خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 4 ذو القعدة 1443هـ، الموافق 3 يونيو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م بصيغة word بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م بصيغة pdf بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية .
أولًا: دينُنَا دينُ الخيرِ والإحسانِ .
ثانيــًــا : المؤمنُ أينمَا حلَّ نفعَ .
ثالثًا وأخيرًا: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية : كما يلي:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.. واهبِ النعمِ والعطاياتِ، أمرنَا بفعلِ الخيراتِ، وتركِ المنكراتِ وحثَّنَا على المسارعةِ إلى الطاعاتِ والقرباتِ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ الحج: 77)،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ كمَا في سننِ ابنِ ماجةَ عنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- قَالَ: إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلاَقًا لِلشَّرِّ وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلاَقًا لِلْخَيْر ( فاللهُمّ صلّ وسلم وزدْ وباركْ على المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلي يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
أيُّها السادةُ:(( سعةُ أبوابِ الخيرِ في الرسالةِ المحمديةِ)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: دينُنَا دينُ الخيرِ والإحسانِ .
ثانيــًــا : المؤمنُ أينمَا حلَّ نفعَ .
ثالثًا وأخيرًا: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن سعةِ اتساعِ أبوابِ الخيرِ في الرسالةِ المحمديةِ وخاصةً ودينُنَا هو دينُ الخيرِ، ونبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم هو نبيُّ الخيرِ، وقرآنُنَا هو قرآنُ الخيرِ، وشريعتُنَا هي شريعةُ الخيرِ، وخاصةً أنَّهُ كان مِن دعاءِ نبيِّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ) رواه أحمد.ُ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية
أولاً: دينُنَا دينُ الخيرِ والإحسانِ.
أيُّها السادةُ: دينُنَا هو دينُ الخيرِ، ودعَا إلى الخيرِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وما أرسلَ اللهُ محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلم إِلّا بالخيرِ وإنَّ مِن أسمَى الغاياتِ، وأنبلِ المقاصدٍ أنْ يحرصَ الإنسانُ على فعلِ الخيرِ، ويسارعَ إليهٍ، وبهذا تسمُو إنسانيتُهُ، ويتشبَّه بالملائكةِ، ويتخلقُ بأخلاقِ الأنبياءِ والصديقين… فكم تنشرحُ النفسُ وتقرُّ العينُ حين تسمعُ كلمةَ (الخيرِ)، فهي كلمةٌ واسعةُ الدلالةِ، عظيمةُ الأثرِ. الخيرُ يجتمعُ الناسُ جميعًا على حبِّهِ والدعوةِ إليهِ والثناءِ على فاعلِه.وإنَّ عملَ الخيرِ – سواءٌ كان قولًا أو فعلًا – مقصدٌ شرعيٌّ، ومطلبٌ إنسانيٌّ، وهو مِن أسبابِ القربِ مِن اللهِ، وتحصيلِ الأجورِ والدرجاتِ، وانشراحِ الصدورِ وسعتِهَا، ودفعِ الهمومِ والأحزانِ.
لذا أوصَى الإسلامُ الحنيفُ الإنسانَ أنْ يفعلَ الخيرَ مع الناسِ، بغضِّ النظرِ عن معتقداتِهِم وأعراقِهِم، فقالَ جلَّ وعلا ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾البقرة: 148والخيرُ: اسمٌ شاملٌ لكلِّ ما ينتفعُ به المرءُ عاجلًا أو آجلًا, وإنَّ عملَ الخيرِ سواءٌ كان قولًا أم فعلًا مقصدٌ شرعيٌّ، ومطلبٌ إنسانيٌّ، لذا مِن فضلِ اللهِ علينَا وكرمِهِ وجودهِ أنْ فتحَ لنَا كثيرًا مِن أبوابِ الخيراتِ، وحثّنَا على الـمسارعةِ إلى الخيراتِ وتركِ المنكراتِ، والتسابُقِ إليها في كلِّ وقتٍ وحينٍ، لـمَـا في ذلك مِن جلبِ الحسناتِ، ورفعٍ للدرجاتِ، ومـحوٍ للسيئاتِ، وانشراحٍ للصدورِ، ودفعٍ للهمومِ والأحزانِ قالَ جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]، وبيَّنَ ربُّنَا جلَّ وعلا أنَّ كلَّ عملِ خيرٍ مهما كان صغيرًا أو بسيطًا فإنَّهُ يعلمهُ، قال ربُّنَا ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (النساء: 127. وكلُّ عملٍ ستراهُ في صحيفةِ أعمالِكَ قال جلَّ وعلا): فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه( [الزلزلة: 8 ، نعمْ فكلُّ ما تعملُهُ مِن خيرٍ ولو كان وزنَ ذرةٍ ستراهُ في الآخرةِ في صحيفتِكَ. روى الإمامُ أحمدُ في مسندهِ عن أبِي هريرةَ، قال: قرأَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- هذه الآيةَ(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا( قال “أتدرونَ ما أخبارهَا؟“. قالوا: اللهُ ورسولهَ أعلم. قال: “فإنَّ أخبارَهَا أنْ تشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمةٍ بما عَمِلَ على ظهرِهَا، أنْ تقولَ: عملَ كذَا وكذا، يومَ كذا وكذا، فهذه أخبارُهَا” فهنيئًا لمَن كانتْ أعمالُهُ كلُّهَا خير و يا سعادةُ مَن وفقَ لعملِ الخيرِ .
أيُّها السادةُ: الخيرُ يشملُ كلَّ عملٍ صالحٍ، وكلَّ قولٍ طيبٍ، وكلَّ نيةٍ خالصةٍ، فالتوحيدُ خيرٌ، وطاعةُ اللهِ كلُّهَا خيرٌ، وطاعةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم كلُّهَا خيرٌ، والإحسانُ إلى النفسِ خيرٌ، والإحسانُ إلى الناسِ خيرٌ، وبِرُّ الوالدين أحياءً وأمواتًا خيرٌ، والأمرُ بالمعروفِ والنهيِ عن الـمنكرِ خيرٌ، وصلةُ الأرحامِ خيرٌ، والانشغالُ بذكرِ اللهِ تعالى خيرٌ، وكفالةُ اليتامَى خيرٌ, والتعاملُ مع الجيرانِ بالإحسانِ خيرٌ، والـخُلُقُ الحَسَنُ خيرٌ، وإماطةُ الأذى عن الطريقِ خيرٌ، والـمحافظةٌ على البيئةِ مِن التلوُّثِ خيرٌ، واحترامُ الآخرين خيرٌ، والصدقُ خيرٌ، والأمانةُ خيرٌ، والالتزامُ بالوعدِ والوفاءُ بالعهدِ خيرٌ، والصلاةُ خيرٌ، والزكاةُ خيرٌ، والقرآنُ كلُّهُ خيرٌ، ودينُنَا كلُّهُ خيرٌ.
لذا قالَ سبحانَهُ: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46. وقالَ تعالى ﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ البقرة: 110. وقالَ جلَّ وعلا ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ المزمل20 ,وعن أبي ذرٍ رضي اللهُ عنه قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: تبسمُكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدقة، وأمرُكَ بالمعروفِ ونهيُكَ عن المنكرِ صدقةٌ، وإرشادُكَ الرجلَ في أرضِ الضلالِ لك صدقةٌ، وبصرُكَ للرجلِ الرديءِ البصرِ لك صدقةٌ، وإماطتُكَ الحجرَ والشوكةَ والعظمَ عن الطريقِ لك صدقة، وإفراغُكَ مِن دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لك صدقةٌ [ رواه الترمذي:. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) وفي رواية طليق) رواه مسلم
أيُّها السادةُ: مِن أبوابِ الخيرِ الصدقةُ على اليتامَى والمساكين، وإذا نافسَكَ الناسُ في الدنيا فاتركهَا لهم ونافسهُم في الآخرةِ قالَ اللهُ ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].وقالَ تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].وقَالَ تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21..وقال وهيبُ بنُ الوردِ: “إنْ استطعتَ أنْ لا يسبقُكَ إلى اللهِ أحدٌ فافعلْ فالتنافسُ في أعمالِ الخيرِ وصيةٌ نَبَوِيَّةٌ، وسُنَّةٌ مُحمديةٌ:-ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟” قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ” قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: ” تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً(( بل لا يخلُو أحدُنَا إنْ استوقفَهُ شخصٌ في يومٍ مِن الأيامِ يستوصفهُ عن طريقٍ أو معلمٍ ما، لكنْ مَن يحتسبُ عمل هذا الخيرِ ويعلمُ أنَّهُ صدقةٌ في الإسلامِ، ثبتَ في صحيح البخاري عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنِّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: (دلُّ الطريقِ صدقةٌ ((
فالبدارَ البدارَ بالخيرِ والأعمالِ الصالحةِ قبلَ فواتِ الأوانِ؛ لقولِ النبيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعرْض من الدُّنْيَا” رواه مسلم فهذه بغيةٌ على عهدِ بني إسرائيلَ رأتْ كلبًا يلهثُ عطشًا فسقتْ المرأةُ الكلبً فغفرَ اللهُ لها الذنوبَ.
وللهِ درُّ القائلِ :
إذا كانتْ الرحمةُ بالكلابِ *** تغفرُ الخطايَا للبغَايا
فكيف تصنعُ الرحمةُ *** بمَن وحدَ ربَّ البرايَا
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية
ثانيـــًـا : المؤمنُ أينمَا حلَّ نفع .
أيُّها السادةُ: إنَّ المؤمنَ يعقدُ العزمَ ليكونَ في كلِّ تصرفاتِهِ وأفعالهِ إيجابيًّا نافعًا، يزرعُ الخيرَ حيثمَا سارَ، فلا يرى أهلُهُ منهُ في بيتهِ سُوءًا ولا شرًّا، ولا يعرفُ منه جيرانُهُ ومَن معهُ في العملِ بأسًا ولا ضرًّا، ولا يصدرُ عنهُ للناسِ إلّا كلُّ فائدةٍ وبرٍّ، فيرتقِي بذلك ليكونَ مع السابقين أهلِ الفضلِ الكبيرِ في الدنيا والآخرةِ، قالَ عزَّ وجلًّ:( وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (آل عمران – 115). وفي الحديث: الخيرُ عادةٌ والشَّرُّ لَجاجةٌ ))أي افعلُوا الخيرَ حتى يصبحَ في سلوكِكُم عادةً مستمرةً، واجتنبُوا الشرَّ فإنَّهُ سببٌ لضيقِ الصدرِ وحصولِ الكربِ، فهل نعقدُ العزمَ على ذلك، ونراقبُ أحوالنَا فلا يبدرُ منَّا إلّا الخير؟ ونفوزُ في السباقِ؟ فالذين يصبحُ فعلُ الخيرِ مسلكهُم هم السعداءُ الذين يصنعُون مجتمعَ السعادةِ، ويرضَى عنهم أهلُ الأرضِ وأهلُ السماءِ، قال سلمانُ رضي اللهُ عنه: مَن أرادَ السعادةَ فَعَلَ الخيرَ، وجلسَ مجالسَ الخيرِ. والذي يفعلُ الخيرَ ويثابرُ عليهِ، ويجعلهُ خطةَ حياتهِ يصيرُ لهُ مِن اللهِ معونة، ويهيئُ اللهُ لهُ وقايةً تحفظهُ.
فالإنسانُ الذي يتوجهُ بفكرهِ وقولهِ وعملهِ إلى فعلِ الخيرِ هو الإنسانُ الذي يؤدِّي حقوقَ اللهِ تعالى عليهِ ويعمرُ الحياةَ، وينشرُ فيها الاستقرارَ والازدهارَ، ولهذا أرادَ نبيُّنَا عليه الصلاةُ والسلامُ مِن كلِّ مسلمٍ أنْ يكونَ له بابٌ مِن الخيرِ والنفعِ، يقومُ بهِ حسبَ قدرتهِ واستعدادهِ، فأبوابُ الخيرِ كثيرةٌ، وأنواعُهُ عديدةٌ، تتجددُ مع الزمانِ، وغايتُهَا الخيرُ والنفعُ للإنسانِ، وبذلك تتكاملُ الأعمالُ الخيرةُ، ويزدهرُ المجتمعُ والوطنُ، ولقد أعطَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أمثلةً للأعمالِ الصالحةِ التي تصلحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، فقال: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قيلَ: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: يَعْتَمِلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ قالَ، قيلَ: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قالَ: يُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ قالَ: قيلَ له: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قالَ: يَأْمُرُ بالمَعروفِ أوِ الخَيْرِ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فإنَّها صَدَقَةٌ.(
وما هذه إلا أمثلةٌ ومفاتيحٌ بيَّنَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم للناسِ ليحذُوا الناسَ حذوَهَا وليسيرُوا على دروبِ الخيرِ ليسعدُوا في الدنيا والآخرةِ فكنْ نافعًا للناسِ ساعيًا بالخيرِ وللخيرِ بينَ الناسِ تنعمُ في الدنيا والآخرةِ ..وللهِ درُّ القائلِ
وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ *** تُقضَى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
لا تمنعنًّ يدَ المعروفِ عن أحدٍ *** ما دمتَ مقتدرًا فالعيشُ جناتُ
قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم*** وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ ..
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية
ثالثًا وأخيرًا: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
أيُّها السادة ُ: فعلُ الخيرِ أمرٌ ربانيٌّ وفريضةٌ شرعيةٌ وفضيلةٌ إسلاميةٌ، قالَ جلَّ وعلا (( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) الأنبياء (73)
فتعالُوا بنَا أيُّهَا الأخيارُ نخوضُ هذا البستانَ – بستانَ الخيراتِ – نتفيأُ في ظلالهِ، ونرتوِي مِن نميرهِ العذبِ، ونشمُّ من عبيرهِ، وننهلُ مِن معينهِ الزلالَ ونقلبُ في خبايا كتبِ السنةِ الصحيحةِ عن هذه الثمارِ اليانعةِ، والأزهارِ الرائعةِ لنأخذَ منها الدروسَ والعبرَ فتعالُوا سريعًا لنتلمسَ التطبيقَ العمليَّ مِن رجالٍ تخرجُوا مِن مدرسةِ الحبيبِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم وكيف لا؟و لقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلم مثالًا أعلَى في المسارعةِ إلى الخيرِ، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا ، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ « ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي ، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ » [البخاري]. وهذا أبو بكرٍ الصديقُ رضي اللهُ عنه كان سبَّاقًا، وحريصًا على أنْ يكونَ له سهمٌ في كلِّ وجوهِ الخيرِ، فقد روى مسلمٌ في صحيحهِ (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».فالمداومةُ على العملِ الصالحِ شعارُ المسلمين، وعن زيدِ بنِ أسلم، عن أبيه قال: سمِعتُ عمرَ بنَ الخطابِ يقولُ: أمرنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم أنْ نتصدَّقَ فوافقَ ذلك مالًا عندي، فقلتُ: اليومَ أسبقُ أبا بكرٍ إنْ سبقتهُ يومًا، فجئتُ بنصفِ مالِي، فقال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: ((ما أبقَيْتَ لأهلِكَ؟))، فقلتُ: مثلهُ، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عندهُ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: ((ما أبقَيْتَ لأهلِكَ؟))، قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، قُلتُ: لا أُسابِقُكَ إلى شيءٍ أبدًا”؛ [أخرجه أبو داود.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ، قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَإِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ ، قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي ، حَائِطًا فِيهِ سِتُّ مِائَةِ نَخْلَةٍ ، ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ وَفِيهِ أُمُّ الدَّحْدَاحِ فِي عِيَالِهَا فَنَادَاهَا : يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ ، قَالَتْ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : اخْرُجِي ، فَإِنِّي أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطًا فِيهِ سِتُّ مِائَةِ نَخْلَةٍ. ) وعن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: (لقد رأيتُ رجلًا يتقلبُ في الجنةِ في شجرةٍ قطعهِا مِن ظهرِ الطريقِ كانتْ تؤذِي الناس) [رواه مسلم: (1914)وفي لفظٍ في الصحيحين((بينَما رجُلٌ يمشي بطريقٍ وجَد غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَذَهُ فشكَرَ اللهُ له فغفَرَ له) فالشكرُ مِن اللهِ والمغفرةُ والجنةُ لهذا الرجلِ مقابلُ ماذا؟ أزاحَ غصنَ شوكٍ يُؤذِي الناسَ مِن طريقِهِم، فما أعظمَ فضلُ اللهِ، وما أوسعَ أبوابُ الخيرِ في الرسالةِ المحمديةِ.
فاستَكثِروا مِن فعْلِ الخيراتِ، وسابقُوا إلى عملِ الطاعاتِ، واملأُوا صحائفَكُم بالباقياتِ الصالحاتِ، فالأنفاسُ محسوبةٌ والآجالُ مكتوبةٌ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77 فيا هذا نفسُكَ معدودٌ، وعمرُكَ محسوبٌ، فكم أملتَ أملًا، وانقضَي الزمانُ وفاتك، ولا أراكَ تفيق حتى تلقي وفاتَك . فاحذرْ ذللَ قدمِكَ، وخفْ طولَ ندمِك ،واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِك كما قال المصطفي صلَّى اللهُ عليه وسلم في الحديثِ الذى رواه أحمدُ وغيرُهّ { اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك }
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلـــةٌ له *** إنَّ الحياةَ دقـــــائقٌ وثوان
فارفعْ لنفسِكَ قبلِ موتِكَ ذكرَهَا *** فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثان
فلا قيمةَ للحياةِ بدونِ فعلِ الخيرِ، ولا نجاةَ للعبدِ في الآخرةِ إلا بفعلِ الخيرِ، ولا راحةَ نفسيةً ولا سعادةَ قلبيةً للعبدِ دونَ فعلهِ الخير، ولا دخولَ للجنةِ دونَ فعلِ الخيرِ، ولا فوزَ برضوانِ اللهِ دونَ فعلِ الخيرِ، ولا نورَ في القلبِ ولا في القبرِ ولا على الصراطِ دونِ فعلِ الخيرِ ….
عبادَ اللهِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
حفظَ اللهُ مصرَ من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف