناكَ محاولاتٌ بالليلِ والنهارِ للنيلِ مِن شبابِنَا وبناتِنَا، أعداءُ الإسلامِ لا ينامونَ ليلًا ولا نهارًا، يريدونَ النيلَ مِن شبابِنَا وشباتِنَا، فلابدَّ مِن تربيتِهِم وتنشئتِهِم تنشئةً صحيحةً على كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ ﷺ للحذرِ مِن هؤلاءِ الأعداءِ المتربصينَ لهُم بالليلِ والنهارِ، وللهِ درُّ القائلِ:
مؤامرةٌ تدورُ على الشبابِ***لتجعلَهُ ركامًا مِن تراب
مؤامرةٌ تقولُ لهم تعالوا*** إلى الشهواتِ في ظلِّ الشراب
مؤامرةٌ يحيكُ خيوطهَا ***أعداءُ سوءٍ في لؤمِ الذئاب
تفرّقَ شملُهُم إلّا علينَا *** فصرنَا كالفريسةِ للكلابِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
أولًا: أَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ .
أيُّها السادةُ: أولادُنَا ثمارُ قلوبِنَا، وعمادُ ظهورِنَا، وفلذاتُ أكبادِنَا، وأحشاءُ أفئدتِنَا، وزينةُ حياتِنَا، أولادُنَا نعمةٌ عظيمةٌ، ومنةٌ كبيرةٌ ومنحةٌ جليلةٌ ،أولادُنَا زينةُ الحاضرِ وأملُ المستقبلِ، هم حباتُ القلوبِ سماهُم اللهُ زينةُ في محكمِ التنزيلِ، قال جلَّ وعلا: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]،قال جلّ وعلا ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، أولادُنَا قرةُ الأعينِ ، وبهجةُ الحياةِ، وأنسُ العيشِ، بهم يحلُو العمرُ، وعليهم تعلقُ الآمالُ، وببركةِ تربيتِهِم يستجلبُ الرزقُ، وتنزلُ الرحمةُ، ويضاعفُ الأجرُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )، رواه مسلم، فَأَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، وإذا أردتَ أنْ تعرفَ عظيمَ منةِ اللهِ عليك بهذه النعمةِ، فانظرْ إلى مَن حُرمهَا، وكيف يذوقُ ويتجرعُ مرارةَ الحرمانِ والفقدِ، حينما يرى الناسَ معهم أولادهُم، فيحترقُ قلبُهُ شوقًا وحزنًا للأولادِ!. فنعمةُ الولدِ نعمةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ …… فهم عمادُ الأمةِ، وعزُّهَا المجيدُ، و قوةُ الشعوبِ، وحصنُهَا الحصين، ودرعُهَا المتينُ، هم سببُ الفتوحاتِ، وأساسُ الانتصاراتِ فالشبابُ كانوا في صدرِ الإسلامِ وبعدهِ لبلادِ الكفارِ فاتحين ، وعن بلادِ الإسلامِ مناضلين، تجدهُم محاربين، وتراهُم مقاتلين، تهابهُم الأعداءُ، ويحبهُم مَن في السماءِ، متبعين لسنةِ نبيِّهِم ، متمسكينَ بدينِ ربِّهِم. وللهِ درُّ القائلِ:
وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا *** أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ *** لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ
فالأطفالُ نعمةٌ إلهيةٌ، ومنحةٌ ربانيةٌ تتعلقُ بها قلوبُ البشرِ وترجوهَا، لتأنسَ بها مِن الوحشةِ، وتقوَى بها عندَ الوحدةِ، وتكونُ قرةَ عينٍ لهَا في الدنيا والآخرةِ، ولذلك طلبَهَا إبراهيمُ الخليلُ عليهِ وعلى نبيِّنَا السلامُ، فقالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (الصافات: 100) . وطلبَهَا زكريَّا ـ عليهِ السلامُ ـ مِن ربِّه، فقالَ تعالًى: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ (الأنبياء: 89) . وأثنَى اللهُ سبحانَهُ وتعالَى على عبادِهِ الصالحين، فقالَ جلَّ وعلا عن صفاتِ عبادِ الرحمنِ: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ الفرقان: 74.وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: [جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ)، فالأولادُ نعمةٌ إلهيةٌ، وهبةٌ ربانيةٌ، فهم زنيةُ الحياةِ الدنيا، قالَ ربُّنَا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ الكهف: 46،فلابُدَّ مِن شكرِ اللهِ جلَّ وعلا على نعمةِ الأولادِ.
إذا كنـتَ في نعمـةٍ فارعَـهَا***فإنَّ الذنـوبَ تـزيلُ النعـم
واحفظهَـا بطاعةِ ربِّ العبـادِ***فربُّ العـبادِ سريـعُ النـقـم
اللهُ عزَّ وجلَّ قد بيَّنَ لنَا أنَّ أولادَنَا نعمةٌ أو نقمةٌ:قالَ جلَّ وعلا: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14]وقالَ جلَّ وعلا: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]هذا في جانبِ الخطرِ، وفي الجانبِ الآخرِ قالَ جلَّ وعلا:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]وقالَ سبحانَهُ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]فالولدُ إمَّا أنْ يكونَ قرةَ عينٍ يسرُّكَ أنْ تلقاهُ في الدنيا وتجتمعَ بهِ في الجنةِ في الآخرةِ ،وإمَّا أنْ يكونَ فتنةً وعدوًّا تقولُ: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38].
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
ثانيــــًا: عنايةُ الإسلامِ بالطفلِ ورعايتِهِ.
أيُّها السادة: مِن المعلومِ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ جاءتْ بِحفْظِ الطفلِ والعنايةِ بهِ، وأمرَنَا بها المولَى جلَّ وعلا في قرآنِهِ ونبيُّنَا ﷺ في سنتِهِ، وتربيةُ الأطفالِ والعنايةُ بهِم صِحيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا مِن أهمِّ الأُمورِ؛ لأنَّهَا تربيةٌ للقيادةِ وتَحَمُّلِ المسؤوليةِ في المستقبلِ، وهو أمرٌ ضَروريٌّ لتنميةِ المجتمعِ؛ ولأنَّ الطفلَ ينشأُ ويتربَّى في الأسرةِ، فلقد اهتمَّ الإسلامُ بالأسرةِ وجعَلَهَا مكانَ السّكنِ، والمَودَّةِ، والرّحْمَةِ، والحُبِّ، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الروم: 21)واهتمَّ الإسلامُ بحقوقِ الطفلِ قبلَ ولادتِهِ، عبرَ إصلاحِ المحضنِ والمرتَعِ، الذي سوفَ ينشأُ فيهِ الطفلُ، ولذلك حضَّ الإسلامُ على الزواجِ حتى ينشأَ الطفلُ مِن خلالِهِ على الطهارةِ والعِفَّةِ والاستقامةِ، وحرَّمَ الإسلامُ الزنَا بكلِّ صورِهِ؛ لأنَّ الطفلَ عندَهُ يكونُ نتاجَ نطفةٍ خبيثةٍ مُهَانةٍ، وعادةً يكونُ مصيرُهُ الضياعَ والفسادَ، وكذا حرَّمَ الإسلامُ عددًا مِن الأنكحةِ الفاسدةِ؛ حفاظًا على طهارةِ المحضنِ، مثلَ: نكاحِ المتعةِ، ونكاحِ الشِّغارِ، والمحلِّلِ، والاستبضاعِ.
ومِن هذه العنايةِ: أنَّ الإسلامَ اعتنَى بالطفلِ مِن قبْلِ وجودِهِ، فحَثَّ رسولُ اللهِ ﷺ المرأةَ وأهلَهَا على قبولِ الرجلِ الصالحِ إذا تقدَّمَ لِخِطبتِهَا، فقال: (إذا خَطَبَ إليكُم مَن ترضوْنَ دينَهُ وخُلقَهُ فزوِّجوهُ، إلَّا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ)، وحثَّ الرجلَ على اختيارِ المرأةِ الصالحةِ، كما قال ﷺ: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).وإذا تمَّ عَقْدُ النكاحِ وأرادَ الرجلُ أنْ يأتيَ زوجتَهُ فقدْ أُمِرَ بالدعاءِ المأثورِ عن النبيِّ ﷺ، حيثُ قال النبيُّ المختارُ ﷺ:(لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذا أرادَ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ، فقالَ: باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ وجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا، فإنَّه إنْ يُقَدَّرْ بيْنَهُما ولَدٌ في ذلكَ لَمْ يَضُرُّهُ شيطانٌ أبَدًا)، فإذا تكوَّنَ الطفلُ في الرَّحِمِ أعَدَّ اللهُ له فائقَ الرِّعايةِ والعنايةِ.
ومِن صُور عنايةِ الإسلامِ بالجنينِ وهو في بطنِ أُمِّهِ، أنَّهُ حافظَ عليهِ مِن الاعتداءِ، واحتفظَ لهُ بحقِّهِ في الحياةِ، فحرَّمَ إجهاضَهُ وإسقاطَهُ بعدَ نفخِ الرُّوحِ فيهِ، بقولِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]، ولو كان هذا الإسقاطُ أو الإجهاضُ باتفاقِ الزوجينِ، قال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ المائدة: 32.ثم اختصَّ ببيانِ حرمةِ قتلِ الأولادِ، ليبينَ سبحانَهُ وتعالى عظيمَ رحمتِهِ واهتمامِهِ بهذا الوليدِ الذي لم يرتكبْ جرمًا ولم يقترفْ إثمًا، قالَ جلَّ وعلا : ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 151]، وقالَ جلَّ وعلا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 31]، وقد أوجبَ الإسلامُ الدِّيَةَ في قتلِ الجنينِ، وحرَّمَ الاعتداءَ عليهِ، وأجازَ لأُمِّهِ أنْ تُفطِرَ في رمضانَ أثناءَ حَمْلِهَا؛ رحمةً بهَا، وحتى تتهيأَ للطفلِ ظُروفُ النُّمُو، فإذا حَلَّ الطفلُ بأرضِ الحياةِ، جعلَهُ اللهُ بَهْجَةً وزينةً في قلوبِ مَنْ حولَهُ، قال جلَّ وعلا: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46].
ومِن صورِ عنايةِ الإسلامِ بالجنينِ أنَّهُ أوجبَ عدمَ تنفيذِ العقوبةِ الشرعيةِ على الأمِّ الحاملِ، إذ إنَّ المرأةَ الحاملَ مِن الزنَا، إذا كانت متزوجةً قبل ذلك، فإنَّهَا لا يُقامُ عليها حَدُّ الرجمِ حتى تضعَ حملَهَا، ولا يقتصُّ منها في أيِّ عقوبةٍ أخرَى حتى تضعَ حملَهَا.
ومِن هذه العنايةِ : حقُّهُ في الرضاعِ، قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) [سورة البقرة: 233)، فعلى كلِّ أُمٍّ أنْ ترضعَ ابنَها لأنَّ الثديينِ هديةٌ مِن اللهِ تعالَى.
ومِن هذه العنايةِ: أنْ يحسنَّ الأبُ اختيارَ اسمِ ابنِه: حقّهُ في التسمِّي في أمرٍ نبويٍّ أنْ يحسنَ الأبُ اختيارَ اسمَ ابنِهِ، لذا غيّرَ النبيُّ ﷺ بعضَ الأسماءِ، واحدةٌ اسمُهَا عاصيةٌ، قال: بل أنتِ جميلةٌ، شخصٌ اسمُهُ أصرمُ قال له: أنتَ أزرعُ، غيّرَ النبيُّ ﷺ الأسماءَ، مِن حقِّ الابنِ على أبيهِ أنْ يختارَ لهُ اسمًا يتباهَى به، ثم يعقُّ له أي يذبحُ عقيقةً تكريمًا لهذا المولودِ، ولإشعارِهِ أنَّهُ كبيرٌ يسنُّ أنْ يكنَّى بكنيةٍ، يا أبا عمير، طفلٌ صغيرٌ يلعبُ بعصفورِ، يا أبا عمير ما فعلَ النغيرُ؟ تذبحُ له عقيقةً وتختارَ له اسمًا حسنًا وتكنهُ. ومِن هذه العنايةِ: تربيةُ النشءِ على الكتابِ والسنةِ ، وعلى الإيمانِ والعقيدةِ الصحيحةِ: أنْ يتعرفَ الأبناءُ على ربِّهم عزّ وجلّ وعلى نبيِّهم ﷺ، وعلى دينِهِ الذي ارتضاهُ للبشريةِ جمعاء، فهذه العقيدةُ وصَّى بهَا يعقوبُ عليهِ السلامُ بنيهِ عندَ الموتِ فقال: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وقال لقمانُ عليه السلامُ لولدِه الوصيةَ الجامعةَ التي جمعتْ الأصولَ والفروعَ مُعلمًا إياهُ كما قالَ اللهُ: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، لذا نري الرسولَ ﷺ يعطينَا دروسًا في العقيدةِ السليمةِ والتوحيدِ الخالصِ على يدِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه لبناءِ الشخصيةِ منذُ الصغرِ على العقيدةِ الخالصةِ للهِ فقال: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي.
تابع / خطبة الجمعة القادمة : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
ومِن هذه العنايةِ: الحرصُ على تربيةِ الأولادِ تربيةً صحيحةً على كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ ﷺ فهُم أمانةٌ يجبُ تأديتِهَا كما يحبُّ اللهُ جلَّ في علاه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (التحريم: 6)، فالمرءُ يا سادةٌ يُسألُ عن رعيَّتِه يومَ الدينِ، فبأيِّ شيءٍ يجيبُ مَن ضيَّعَ أولادَهُ؟ وبماذا سينطقُ مَن خانَ الأمانةَ؟ فأولادُكَ أمانةٌ في رقبتِكَ وتربيتُهُم أمانةٌ ستسألُ عنها يومَ القيامةِ إذا حافظتَ عليهم فقد صُنتَ الأمانةَ، وإذا أهملتَهُم فقد خُنتَ الأمانةَ كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ ﷺ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ :(أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ) متفق عليه، لذا كان إهمالُ هذه النعمةِ سببًا لمعاقبتِهِ في الأخرةِ ففي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ:مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) وقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: (كَفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضيِّعَ مَنِ يَقُوتُ). وللهِ درُّ القائلِ:
ليس اليتيمُ مَن انتهَى أبواهُ *** مِن الحياةِ وخلفَاهُ ذليلًا
إنّ اليتيمَ هو الذي تَرى لهُ *** أُمَّا تَخَلّتْ أو أَبًا مشغولًا
ومن هذه العنايةِ أن نُربِّي أطفالَنَا على الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ؛ لِيَنْشَأَ عَلَيْهَا مِنْ صِغَرِهِ، فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا في حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَا غُلاَمُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ”(متفق عليه)، وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَا بُنَيَّ! إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ؛ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ”(رواه الترمذي).
ومِن هذه العنايةِ: أن نُربّي أطفالنَا على الالتزامِ بالشعائرِ التعبديةِ كالصلاةِ والصومِ وغيرِهِما وامتثالِ أمرِ اللهِ تعالى، وكونوا كحالِ سيدِنَا إسماعيلَ حيثُ مدحَهُ ربُّ العالمين فقالَ جلّ وعلا: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]، وكحالِ النبيِّ ﷺ إذ خاطبَهُ ربُّهُ فقالَ جلَّ وعلا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] وامتثالًا لأمرِ رسولِهِ ﷺ في قولِهِ: ” مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ”
ومِن هذه العنايةِ: أن نُربّي أطفالَنَا على اختيارِ الأسوةِ الحسنةِ: فالأسوةُ الحسنةُ هي الاقتداءُ بأهلِ الخيرِ والفضلِ والصلاحِ، في كلِّ ما يتعلقُ بمعالِي الأمورِ وفضائلِها، فالمسلمُ الحقيقيُّ ليس أسوتُهُ التافهينَ والتفهاتِ ولا الساقطينَ والساقطاتِ، إنَّما أسوتُهُ النبيُّ المختارُ ﷺ والصحابةُ الأخيارُ والصالحون الأبرارُ بنصٍّ مِن عندِ اللهِ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )) الأحزاب21. لذا أوصَى أحدُ السلفِ مُعلِّمَ ولدِهِ قائلًا: ليكنْ أولُ إصلاحِكَ لولدِي إصلاحكَ لنفسِك؛ فإنَّ عيونَهُم معقودةٌ بعينِك، فالحسنُ عندهُم ما صنعتَ، والقبيحُ عندهُم ما تركتَ).
تابع / خطبة الجمعة القادمة : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
ومِن هذه العنايةِ: أن نُربّيَ أطفالَنَا على مراقبةِ اللهِ جلّ وعلا في جميعِ تصرفاتِ حياتِهِم، وأنّ اللهَ مطلعٌ عليهِم ويراهُم، قال اللهُ تعالى عن لقمانَ الذي أرشدَ ولدَهُ إلى هذه المراقبةِ: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]. وقُلْ لهُ يا ولدِي
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومُا فــلا *** تقلْ خلوتُ ولكن قلْ علىّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ اللهَ يغفلُ ســـاعةً *** ولا أنّ ما يخفَى عليـــه يغيبُ
وإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ ***والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ
فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقل لها*** إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَرانِي
ومن هذه العنايةِ: أنْ نُربّيَ أطفالَنَا على اختيارِ الصاحبِ، ونعلمَهُ أنَّ الصاحبَ ساحبٌ، والصديقَ قبلَ الطريقِ، فالصاحبُ يضرُّ بصاحبِهِ يا شباب، كما قالَ نبيُّنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ وَقَالَ مُؤَمَّلٌ مَنْ يُخَالِل ) (أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وأحمد والحاكم وصححه)، فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى القرآنِ؟ وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى الغناءِ؟ كم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى الصلاةِ؟ وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى التدخينِ؟ وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) ) (سورة الفرقان )، فمِن الناسِ مفاتحٌ للخيرِ مغاليقٌ للشرِّ كما قال نبيُّنَا ﷺ ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي مُوسي ـ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ـ قال: قال النبيُّ المختارُ (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) وللهِ درُّ القائلِ
عَنِ المَرءِ لا تَسأَلْ وَسَلْ عَن قَرينِهِ * * فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي
ومن هذه العنايةِ: أنْ نُربّيَ أطفالَنَا على التربيةِ، على كلِّ خُلقٍ طيبٍ وجميلٍ فبالأخلاقِ تُبنَى الشخصياتُ يا سادة، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انعدمتْ فيهِ الأخلاقُ بينَ المؤمنينَ، وانتشرَ فيهِ سوءُ الأخلاقِ بصورةٍ مخزيةٍ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، مع أنَّ نبيَّنَا هو نبيُّ الأخلاقِ، ودينُنَا هو دينُ الأخلاقِ، وشريعتُنَا هي شريعةُ الأخلاقِ، وقرآنُنَا هو قرآنُ الأخلاقِ، بل الغايةُ الأسمَى مِن بعثتهِ ﷺ هي الأخلاقُ، فقالَ كما في حديثِ أبي هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:{ بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رواه البخاري، فبالأخلاقِ انتشرَ الإسلامُ في كلِّ مكانٍ، ووصلَ إلى بلادِ الأندلسِ وبلادِ ما وراءَ النهرِ، وبالأخلاقِ سادَ المسلمونَ العالمَ، وبالأخلاقِ تُبنًي الحضاراتُ، فالأخلاقُ عنوانُ صلاحِ الأممِ والمجتمعاتِ، ومعيارُ فلاحِ الشعوبِ والأفرادِ.
إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ…فإنْ همو ذهبتْ أخلاقُهُم ذهبُوا
صلاحُ أمرِكَ للأخلاقِ مرجعهُ…فقوّمِ النفسَ بالأخلاقِ تستقم
إذا أصيبَ القومُ في أخلاقِهِم…فأقمْ عليهم مأتمًا وعويلا
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية …الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
ثالثــــًا :رسالةٌ لِمَن حُرِمَ نعمةَ الأطفال ِ !!!
أيُّها السادة: تحدثنَا عن الطفلِ وحقوقِه لكنْ لابُدَّ مِن مراعاةِ شعورِ الآخرينَ الذين لم يرزقْهُمُ اللهُ نعمةَ الولدِ، أقولُ لهُم: اصبرُوا واحتسبُوا وفوضُوا الأمرَ إلى اللهِ وخذُوا بالأسبابِ المشروعةِ للإنجابِ وليَجْتَهدُوا فِي الدعاءِ لرَبِّهِم جلَّ وعلا أَنْ يرزقَهُم الْوَلَدَ الصَّالِحَ، وَمَا ذلك على الله بِعزِيز، فَقَدْ أَصْلَحَ الله ُجلَّ وعلا الْمَرْأَةَ الْعَقِيمَ الَّتِي لَا تَلِدُ، وَرَزَقَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي يظنُّ ألَّا ينجب. وعليكُم بكثرةِ الاستغفارِ: قالَ جلَّ وعلا: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ( نوح: 10-12)، واعلمْ أنَّ هذا ابتلاءٌ واختبارٌ مِن اللهِ جلَّ وعلا ( فمَن رضِيَ فلهُ الرضَا ومَن سخطَ فعليهِ السخط )واعلمْ إنْ كان اللهُ قد حرمَكَ مِن شيءٍ فقد اعطاكَ شيءٍ آخرَ هو أنفعُ لكَ وأنتَ لا تدرِي !!! أخِي
كُن عَن هُمُومِكَ مُعْرِضًا *** وَدَع الأُمُورَ إِلَى القَضَا
وَانعَم بِطُولِ سَلَامَةٍ *** تُسْلِيكَ عَمَّا قَدْ مَضَى
فَلَرُبَّمَا اتَّسَعَ المَضِيقُ *** وَ لَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَا
اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ *** فَلَا تَكُن مُتَعَرِّضَـــــا
وخيرُ ميراثٍ يورثُهُ الآباءُ للأبناءِ، هو الإعدادُ الصالحُ والتوجيهُ الصحيحُ:وإذا كان الولدُ مِن زينةِ هذه الحياةِ، كما قالَ تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فخيرٌ لنَا أنْ نحرصَ على تكميلِ هذه الزينةِ ونجتهدَ في العنايةِ بهَا، والولدُ قبلَ أنْ تربيَهُ المدرسةُ والمجتمعُ يربيَهُ البيتُ والأسرةُ.
قالَ ابنُ القيمِ:
وَكمْ مِمَّن أَشْقَى وَلَدَهُ وفلذةَ كبدِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بإهمالِهِ وَتركَ تأديبَهُ وإعانتَهُ لَهُ على شهواتِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يُكرمُهُ وَقد أهانَهُ وَأَنّه يرحمُهُ وَقد ظلمَهُ وَحرمَهُ ففاتَهُ انتفاعهُ بولدهِ وفوّتَ عَلَيْهِ حَظَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِذا اعْتبرتَ الْفسادَ فِي الْأَوْلَادِ رَأَيْتَ عامتَهُ مِن قبلِ الْآبَاءِ. وأولَى الناسِ ببرِّكَ وأحقهُم بمعروفِكَ أولادُكَ فإنَّهُم أماناتٌ جعلَهُم اللهُ عندَكَ وأمرَكَ بتربيتِهِم تربيةً صالحةً لأبدانِهِم وقلوبِهِم وعقولِهِم ودينِهِم ودنياهُم وآخرتِهِم قالَ جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف