خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 8 شعبان 1446هـ ، الموافق 7 فبراير 2025م
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 8 شعبان 1446هـ ، الموافق 7 فبراير 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 فبراير 2025م بصيغة word بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 فبراير 2025م بصيغة pdf بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 فبراير 2025م بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ .
أولًا: إيّاكَ والإثمَ ظاهرهُ وباطنهُ.
ثانيًا: الكبرُ داءٌ عضالٌ.
ثالثــــًا : أسبابُ الكبرِ وعلاجُهُ.
رابعًا وأخيرًا: المرأةُ درةٌ مكنونةٌ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 فبراير 2025م بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة/ ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾
د/ مُحمد حرز، بتاريخ 8 شعبان 1446 هـ ، الموافق 7 فبراير 2025 م.
الحَمْدُ للهِ عَلاَّمِ الغُيُوبِ، أَمَرَ بِتَزكِيَةِ القُلُوبِ، وَتَطْهِيرِهَا مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ، وَنَهَى عَنْ ظَاهِرِ الإِثْمِ وَبَاطِنِ العُيُوبِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، يُرَاقِبُنَا وَبِمُراقَبَتِهِ أَمَرَ، يَعْـلَمُ مَا ظَهَرَ مِنَّا وَمَا استَتَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَنَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ أَصلَحَ قَلْبَهُ وَاتَّقَى، وَزَكَّى نَفْسَهُ فَارتَقَى، ﷺ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ وَالمُلْتَقَى.
أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى، فَرَبُّكُمْ أَحَقُّ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكُرَ فَلَا يُكْفَرَ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102].
عبادَ الله: ((وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ )) بل إنْ شتَ فقُلْ: عقوبةُ الكبرِ والمتكبرين، عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: إيّاكَ والإثمَ ظاهرهُ وباطنهُ.
ثانيًا: الكبرُ داءٌ عضالٌ.
ثالثــــًا : أسبابُ الكبرِ وعلاجُهُ.
رابعًا وأخيرًا: المرأةُ درةٌ مكنونةٌ.
أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾، بل إنْ شئتَ فقلْ عن الكبرِ وعقوبةِ المتكبرينَ، وخاصةً ونحنُ نعيشُ زماناً تري الكثيرَ مِن الناسِ وقعَ في هذا الداءِ العُضالِ الذي حذَّرَ منهُ سيّدُ الأنامِ ﷺ، وخاصةً ولقد انتشرت المعاصِي صغيرُهَا وكبيرُهَا بصورةٍ مخزيةٍ على مرئَ ومسمعٍ للجميعِ، انتشرَ الكذبُ، وانتشرَ الربا، وانتشرت الفواحشُ ما ظهرَ منهَا وما بطن، وظهرَ الفسادُ في القرَى والمدنِ، وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( الروم،(41) وخاصةً وأنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَعْمِدُ إِلَى إِصلاَحِ ظَاهِرِهِ، وَيَنْسَى العِنَايَةَ بِجَوهَرِهِ، فَيَنأَى عَنِ المَعَاصِي العَمَلِيَّةِ وَالآثَامِ الظَّاهِرَةِ، وَيَنْسَى العُيُوبَ النَّفْسَانِيَّةَ وَالآفَاتِ القَلْبِيَّةَ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ الظَّاهِرَةَ يَسْهُلُ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَلْحَظَهَا بِنَفْسِهِ، أَو يُنَبِّهَهُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، أَمَّا البَاطِنَةُ فَالنَّفْسُ فِيهَا عَامِدَةٌ إِلَى المُرَاوَغَةِ وَالكِتْمَانِ، وَقلَّمَا يَلْحَظُهَا الأَحِبَّةُ وَالإِخْوَانُ، فَلاَ يَجِدُ عَنْهَا نَاصِحًا، وَلاَ يَلْقَى لَهَا خَلِيلاً مُصْـلِحًا، ولَرُبَّمَا تَرَاكَمَتْ فِي وِجْدَانِهِ، فَاسْوَدَّ قَلْبُهُ وَضَلَّ سَعْيُهُ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ المُوَفِّينَ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي حِزْبِ الأَخْسَرِينَ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وللهِ درُّ ابنِ المباركِ
رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوب *** وقد يورثُ الذلَّ إدمانُهَا الذلَّ
وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ***وخيرٌ لنفسِكَ عصيانُها
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ، للدكتور محمد حرز
أولًا: إيّاكَ والاثمَ ظاهرهُ وباطنهُ.
أيُّها السادةُ: الإثمُ هو الذنبُ، والإثمُ هو كلُّ عملٍ أو قولٍ أو نيَّةٍ، توجبُ العقابَ في الدنيا والآخرةِ، لذا حَذَّرَنَا الإِسلاَمُ الحَنِيفُ مِنَ ارتِكَابِ الخَطَايَا وَالعُيُوبِ؛ صِيَانَةً لِلْفَرْدِ وَوِقَايَةً لِلْمُجتَمَعِ، يَقُولُ اللهُ جلَّ وعلا: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)، والمرادُ بالإثمِ: جميعُ المعاصِي التي تؤثمُ العبدَ، أي توقعُهُ في الإثمِ والحرجِ مِن الأشياءِ المتعلقةِ بحقوقِ اللهِ وحقوقٍ عبادِهِ، قالَ جلَّ وعلا: (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ)، أي: اتركُوا جميعَ المعاصِي ما كانَ منهَا سرًّا وما كانَ منهَا علانيةً، أو ما كان منها بالجوارحِ وما كان منهَا بالقلوبِ؛ لأنَّ اللهَ- تعالى- لا يخفَى عليهِ شيءٌ. لذا تذكرْ أيُّها العاصي قبلَ ارتكابِ المعصيةِ: أنّ اللهَ يراكَ ومُطلعٌ عليكَ فهو العليمُ الخبيرُ وهو السميعُ البصيرُ، قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُون)، فهو يسمعُ كلامَكَ ويرى مكانَكَ ويعلمُ سرَّكَ ونجواكَ، فهو سبحانَهُ معكَ بعلمِهِ واطلاعِهِ، فاحذرْ كلَّ الحذرِ أنْ تجعلَ اللهَ أهونَ الناظرينَ إليكَ، قالَ ربُّنَا: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة المجادلة.
إذا ما خـلوتَ بريبةٍ في ظلمةٍ *** والنفسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ
فاستحِيِ مِن نظرِ الإلهِ وقُلْ لهَا *** إنَّ الذي خلقَ الظلامَ يرانِي
تذكر أيُّها العاصِي قبلَ أنْ تعصِي اللهَ نعمَهُ الكثيرةَ عليكَ: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) سورة الانفطار، خلقَكَ اللهُ مِن عدمٍ، وشفاكَ مِن سقمٍ، وأسبغَ عليك وافرَ النعمِ، أطعمَكَ مِن جوعٍ وكساكَ مِن عُري، وأرواكَ مِن ظمأٍ، قال جلّ وعلا: ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) سورة النحل، فكيف يا عبدَ اللهِ تبدلُ نعمةَ اللهِ كفرًا؟! وفضلَهُ وجودَهُ عليك جحودًا ونكرًا؟! كيف تقابلُ الإحسانَ بالنكرانِ؟! والعطايا بالخطايا؟! تذكرْ ماذا!!!! وماذا !!!!فتبْ إلى ربِّكَ واستغفرْهُ ليلَ نهار، قبل فواتِ الأوانِ، لأنّك لا تدري يا مسكينُ إذا جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ؟
لِذَا لَمْ يُقْسِم اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا أَقْسَمَ عَلَى ضَرورَةِ العِنَايَةِ بِإِصْلاَحِ النُّفُوسِ، حَيْثُ تَعَاقَبَ أَحَدَ عَشَرَ قَسَمًا لِلتَّأْكِيدِ أَنَّ الفَلاَحَ فِي تَزكِيَةِ النَّفْسِ، وَالخَيْبَةَ فِي إِهْمَالِهَا وَالتَّغَافُلِ عَنْهَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ حَظًّا مِنْ عِنَايَتِهِ، وَحَرَصَ عَلَى تَهْذِيبِهَا وَرِعَايَتِهَا، فَبَحَثَ فِيهَا عَنْ مَوَاقِعِ الخَلَلِ، وَنَأَى بِها عَنْ مَواطِئِ الزَّلَلِ، وَجَنَّبَها مَوَاطِنَ الرَّدَى، وَصَانَها عَنْ مَزَالِقِ الهَوَى، فَإِنَّ النُّفُوسَ تَمِيلُ إِلَى شَهَواتِهَا، وَتَجْـنَحُ إِلَى أَهْوَائِهَا، تَطْلُبُ الرَّاحَةَ وَالدَّعَةَ، وَتَرْغَبُ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى الخَيْرِ وَالمُسَارَعَةِ، فَكَانَ لاَ بُدَّ لَهَا مِنَ التَّهْذِيبِ، وَحَمْـلِهَا عَلَى الطَّاعَةِ بِالتَّرغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، حتَّى تَتَخَلَّى عَنِ الرَّذَائِلِ، وَتَتَحَلَّى بِجَمِيلِ الفَضَائِلِ، فَتَكُونَ سَبَبَ سَعَادَتِنَا، وَمِفْتَاحَ فَلاَحِنَا.
أَيُّهَا السادةُ: إِنَّ مِنَ الآثَامِ البَّاطِنَةِ مَا يَكُونُ فِي العَلاَقَةِ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَرَبِّهِ، وَهُوَ أَشَدُّ خَفَاءً، وَأَكْثَرُ استِتَارًا، يَأْتِي فِي مُقَدِّمَتِهَا الرِّيَاءُ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِعَمَلِهِ الصَّالِحِ المَدْحَ وَالثَّنَاءَ، فَتَجِدُهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي، وَيَحُجُّ وَيُزَكِّي، وَلَرُبَّمَا أَكْثَرَ مِنَ النَّوافِلِ وَالقُرُبَاتِ، وَقَامَ بِشَتَّى صُنُوفِ البِرِّ وَالطَّاعَاتِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَلْ صَلَّى وَصَامَ لِيُقَالَ إِنَّهُ مِنْ خِيرَةِ العُبَّادِ، وَتَصَدَّقَ وَأَنْفَقَ لِيُظْهِرَ أَنَّهُ الكَرِيمُ الجَوَادُ، وَهُوَ بِهَذَا يُصَادِمُ أَهَمَّ مُقْتَضَيَاتِ الدِّينِ وَمَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ الحَنِيفُ مِنْ ضَرورَةِ الإِخْلاَصِ للهِ، وَالعَمَلِ ابتِغَاءَ رِضَاهُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، وَيَقُولُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، إِنَّ دَاءَ الرِّيَاءِ يُحْبِطُ العَمَلَ وَيُضِيعُ الجُهْدَ، فَلاَ يَكُونُ للإِنْسَانِ حَظٌّ مِنْ عَمَلِهِ إِلاَّ التَّعَبَ وَالمَشَقَّةَ، وَرُبَّمَا حَظِيَ بِشَيءٍ مِنَ المَدِيحِ الفَارِغِ وَالحَمْدِ الزَّائِلِ مِنَ النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَفُوتُهُ الثَّوَابُ، وَيَخْسَرُ الأَجْرَ فِي يَوْمِ الحِسَابِ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ وَالعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ)، وَيَقُولُ ﷺ: (يُقَالُ لِلْمُرائِي يَوْمَ القِيَامَةِ: خُذْ أَجْرَكَ مِمَّنْ عَمِلْتَ لَهُ، فَلاَ أَجْرَ لَكَ عِنْدِي)، عِبَادَ اللهِ: أَمَّا الدَّاءُ الثَّانِي مِنْ أَدْوَاءِ النُّفُوسِ، فَهُوَ دَاءُ العُجْبِ، الذِي قَدْ يُصِيبُ المُخْلِصَ، فَيَضِيعُ جُهْدُهُ، وَتَذْهَبُ ثَمَرَةُ إِخْلاَصِهِ، وَالعُجْبُ هُوَ أَنْ يَرَى الإِنْسَانُ نَفْسَهُ مُستَحِقًّا لِلنِّعَمِ، فَيَنْسَى المُنْعِمَ المُتَفَضِّلَ، وَيُعْرِضَ عَنْ شُكْرِ رَبِّهِ، كَمَا حَكَى اللهُ عَنْ قَارُونَ حينَ نُصِحَ بِشُكْرِ النِّعَمِ وَذِكْرِ الجَمِيلِ فَقَالَ: ((إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)، وَإِنْ تَعْجَبْ فَاعْجَبْ لِحَالِ مَنْ أَوْجَدَهُ اللهُ مِنْ عَدَمٍ، وَبَسَطَ لَهُ مَا لاَ يُحْصَى مِنَ النِّعَمِ، وَأَمَدَّهُ بِسَائِرِ المَوَاهِبِ وَالقُدُرَاتِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالنِّعْمَةِ عَنِ المُنْعِمِ، وَجَعَلَ مِنْ نَفْسِهِ مَرْتَعًا لِلْعُجْبِ وَالغُرُورِ، نَاكِرًا لإِحْسَانِ رَبِّهِ، مُتَنِكِّرًا لِجَمِيلِ مَوْلاَهُ، يَرَى نَفْسَهُ المُستَحِقَّ للإِفْضَالِ، الجَدِيرَ بِالنَّوَالِ، هَلْ تَرَاهُ يَستَغْنِي عَنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ؟ أَمْ يَأْمَنُ أَنْ تَنْقَلِبَ النِّعْمَةُ إِلَى نِقْمَةٍ، وَالمِنْحَةُ إِلَى مِحْـنَةٍ؟ عِنْدَها يُهْرَعُ إِلَى اللهِ لاَبِسًا ثَوْبَ الإِخْلاَصِ، مُتَبَرِّئًا مِنْ عُجْبِهِ وَغُرُورِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
يا نفسُ لاتتكبرِي ****فسيأتِي يومٌ وترحلِي
إنْ طالَ أو قصرَ الزمانُ ***فعلَي الأعناقِ ستحملِي
ستزورِي بيتَ الدودِ حتمًا*****وفي الترابِ ستدفنِي
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ
ثانيًا: الكبرُ داءٌ عضالٌ.
أيُّها السادةُ :الكبرُ لغةُ التعظيمِ أي إظهارُ العظمةِ، وفي الشرعِ: هو إظهارُ العاملِ إعجابَهُ بنفسِهِ بصورةٍ تجعلُهُ يحتقرُ الآخرينَ في أنفسِهِم، ويأبَي قبولَ الحقِّ منهُم،
والفرقُ بينَ التكبرِ والعزةِ: أنَّ التكبرَ يكونُ في الباطلِ، والعزةَ تكونُ في الحقِّ،
التكبرُ نكرانُ النعمةِ وجحدُهَا، والعزةُ إظهارُ النعمةِ والتحدثُ بهَا.
والتكبرُ طريقٌ مِن طرقِ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ. والكبرُ: وما أدراكَ ما الكبرُ، بسببِهِ أُخرِجَ إبليسُ مِن ملكوتِ السماءِ، وطُرِدَ مِن رحمةِ الرحمنِ، قالَ ربُّنَا: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} [سورة ص: 71-74].
بل الكبرُ يُؤدِّي إلى الكفرِ والضلالِ، قالَ ربُّنَا: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [سورة ص: 75-78] فالكبرُ خُلقٌ شيطانِيٌّ ذميمٌ، وهو أولُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ بهِ، وهو مِن أسبابِ الكفرِ والضلالِ، قالَ ربُّنَا: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ} [سورة العنكبوت: 39]، بل التكبرُ سببٌ مِن أسبابِ عمَي القلبِ عن معرفةِ آياتِ اللهِ وحرمانِهِم مِن الحقِّ، قالَ ربُّنَا: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ …} سورة غافر، اسمعْ أيُّها المتكبرُ: التكبرُ سببٌ مِن أسبابِ بغضِ اللهِ للعبدِ وعدمِ محبتِهِ إيّاهُ، قالَ ربُّنَا: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } سورة النحل(23)، بل مِن الثلاثةِ الذين لا يحبُّهُم اللهُ: الفقيرُ المتكبرُ، يا ربِّ سلّمْ!!! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ)، بل التكبرُ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ النيرانِ والحرمانِ مِن الجنانِ يا ربِّ سلِّم !!! قالَ ربُّنَا: ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } سورة غافر.
وفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (احْتَجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَرُبَّمَا قَالَ أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ, وَقَالَ لِهَذِهِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا)، بل عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ)، والعتلُّ هو الغليظُ الجافِي، والجواظُ هو الجموعُ المنوعُ.
بل عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)، بل التكبرُ يحولُ حياةَ المرءِ بعدَ العزةِ ذلًّا ومهانةً وحقارةً في الدنيا والآخرةِ يا ربِّ سلّمْ !! أمَّا في الدنيا فعن أبي سعيد الخدري قال أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ( مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً وَضَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ ).
وأمَّا في الآخرةِ فلقد صوّرَ النبيُّ المختارُ ﷺ حالَهُم بمنتهَي الفظاعةِ وبشاعةِ المنظرِ فقالَ النبيُّ المختارُ ﷺ كما في حديثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ) .
فيا لهُ مِن منظرٍ أليمٍ، ومِن عذابٍ عظيمٍ يجعلُ المسلمَ يفرُّ ويهربُ مِن هذا الخُلقِ الخطيرِ الذميمِ أعاذنَا اللهُ وإيَّاكُم منهْ.
فالكبرياءُ صفةٌ مذمومةٌ للبشرِ، لكنّهَا صفةُ تعظيمٍ لربِّ البشرِ، نثبتُهَا لهُ سبحانَهُ
وتعالى إثباتاً يليقُ بجلالِهِ وكمالِهِ، وكيفَ لا ؟ومِن أسمائِهِ: الجبارُ والمتكبرُ، قالَ ربُّنَا: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) } سورة الحشر، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال الله عز وجل: (الْعِزُّ إِزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ يُنَازِعُنِي في واحدٍ فقد عَذَّبْتُهُ)، والتكبرُ عبادَ اللهِ أنواعٌ:
النوعُ الأولُ: التكبرُ علي اللهِ وهذا أخطرُ أنواعِ التكبرِ كتكبرِ إبليسَ اللعين علي كلامِ ربِّ العالمين.
النوعُ الثاني: التكبرُ علي الرسلِ، كما قالت قريشٌ في سيّدِ قريشٍ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْنَا غلامٌ يَتِيمٌ نُطَأْطِئُ لَهُ رُءُوسَنَا { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }، يقصدونَ الوليدَ بنَ المغيرةِ مِن مكةَ، وعروةَ بنَ مسعودٍ مِن الطائفِ.
فالذي منعَ قريشٌ مِن أنْ يشهدُوا أن لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ، هو الكبرُ يا ربِّ سلم !!
النوعُ الثالثُ: التكبرُ علي الناسِ، وهذا ما نحنُ بصددِ الحديثِ عنهُ، وليسَ المتكبرُ أيُّها السادةُ مَن لبسَ جديداً وجميلاً وتجمّلَ بهمَا، كلَّا، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)، والكبرُ محرمٌ لا يجوزُ الاتصافُ بهِ إلَّا في مواطنِ القتالِ مع أعداءِ اللهِ تعالى، وقد فعلَ ذلكَ أبو دجانةَ في غزوةِ أُحدٍ حينمَا أعطاهُ النبيُّ سيفاً، فقامَ وأخذَ عليهِ أنْ يأخذَهُ بحقِّهِ وذلكَ بأنْ يقاتلَ بهِ حتى يثلم، فقامَ يتبخترُ بهِ بينَ الصفينِ فقالَ لهُ: (هذه مشيةٌ يبغضُهَا اللهُ إلّا في هذه المواطنِ).
و عندمَا قالَ الخوارجُ للإمامِ عليٍّ يا عليٌّ إنَّكَ لا تحكمُ بكتابِ اللهِ، فقالَ لهُ أنَا
مُحمدٌ النبيُّ أخِي وصهرِي *** وحمزةُ سيدُ الشهداءِ عَمّي
وجعفرُ الذي يُمسِي ويُضحِي *** يطيرُ مع الملائِكةِ ابنُ أمّي
وبنتُ مُحمدٍ سَكَنِي وعِـرسِي *** مَنوطٌ لحمُهَا بدمِي ولحمِي
وسِبطَا أحمدَ ولدايَ منهَا *** فأيُّكُم لهُ سهمٌ كسهمِي
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ
ثالثــــًا : أسبابُ الكبرِ وعلاجُهُ.
أيُّها السادةُ: هناكَ أسبابٌ قد تدفعُ الإنسانَ إلي الكبرِ منها: المالُ الكثيرُ، ولكنِّي أقولُ لهؤلاءِ الذينَ يتكبرونَ علي اللهِ وعلي عبادِ اللهِ بأموالِهِم ؟ أينَ مَن ملكَ الدنيا بأسرِهَا ؟ أينَ أصحابُ الأموالِ؟ أينَ أصحابُ القصورِ العاليةِ؟ أينَ أصحابُ العقاراتِ؟ أينَ الملوكُ التي كانت مسلطنةً *** حتى سقاهَا بكأسِ الموتِ ساقيهَا أين صارُوا ؟ لقد صاروا رمادًا وصاروا رفاتاً تحتَ أطباقِ الترابِ لم تنفعْهُم أموالُهُم ولا أرضيهم ولا أيُّ شيءٍ! لقد أذلَّ اللهُ بالموتِ رقابَ الجبابرةِ، وأنهَي بالموتِ آمالَ القياصرةِ، فنقلَهُم بالموتِ مِن القصورِ إلي القبورِ، ومِن ضياءِ المهودِ إلي ظلمةِ اللحودِ، ومِن التنعمِ في الطعامِ والشرابِ إلي مقاساةِ الهوامِ والديدانِ.
أقولُ لهؤلاءٍ: أنَّكُم ستدخلونَ مكاناً لا يُقبلُ فيهِ التعاملُ بالدرهمٍ ولا بالدينارِ ولن يكونً معك دفترَ شيكاتٍ وإنّمَا مكتوبٌ علي بابِهِ ( لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) سورة الأنعام، واعلم يقينًا أنّهُ لا يُترَكَ خلفَ الظهرِ إلَّا كلُّ تافهٍ حقيرٍ . أينَ مالُ قارونَ الذي قالَ اللهُ فيهِ: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) }
أين دارُهُ ؟ أين قصرُهُ ؟ أين مالُهُ ؟ أين ملكُهُ ؟( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) سورة القصص
بل قد يكونُ مِن أسبابِ الكبرِ: الجاهُ والمنصبُ والزعامةُ والسلطانُ، أقولُ لهؤلاءِ: أين الذي كان يقولُ لأهلِ مصرَ متكبراً ومتعالياً ؟ (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي )، [سورة الزخرف: 51]
أين صاحبُ السلطانِ والجاهِ الذي كان يقولُ: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى (24) } . أين فرعونُ؟ بل أين النمرودُ الذي قال للخليلِ إبراهيمَ (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) [سورة البقرة، أمّا فرعونُ فأغرقَهُ اللهُ في البحرِ ومَن معهُ مِن الطغاةِ، (فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا سورة الإسراء (103)، أمَّا النمرودُ فقد دخلتْ بعوضةٌ في أذنِهِ فكان لا يهدأُ بالُهُ ولا يستقرُّ ضميرُهُ إلَّا إذا ضُرِبَ بالنعالِ علي أمِّ رأسِهِ.. وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ: { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
بل قد يكونُ مِن أسبابِ الكبرِ: العلمُ، يا ربِّ ارزقنَا الأدبَ والعلمَ الخالصَ لوجهِكَ آمينَ
يا ربَّ العالمين، فالعلمُ قد يكونُ سببًا مِن أسبابِ التكبرِ، ولكنِّي أقولُ لهُ كما قال النبيُّ المختارُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ) ( 534 ) يا ربِّ سلّمْ !!
ومِن أسبابِ الكبرِ: مفاضلةُ الناسِ لمَن معهُ مالٌ، ينظرُ الناسُ إلي الغنيِّ بصورةٍ توصلهُ إلي التكبرِ، وينظرونَ للفقيرِ بصورةٍ حقيرةٍ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
مع أنَّ النبيَّ ﷺ يلفتُ أنظارَنَا إلي أنْ ننظرَ إلي جوهرِ الأشياءِ دونَ
ظواهرِهَا، ولكنْ للأسفِ أصبحَ الميزانُ عندَ الناسِ هو الذي معه مالٌ يتحدثُ، والذي لا مالَ لهُ لا يتحدثُ، فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذَا أي الفقيرُ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا)
( 535 )وللهِ درُّ القائلِ
إنَّ الغنيَّ إذا تحدثَ كاذبًا *** قالوا صدقتَ وما نطقتَ محالا
أمّا الفقيرُ إذا تحدثَ صادقاً *** قالوا كذبتَ وأبطلُوا ما قالا
إنَّ الدراهمَ في المواطنِ كلِّهَا *** تكسو الرجالَ مهابةً وجمالا
فهي اللسانُ لِمَن أرادَ فصاحةً *** وهي السلاحُ لِمَن أرادَ قتالا
رأيتُ الناسَ قد مالُوا *** إلى مَن عندَهُ مالُ
ومَن لا عندَهُ مالٌ *** فعنهُ الناسُ قد مالُوا
رأيتُ الناسَ قد ذهبُوا ***إلى مَن عندَهُ ذهبُ
ومَن لا عندَهُ ذهبٌ *** فعنهُ الناسُ قد ذهبُوا
رأيتُ الناسَ منفضةً *** إلى مَن عندَهُ فضةٌ
ومَن لا عندَهُ فضةٌ *** فعنهُ الناسُ منفضةٌ
أقولُ لهؤلاءِ (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37) سورة سبأ،
أقولُ لهؤلاءِ: كما قال النبيُّ الأمينُ كما في حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ).
فانتبهْ أيُّها الحبيبُ حتى لا تقعَ في التكبرِ فتكونَ مِن الهالكين، ولكن ما العلاجُ؟
أيُّها السادةُ: الكبرُ داءٌ، والحمدُ للهِ أنّهُ داءٌ لماذا ؟ لأنَّ ما مِن داءٍ علي ظهرِ الأرضِ إلّا ولهُ دواءٌ كما قال نبيُّنَا ﷺ: (تَدَاوَوْا عباد الله فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ وهو الْهَرَمُ)، أي: الشيخوخةُ.
ما علاجُ الكبرِ ؟ أولا: أنْ ينظرَ الإنسانُ إلي حقيقةِ نفسِهِ، يا ابنَ آدمَ ما أصلُكَ؟ ما فصلُكَ؟
أصلُكَ يا بنَ آدمَ مِن تُرابٍ *** وفصلُكَ يا بنَ آدمَ مِن نطفةٍ
أصلُكَ يا بنَ آدمَ يوطأُ بالأقدامِ *** وفصلُكَ تطهرُ منهُ الأبدان
{ يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) } سورة الانفطار . يا بنَ آدمَ (بَصَقَ النَّبِيَّ ﷺ يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ قُلْتَ أَتَصَدَّقُ أَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ).
أيُّها المسكينُ إذا أردتَ أنْ تتكبرَ فتأملْ ماذا تحملُ في بدنِكَ؟
تحملُ البولَ في مثانتِكَ، والمخاطَ في أنفِكَ، والبزاقَ في فمِكَ، والوسخَ في أذنِكَ، والدمَ
في عروقِكَ، وتغسلُ الغائطَ بيدِكَ كلَّ يومٍ.
يا بنَ آدمَ أولُكَ نطفةٌ قذرةٌ، وآخرُكَ جيفةٌ قذرةٌ، وأنت بينَ ذلك تحملُ العذرةَ.
قال الأحنفُ: عجبتُ لِمَن يجرِي في مجرَى البولِ مرتينِ، كيف يتكبرُ؟
بل لقد أرسلَ الصديقُ رضي اللهُ عنه إلي كسري، عندما رآهُ يتكبرُ قائلاً لهُ يا كسري
كيف تتكبرُ علي اللهِ؟ وقد خرجتَ مِن مجرَي البولِ مرتينِ مرةً ماءاً مهيناً، ومرةً طفلاً صغيرًا.
يا مدعِي الكبـرَ إعجابًا بصورتِـهِ *** انظرْ خلاكَ فإنّ النتـنَ تسريبُ
لو فكـرَ النـاسُ فيمَا في بطـونِهِم *** ما استشـعرَ الكبرَ شـبانٌ ولا شيبّ
بل من علاجِ الكبرِ: التواضعُ للهِ، فكُن مِن عبادِ الرحمنِ ولا تكنْ مِن عبادِ الشيطانِ
قالَ ربُّنَا: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُوْنَ عَلى الأَرْضِ هَوْناً وَإذا خَاطَبَهُم الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) الفرقان: 63. ( وما تواضعَ عبدٌ للهِ إلَّا رفعَهُ) [رواه البزار].
فكُنْ مِن المتواضعينَ ولا تكنْ مِن المتكبرين، فتكونَ مِن الهالكين.
فانتبهْ قبلَ فواتِ الأوانِ، واندمْ علي ما فرطتَ في جنبِ اللهِ. فيا بعيدَ الأملِ والموتُ منهُ قريبٌ، يا مَن هو عن قريبٍ سيصيرُ في القبرِ غريب، يا غافلاً عن نفسِهِ أمرُكَ عجيبٌ، يا قتيلَ الهوى داؤُكَ غريبٌ، يا طويلَ الأملِ ستُدعي فتجيب، وهذا عن قليلٍ، وكلُّ ما هو آتٍ قريبٌ، فهل تذكرتَ لحدَكَ؟ هل تذكرتَ يومَ يباشرُ الثريَ خدَّكَ ؟وتقتسمُ الديدانُ جلدَكَ ؟ فتبْ قبلَ فواتِ الأوانِ، واندمْ علي ما فرطتَ في حقِّ الكبيرِ المتعالِ، وخذْ بوصيةِ لقمانَ الحكيمِ لولدِهِ، قالَ تعالى: ( وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مخْتَالٍ فَخُورٍ ) لقمان: 18
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ………… وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ
رابعًا وأخيرًا: المرأةُ درة مكنونة.
أيُّها السادةُ: إنَّ اللهَ جلَّ وعلا أكرمَ المرأةَ، ورفعَ شأنَهَا وأعلَى قدرَهَا، وكفلَ لهَا مِن الحقوقِ ما لن تجدَهُ في أيِّ ملةٍ أخرى، ففي الإسلامِ المرأةُ مقدَّرةٌ إنْ كانت أُمًّا أو زوجةً أو كانت بنتًا، ومهما طوّفَ الناسُ وتكلمُوا في قضيةِ المرأةِ فلن يجدَوا شرعةً حفظتْ لهَا الحقوق، وحمتهَا مِن التجنِّي وأكرمتهَا غايةَ الإكرامِ مثلَ شرعةِ الإسلامِ.
فهي قسيمةُ الرجلِ، لهَا ما لهُ مِن الحقوقِ، وعليها مِن الواجباتِ ما يلائمُ فطرتهَا وتكوينهَا، وعلى الرجلِ بما اختصَّ بهِ مِن شرفِ الرجولةِ وقوةِ الجلدِ أنْ يلي رياستَهَا فهو بذلك وليُّهَا، يحوطُهَا بقوتِهِ، ويذودُ عنهَا بدمِهِ، وينفقُ عليهَا مِن كسبِ يدِهِ.
قالَ اللهّ تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة :228]، تلك هي درجةُ الرعايةِ والحياطةِ، لا يتجاوزهَا إلى قهرِ النفسِ وجحودِ الحقِّ.
وحظيت المرأةُ مِن رسولِ اللهِ ﷺ بأجملِ تكريمٍ حينمَا جعلَ النبيُّ ﷺ خيرَ المؤمنينَ الذي يُعاملُ أهلَهُ بكلِّ معروفٍ وخيرٍ، حيثُ قالَ: “خيرُكُم خيرُكُم لأهلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهلِي” .
ومِن مظاهرِ التكريمِ في الإسلامِ للمرأةِ حفظُ كرامتِهَا وعدمُ خدشِ إحساسِهَا ومشاعرِهَا فمِن ذلك :صونُ اللسانِ عن رميِهَا بالعيوبِ التي تكرهُ أنْ تُعابَ بهَا، سواءٌ أكانت خلقيةً لا تملكُ مِن أمرِ تغييرِهَا شيئاً كدمامةٍ أو قِصَرٍ، أم كانت خُلقيةً لهَا دخلٌ فيهَا كتباطؤٍ في إنجازِ العملِ، قالَ ﷺ “ولا تضرب الوجهَ ولا تقبح” رواه أبو داود بإسناد حسن.ولا ينبغِي الاشمئزازُ وإظهارُ النفورِ منها، ولتكن النظرةُ إليهَا بعينينٍ لا بعينٍ واحدةٍ، فكما أنَّ فيها عيوباً فإنَّ فيها محاسنَ ينبغي ألّا تُغفَل وتُنسَى، قالَ اللهُ جل وعلا: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19]، وقالَ ﷺ ” لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إنْ سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ)، وخاصةً في هذا الزمنِ الذي عمَّ فيهِ الفسادُ وانتشرَ صرنَا نسمعُ الكثيرَ عن ظاهرةِ العنفِ ضدَّ النساءِ، والعنفُ هو الغلظةُ والخشونةُ وعدمُ الرفقِ بهَا سواءٌ كانت زوجةً أو أختًا أو بنتًا فلابُدَّ مِن التلطفِ بهنَّ وإكرامهنَّ كما أمرنَا القرآنُ وسنةُ النبيِّ المختارِ ﷺ.
لذا حذرَنَا دنينُنَا الحنيفُ مِن التحرشِ بالمرأةِ والتعرضِ لهَا بالإهانةِ، والتحرُّشُ صِفةٌ دَنيئةٌ تلحَقُ الضُّعفاءَ السُّفهاءَ، مريضِي النُّفُوسِ، علِيلِي القِيَمِ، قليلِي المُروءةِ، الذين يأتُونَ قبائِحَ الأعمالِ فلَيْسَ مِنَ المُرُوءَةِ أَنْ يَتَعَرَّضَ الجُبَنَاءُ الخُبَثَاءُ لِلْمَرْأَةِ المُكَرَّمَةِ بِالتَّحَرُّشِ وَالمُعَاكَسَةِ وَالمُضَايَقَةِ، إِنَّ هَذَا الفِعْلَ المُشِينَ لُؤْمٌ وَقُبْحٌ، أَيْنَ هَذَا الفِعْلُ القَبِيحُ المَعِيبُ مِنْ هَذَا البَيَانِ النَّبَوِيِّ المَهِيب: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم». وما أجملَ أنْ أختمَ خطبتِي بوصيةِ وزارةِ الأوقافِ وهذا نصُّهَا: وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ: إِذَا تَعَرَّضْتِ لِلْعُنْفِ أَوِ التَّحَرُّشِ أو التَّنَمُّرِ فإِيَّاكِ أَنْ تَظُنِّي أَنَّكِ ضَعِيفَةٌ فَتَسْكُتِي عَنْ حَقِّكِ، بَلْ يَلْزَمُكِ أَنْ تُبَلِّغِي عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الوَقَائعِ، لِيَرْجِعَ الجُبَنَاءُ عَنْ سُوءِ صَنِيعِهِمْ، وَيَنالُوا جَزَاءَهُمْ، وَيِعيشَ المُجْتَمَعُ حَيَاةً كَرِيمَةً آمِنةً مُطْمِئِنَّةً، يَسُودُهَا الأَدَبُ وَالاحْتِرَامُ وَالتَّوْقِيرِ.
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف