خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محمد حرز
بتاريخ 4 جمادي الثانية 1446هـ ، الموافق 6 ديسمبر 2024م
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 4 جمادي الثانية 1446هـ ، الموافق 6 ديسمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024م بصيغة word بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024م بصيغة pdf بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024م بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية .
أولاً: لغتُنَا العربيةُ لغة القرآن ولله الفضل والمنة.
ثانيًا: الله الله في المحافظة على لغتنا وهويتنا
ثالثًا:كيف نحافظُ على لغتِنَا وهويتِنَا ؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024م بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية : كما يلي:
لغةُ القرآنِ والحفاظُ على الهويّةِ د. محمد حرز
بتاريخ: 4 جمادى الآخرة 1446هــ – 6 ديسمبر2024م
الحمدُ لله الذي جَعَلَ اللغةَ العَرَبِيَّةَ لَنا لِسانًا، وَزادَها شَرفًا وجَمالاً وَبَيانًا، أَنزَلَ بِحروفِها الذِّكرَ قُرَآنًا، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ يوسف:2، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ، أفصحُ العربِ لسانًا وأبلغُهم بيانًا وخيرُ مَن نطقَ بالضادِ القائلُ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( بُعِثْتُ بجَوامِعِ الكَلِمِ) متفقٌ عليه؛ فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. فأوصيكُم ونفسي أيها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102)
أيها السادةُ:(( لغةُ القرآنِ والحفاظُ على الهويّةِ)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ:
أولاً: لغتُنَا العربيةُ لغة القرآن ولله الفضل والمنة.
ثانيًا: الله الله في المحافظة على لغتنا وهويتنا
ثالثًا:كيف نحافظُ على لغتِنَا وهويتِنَا ؟
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن هوايتِنَا ولغتِنَا وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا هناك محاولةٌ دنيةٌ رخيصةٌ لطمسِ لغتِنَا العربيةِ وطمسِ هويتِنَا الإسلاميةِ ، وإحلالِ الهويةِ الغربيةِ مكانَها ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وخاصةً وأنّ الغايةَ من هذه الخطبِ هو تذكيرُ الناسِ بهذه اللغةِ العظيمةِ التي هي شرفُ أمةِ الإسلامِ وهويتُهَا، والتي اصطفَاها اللهُ تعالى على غيرِهَا من اللغاتِ، وشرَّفَها على سواهَا من اللغات، هدفُنَا هو الحثُّ على التشبثِ باللغةِ العربيةِ والعضُّ عليها بالنواجذِ؛ لأنّها أساسُ الدينِ المتينِ، وسراجُهُ المنير.ُ وللهِ درُّ القائلِ
إنَّ الّذِي مَلَأَ اللُّغَاتِ مَحَاسِناً *** جَعَلَ الْجَمَالَ وَسِرَّهُ فِيْ الضَّادِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية
أولاً: لغتُنَا العربيةُ لغة القرآن ولله الفضل والمنة.
أيها السادةُ: لغتُنَا العربيةُ لغةُ الجمالِ والشعرِ والإبداعِ، لغتُنَا لغةُ الابتكارِ والتجديد ِ،لغتُنا لغةُ الاشتقاقِ والنحتِ والتصغيرِ والترخيمِ، لغتُنا لغةُ البيانِ والفصاحةِ، لغتُنا لغةُ البحورِ والمقاماتِ، لغتُنَا لغةُ العباقرةِ والعلماءِ أمثالِ سيبويهِ والخوارزميِ والمتنبيِ والجاحظِ وغيرِهِم ، لغتُنا العَرَبِيَّةُ زَهرةُ التَّأريخِ، وَشَهَادَةُ الأَجيَالِ، وَالمَنهَلُ العذبُ، والبيانُ السَّاحِرُ ،ومِفتَاحُ الحقِّ المُبينِ ،لغتُنا العربيةُ لغةُ أغنى لغاتِ العالم ِ ، لغتُنَا لغةٌ عريقةٌ لها مكانتُهَا بين لغاتِ العالمِ، ولها مكانةٌ في التراثِ والثقافةِ والحضارةِ الإنسانيةِ، لغتُنَا العربيةُ لغةٌ بلغتْ قمةَ مجدِهَا بين اللغاتِ، وذلك بعدَ انتشارِ الإسلامِ؛ لكونِهَا لغةُ القرآنِ الكريمِ والشريعةِ الإسلاميةِ، وهذا ما أكسبَها صفةَ القدسيةِ، ودفعَ كثيرًا من شعوبِ تلك البلدانِ إلى الاهتماِم بتعلمِهَا والتمكنِ منها، وتأثروا بها ما دفعَ بعضُهُم إلى التخصصِ في دراستِهَا وشُغِفُوا بتراثِها النفيسِ، فقد كانت لغةَ الحضارةِ الخالدةِ التي سادتْ قرونًا عديدةً، وكانتْ قادرةً على التعبيرِ عن مختلفِ العلومِ؛ وذلك لما تمتازُ به مِن خصائصَ ومزايا. لغتُنَا العربيةُ لغةٌ تقصرُ عنْ وصْفِهَا العباراتُ، وقدسيَّةٌ انفرَدَتْ بِهَا عَنْ سائِرِ اللُّغاتِ، فهِيَ محفوظةٌ بِحفظِ كتابِ اللهِ الَّذِي حفظَ لَهَا وجوداً متميزاً خالداً، وهِيَ محفوفةٌ بعنايةِ أُولِي الألبابِ ، وملائمةٌ للعلومِ والآدابِ، فهِيَ عذبةُ الألفاظِ، جميلةُ المعانِي، حقًّا إِنَّهَا لغةُ القرآنِ العجيبة ، مَنْ دخلَ في جوفِ غزارتِها ، وجدَ المتعةَ البلاغيةَ ، والرحابةَ اللفظيةَ ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وَتَعَالَى ( إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف2(،لغتُنَا العربيةُ لغةُ مصادرِ التشريعِ الإسلاميِّ القرآنِ والسنةِ النبويةِ،لغتُنَا العربيةُ تُمَيَّزُ بالبيانِ والبلاغةِ، وتقيمُ الحجّةَ على الناسِ، فلا يجوزُ للإنسانِ أنْ يشهدَ باللهِ ربًّا ومعبودًا بدونِ فهمِهِ لما يشهدُ بهِ؛ لأنّ العلمَ شرطٌ من شروطِ الشهادةِ والتوحيدِ، حيثُ قال ربُّنَا (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ)سورة يوسف[٤] لغتُنَا العربيةُ اعتيادُ التكلّمِ بها يؤثّرُ على العقلِ، والخُلقِ، والدينِ. لغتُنَا العربيةُ مصدرُ عزِّ الأمةِ، وتُعدُّ مُقوّماً أساسيّاً من مقوّماتِ الأمةِ الإسلاميّةِ.فاللهَ اللهَ في لغتِنَا ومصدرِ فخرِنَا وعزِّنَا ،
فالقرآنُ الكريمُ هو كتابُ اللهِ المبينُ، جعلَهُ اللهُ هدًى لِلْعالمينَ نزلَ بهِ الرُّوحُ الأمينُ بلسانٍ عربِيٍّ مُبينٍ لِيكونَ لنَا عزًّا ومجدًا، يقولُ عزَّ وجَلَّ (لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء 10) قال جلّ وعلا(( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآناً عَرَبِياًّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )) سورة الزمر .تَحدَّى اللهُ بهِ الفصحاءَ، وأفحمَ بِهِ البلغاءَ ، وكيف لا؟ والقرآنُ لم ينزلْ إلا بها؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾الشعراء:192 – 195وقالَ عمرُ بنُ الخطابِ رَضيَ اللهُ عنهُ : تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ ( رواه البيهقيُّ في شعبِ الإيمانِ) وذكر القرطبيُّ في تفسيرِه أنّ ابنَ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال : إذا سألتمونِي عن غريبِ القرآنِ فالتمسُوه في الشعرِ، فإنّ الشعرَ ديوانُ العربِ ((ِولغةُ القرآنِ تعلُو ولا يُعلى عليها قال جلّ وعلا ((قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[الزُّمَرِ: 28)
وحُفِظتْ لغتُنَا العربيةُ بحفظِ القرآنِ الكريمِ، حتى قِيل: (لولا القرآنُ ما كانتْ العربيةُ) فهي لغةٌ خالدةٌ باقيةٌ وكيف لا ؟ وهي لغةُ القرآنِ ولغةُ سيدِ الأنامٍ صلى اللهُ عليه وسلم قال جلّ وعلا﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ الحجر:9
وَسِعتُ كتابَ اللهِ لفظًا وغايةً ….. وما ضِقتُ عَن آيٍ بهِ وعظاتِ
فيا عجبًا كلَّ العجبِ! عجبًا واللهِ يُميتُ القلبَ، ويجلبُ الهمَّ والحزنَ، ويبعثُ الأسى والخوفَ بعدَ الأمنِ، اعتزازُ هؤلاء الكفرةِ بلغتِهم، وتشبثُهم بها، وهجرانُكم لسانَ دينِكُم الحنيفِ، بل وزادَ الطينُ بلَّةً، أنْ صرفتْ الأمةُ الإسلاميةُ طاقاتِهَا في تلك اللغةِ وتعلمِيها ، وخذلتْ اللغةَ العربيةَ سيدةَ اللغات.ِ
يا لَلعربيةِ !َ أينَ الذين يؤمنون باللهِ ورسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم؟ أين طلابُ العلمِ الشرعيِّ؟ أين حفاظُ القرآنِ والحديثِ؟ أين الذين يدَّعون الغيرةَ على دينِهم؟ أين المدافعون عن الإسلامٍ ولغتِه؟ من لغتِنَا العربيةِ
يا سبحانَ الله! أتظنونَ أنكم بهجرانِ لغتِكُم تتقدمون؟ وتواكبون الأممَ المتحضرةَ وترتقون؟ كلّا، واللهِ لا يمكنُ أبدًا، إنكم لن تزدادوا بذلك إلا تخلفًا، وعبوديةً وتخوُّفًا؛ لأنّكم لن تستقلُّوا إذًا بفكرةٍ، ولن تحدثوا نظرةً إلا على ضوءِ ما فهمَها أربابُ تلكمُ اللغةِ، ورضيتهَا الأممُ الزائغةُ.
يا أمةَ الإسلامِ، لغتُنَا مظهرُ العزِّ والسلامِ، إلى متى ترضون المذلةً والهوانَ؟ ألا تخلعون رداءَ التقاعسِ والخذلانِ؟ ألا تؤمنون بأنّ الأمةَ العزيزةَ الظاهرةَ تعتزُّ بلسانِهَا، وتحرصُ على استقلالِهَا اللغويِّ، وأما الأمةُ الذليلةُ المغلوبةُ.. فهي التي تفرطُ في لغتِهَا، حتى تصبحَ أجنبيةً عنها.
لغةٌ إذا وقعَتْ على أسماعِنَا *** كانتْ لنا بردًا على الأكبادِ
ستـظلُّ رابطةً تُؤلِّفُ بيننا *** فهي الـرجاءُ لناطقٍ بالضادِ
وإذا طلبتَ من العلومِ أجلَّهَا ***فأجلُّهَا منها مُقيمُ الألسُنِ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية
ثانيًا: الله الله في المحافظة على لغتنا وهويتنا.
أيها السادةُ : إن للمجتمعاتِ الإسلاميةِ هويةً موحدةً، هويةً جاءَ الإسلامُ بالحثِّ على التمسكِ بها, فهي تُوحِّدُ المسلمين, توحِّدُ أكثرَ مِن مليارِ شخصٍ على ظهرِ الأرضِ ليكونوا مجتمعًا واحدًا, ليكونوا إخوةً كما قال ربُّنَا ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) [الحجرات: 10 وصدقَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) فالمحافظةُ على الهويةِ مطلبٌ شرعيٌّ وواجبٌ دينيٌّ وواجبٌ وطنيٌّ ومسؤوليةٌ مجتمعيةٌ، والمحافظةُ على الهويةِ سببٌ لتقدمِ الأممِ والشعوبِ، وضياعُ الهويةِ ضياعٌ للدنيا والدينِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ . ومِن مظاهرِ الاعتزازِ بالهويةِ: الحديثُ باللغةِ العربيةِ، فنحن بلدٌ عربيٌّ مسلمٌ، لغتُنَا العربيةُ، وكتابُ ربِّنَا ودستورُ بلدِنَا عربيٌّ ، ومع ذلك أصبحَ البعضُ يتحدثُ بغيرِ العربيةِ من غيرِ حاجةٍ، ففي كلِّ بلدٍ تطأهُ قدمُك ستجدُ أهلَ البلدِ يتحدثون لغتَهُ, ويعتزون بها, ولو كان لا يتحدثُهَا غيرُهُم، وستضطرُ لتعلمِ لغتِهم أو الاستعانةِ بمترجمٍ، أمّا في بلدِنَا وبعضِ البلاد الأخرى إذا أتى الأجنبيُّ حادثنَاهُ بلغتِهِ، أو اضطررَنَا نحن للاستعانةِ بمترجمٍ يارب سلم.
وواللهِ ثم واللهِ ما تأخرتْ الأمةُ الإسلاميةُ إلا يومَ أنْ تخلتْ عن هويتِهَا الإسلاميةِ ولسانِها العربيِّ، أمةُ الهاديِ تستحي أنْ تقولَ: إنّها مسلمةٌ، ولا تُمانعُ مِن حذفِ لسانِها العربيِّ في المحافلِ الدوليةِ، مستبدلةً إياهُ بما عجمَ وارطنَ، وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة: 6 و يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ -رضي اللهُ عنه-: “نحنُ قومٌ أعزَّنَا اللهُ بالإسلامِ ، فإنْ ابتغينَا العزةَ بغيرِه أذلنَا اللهُ، أمةٌ راحتْ تلهثُ وراءَ الشرقِ والغربِ وتركتْ هويتَهَا لذا أدركَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- هذه الحقيقةَ، وحذرَ منها غايةَ التحذيرِ كما في البخاريِ ومسلمٍ من حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ …) هل هذه هي أمةٌ دستورُها القرآنُ ..، ونبيُّهَا المصطفي العدنانُ .. ولغتُهَا أغنى اللغاتِ !!!
ما الذي غيَّرَهَا وما الذي بدَّلَها؟ ما الذي حدثَ؟ وما الذي جرى ؟
أمةٌ ذُلتْ بعدَ عزةٍ..!!وضعفتْ بعدَ قوةٍ..!!وجَهلتْ بعدَ علمٍ ..!!.
* هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا اللهُ في القرآنِ بالخيريةِ في قولهِ سبحانَهُ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)
هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا الله في القرآنِ بالوسطيةِ .. ؟
فقال سبحانَهُ ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) سورة البقرة
هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا اللهَ في القرآنِ بالوحدةِ.. ؟ في قولِهِ جلّ وعلا:
( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون )
كلا وألفُ كلا , إنّها أمةٌ ذُلتْ بعدَ عزةٍ..!! ضعفتْ بعدَ قوةٍ..!! جَهلت بعدَ علمٍ ..!!.
* أمةٌ أصبحتْ تَتسولُ على موائدَ الفكرِ الإنسانيِّ في الشرقِ الكافرِ والغربِ الملحدِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وصدقَ قولُ نبيِّنَا صلى اللهُ عليه وسلم إذْ يقولُ كما في حديثِ ثوبان: « يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»
ومِن فضلِ اللهِ -تعالى- علينا -معشرَ المسلمين- أنّه تفضلَ علينا بأعظمِ هويةٍ، وأجلِّ عقيدةٍ، وأقومِ سبيلٍ، هي هويةُ الدينِ الحنيفِ، الهويةُ الإسلاميةُ ولو كرِهَ الكافرون، ولو أغاظَ ذلك المشركون، يقولُ اللهُ -تعالى ): هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ (الحـج: 78، فاللهُ -تعالى- وحدَهُ شرّفَ المسلمين، فسمَّاهُم: مسلمين، وهي الأمةُ الوحيدةُ من بين الأممِ التي تولى اللهُ -تعالى- تسميتَهَا، بينما الأممُ كلُّهَا اتخذتْ أسماءَ مِن تلقاءِ نفسِهَا مِن معبوداتِهَا وأوثانِهَا وخرافاتِ عقولِهَا، يقولّ الإمامّ الطبريُّ: “سماكُم -جلّ ذكرُهُ- يا معشرَ مِن آمنَ بمحمد – “صلى الله عليه وسلمَ-“، ويقولُ البغويُّ: “هو سماكُم يعني أنّ اللهَ -تعالى- سماكُم المسلمينَ مِن قبل نزولِ القرآنِ في الكتبِ المتقدمةِ.
فالمحافظةُ على الهويةِ تقدمٌ وحضارةٌ والمحافظةُ على الهويةِ عقيدةٌ وإيمانٌ وإحسانٌ والتخلي عنها تأخرٌ ورجعيةٌ وضنكٌ وشقاءٌ قال جلّ وعلا ))وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)((طـه: 124]،قال جلّ وعلا ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ))آل عمران: 85.
يا مَن يجيبُ العبدَ قبل سؤالِه *** ويجودُ للعاصين بالغفرانِ
وإذا أتاهُ الطالبون لعفوهِ *** سترَ القبيحَ وجادَ بالإحسانِ
أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا له وبسم اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية
ثالثًا: كيف نحافظُ على لغتِنَا وهويتِنَا ؟
أيها السادةُ : المحافظةُ على لغتِنَا وهويتِنَا مسؤوليةٌ دينيةٌ ووطنيةٌ ومجتمعيةٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ كلٌّ في مكانِ عملِه وتخصصِه كلٌّ في حدودِ قدراتِه وإمكانيتِه؛ لنحافظَ على دينِنَا وعقيدتِنَا وهويتِنَا، والمحافظةُ على لغتِنَا وهويتِنَا يكونُ :إنشاءُ مراكزٍ لتعليمِ القرآنِ الكريمِ، وتعيينُ المتخصّصين والمؤهلين فيها، حيثُ إنّ أساسَ اللغةِ العربية هو القرآنُ الكريمُ لذا يجبُ التفقُّهُ بهِ والحرصُ على تعلّمهِ، وحفظهِ، وتدبّرِ آياتهِ.
إنشاءُ مراكزٍ لتعليمِ اللغةِ العربيةِ بإشرافِ عددٍ من المعلمين المؤهّلين عليها.
الاهتمامُ بتعليمِ العلومِ الشرعيّةِ باستخدامِ اللغةِ العربيةِ، والعلومِ الطبيعيّةِ أيضاً، وذلك قدرَ الإمكانِ.
الإشرافُ بشكلٍ مباشرٍ على المناهجِ التربويّةِ بشكلٍ يُنَشّئُ الأجيالَ القادمةَ على حبِّ اللغةِ العربيّة.ِ
استخدامُ اللغةِ العربيةِ وتوظيفُهَا في كلِّ مناحي الحياةِ وجميعِ المؤسّساتِ الإداريةِ، والتربويةِ، والعمليةِ، وتشجيعُ الطلابِ على استعمالِها في جميعِ المراحلِ التعليميّةِ من الابتدائيةِ حتى الجامعيةِ.
تربيةُ الأبناءِ وتنشئةُ النشءِ على تعلمِ اللغةِ العربيةِ والحرصِ عليها وعدمِ إهمالِهَا، فاللهَ اللهَ في لغتِنَا، اللهَ اللهَ في المحافظةِ عليها والعملِ على إتقانِهَا؛ رفعةً لدينِنَا ورفعةً للغتِنَا ومحافظةً على هويتِنَا
حفظَ اللهُ مصرَ من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
تعليق واحد