خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دروس من الهجرة النبوية ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دروس من الهجرة النبوية ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 7 محرم 1444هـ، الموافق 5 أغسطس 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م بصيغة word بعنوان : دروس من الهجرة النبوية، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م بصيغة pdf بعنوان : دروس من الهجرة النبوية، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م بعنوان : دروس من الهجرة النبوية.
أولًا: ومِن الهجرةِ كانتْ البدايةُ للإسلامِ.
ثانيـــًا: الهجرةُ كلُّها دروسٌ وعبرٌ.
ثالثـــًا: كيف يُنسَى الصدِّيقُ رضى اللهُ عنه ؟
رابعًا وأخيرًا: متى تُهاجر؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م بعنوان : دروس من الهجرة النبوية : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ بعنوان: دروسٌ مِن الهجرةِ النبويةِ د. محمد حرز بتاريخ: 7 من المحرم 1444هــ – 5 أغسطس2022م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ التوبة: 40،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102) ثم أمَّا بعدُ :(( دروسٌ مِن الهجرةِ النبويةِ)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دروس من الهجرة النبوية
أولًا: ومِن الهجرةِ كانتْ البدايةُ للإسلامِ.
أيُّها السادةُ: إنَّ هجرةَ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم لا ينبغِي أنْ تكونَ ماضيًا أبدًا ,أو لمجردِ القصةِ ,أو التسليةِ ,أو لمجردِ الإعجابِ الباهتِ الباردِ, أو لمجردِ كان يا ما كان في سالفِ الأيامِ على عهدِ النبيِ المختارِ , بل ينبغِي أنْ نحولَ سيرتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منهجِ حياةٍ وإلى واقعٍ نحياهُ ونربِّي عليه أولادَنَا وبناتِنَا , بل ونحولُهَا إلى شعلةٍ توقدُ شموسَ الحياةِ ودماءٍ تتدفقُ في عروقِ الأجيالِ والمستقبل. وكيف لا ؟ واللهُ جلَّ وعلا لم يبعثْ محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا ليكونَ قدوةً متجددةً على مرِّ الأجيالِ والقرونِ ، وإلَّا ليكونَ مثلًا أعلَى لكلِّ زمانٍ ومكانٍ فهو أسوتُنَا و قدوتُنَا ومعلمُنَا ومرشدُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ جلَّ وعلا ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ))(سورة الأحزاب: 21) فلقد كانتْ هجرةُ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – دَحْرًا للفسادِ في العقائدِ، والضلالِ في الأفكارِ، كما كانتْ فتحًا جديدًا في تاريخِ الإنسانيَّةِ، ونصْرًا مُؤَزَّرًا, والهجرةُ كلُّها دروسٌ وعبرٌ. وكيف لا ؟ ولقد جمعَ اللهُ في شخصِ المصطفَى القدرةَ الحيةَ الكاملةَ للمنهجِ التربويِّ الإسلاميِّ على مدارِ التاريخِ كلِّهِ * فهو رسولُ اللهِ يتلقَّى الوحىَ مِن اللهِ جلَّ وعلا ليربطَ الأرضَ بالسماءِ بأعظم رباطٍ وأشرف صلةٍ. * وهو رجلُ السياسةِ الأول غَيَّرَ مجرَى التاريخِ في فترةٍ لا تُساوى في حسابِ الزمنِ شيئًا . * وهو رجلُ حربٍ يضعُ الخططَ ، ويقودُ الجيوشَ كقائدٍ متخصصٍ في ميدانِ القتالِ فكان إذا صمتتْ الألسنةُ وبلغتْ القلوبُ الحناجرَ وقفَ في الميدانِ وقفةَ الأبطالِ يُنادِى بأعلَى صوتِهِ: « أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ »* وهو أبٌ ، وزوجٌ ، وربُّ أسرةٍ كبيرةٍ تحتاجُ كثيرًا مِن النفقاتِ فقامَ بهذا الدورِ على أكمل وجهٍ شهدتهُ الأرضُ وعرفهُ التاريخُ. * وهو عابدٌ خاشعٌ خاضعٌ لربِّهِ كأنَّهُ ما خُلِقَ إلّا للعبادةِ وكأنَّهُ قد تفرغَ لها ومع هذا كلِّه فهو قائمٌ على أعظم دعوةٍ ، أخذتْ عقلَهُ وفكرَهُ وروحَهُ وعرقَهُ ودمَهُ، كلُّ هذه العظمات، كلُّ هذه الطاقات، وكلُّ هذه الشخصياتِ المتفرقةِ تجمعتْ في شخصيةِ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم * أفلَا يستحقُّ وبجدارةٍ أنْ يكونَ هو القدوةُ الطيبةُ والمثلُ الأعلى، وكيف لا ؟: والهجرةُ حدثٌ تاريخِيٌّ عظيمٌ ,لا ينبغي أنْ يمرَّ علينا مرورَ الكرامِ ,حَادِثٌ نَصَرَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، حَدَثٌ أعلَى اللهُ بِهِ كَلِمتَهُ، حَدَثٌ غَيَّرَ وَجْهَ الْكَوْنِ؛ حَدَثٌ قَامَتْ بِهِ دَوْلَةُ المُسلِمينَ، وَسَقَطَتْ بِهِ عُرُوشُ الظَّالِمِينَ.. حَادِثُ هِجرَةِ الحَبِيبِ المُصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم، فلقد هاجرَ نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم مِن مكةَ المكرمةِ إلى المدينةِ النبويةِ التي أنارتْ واستنارتْ بقدومِ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم بعدَ أنْ لاقَي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم مِن الأذَى والضيقِ والبلاءِ ما لا تتحملُهُ الجبالُ الرواسي، وفقدَ النصيرَ العزيزَ مِن أهلهِ وأقربائِهِ كأبِي طالبٍ وخديجةَ بنتِ خُويلدٍ رضى اللهُ عنها وأرضاهَا ، وأمرَهُ اللهُ جلَّ وعلا حينئذٍ بالصبرِ والهجرةِ إلى يثرب، فقال مخاطبًا إياهُ: ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ))(الأحقاف:35).فلقد تآمرَ المشركون على رسولِ الإسلامِ صلَّى اللهُ عليه وسلم، وقررُوا أنْ يفتكُوا بهِ ويقتلُوه لكنَّ اللهَ نجَّاهُ وحماهُ وأيدَهُ ونصرَهُ فقال جلَّ وعلا ((وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [يس:9]، وهنا أيدَ اللهُ رسولَ الكريمِ بالمعجزاتِ الباهراتِ، والآياتِ البيناتِ، لتدلَّ على نبوتهِ ورسالتهِ، منها ما حصلَ لسُرَاقةَ بنِ مالكٍ حينمَا أرادَ أنْ يؤذِي رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- فساختْ قوائمُ الفرسِ في الأرضِ ونجَّا اللهُ نبيَّهُ مِن أذَى قريشٍ بعدَ أنْ رصدتْ جائزةً لمَن يأتِي برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم. فعادَ سراقةُ قائلًا لأبِى جهلٍ:
أَبَا حَكَمٍ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ شَاهِدًا *** لأَمْرِ جَوَادِيَ إِذْ تَسُوخُ قَوَائِمُهُ
عَلِمْتَ وَلَمْ تَشْكُكْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا*** رَسُولٌ بِبُرْهَانٍ فَمَنْ ذَا يُقَاوِمُهُ
وصلَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- إلى المدينةِ المنورةِ – -الموطنِ الجديدِ- بسلامٍ وحفظٍ وأمنٍ وأمانٍ مِن اللهِ جلَّ وعلا ، واستقبلَهُ الأنصارُ بالترحابِ والفرحِ، وكانَ أولَ ما قامَ بهِ صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ بناءُ المسجدِ النبوي، وألَّفَ بينَ الأوسِ والخزرجِ وبينَ المهاجرين والأنصارِ، وظهرتْ أخلاقُ الأنصارِ مِن الإيثارِ، والمحبةِ، والتعاونِ والوفاءِ حيرتْ العلماءَ قديمًا وحديثًا ولم يمكنهُم تفسيرهَا بشيءٍ إلّا بالإيمانِ الصادقِ واليقينِ الجازمِ.بوعدِ اللهِ وبوعدِ رسولهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ومِن هنا كانتْ نقطةُ التحولِ وكانتْ البدايةُ للإسلامِ والمسلمين.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دروس من الهجرة النبوية
ثانيـــًا: الهجرةُ كلُّها دروسٌ وعبرٌ.
أيُّها السادةُ: الهجرةُ النبويةُ الشريفةُ المشرفةُ كلُّها دورسٌ وعبرٌ وعظاتٌ لمَن كان لهُ قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ، ومِن أعظمِ هذه الدروسِ أنَّ الهجرةَ تضحيةٌ وفداءٌ مِن أجلِ الدينِ مِن أجلِ إعلاءِ كلمةِ لا إلهَ إلّا اللهُ، فهذا رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يضطرُّ إلى مغادرةِ بلدهِ الذي وُلِدَ فيه وترعرعَ، وتركَ أقرباءَهُ وعشيرَتَهُ، تركَ مكةَ التي أحبَّهَا وعشقَهَا، يُخاطبُ مكةَ المكرمةَ زادَها اللهُ تكريمًا وتشريفًا إلى يومِ الدينِ مودعًا لها وهي وطنهُ الذي أُخرجَ منه، بكلماتٍ تُؤلمُ القلبَ وتُبكِي العينَ بدلَ الدموعِ دمًا، بكلماتٍ كلِّها حنينٌ ومحبةٌ وألمٌ وحسرةٌ على الفراقِ، بكلماتٍ كلِّها انتماءٌ وتضحيةٌ ووفاءٌ وفداءٌ لدينِ اللهِ، فقال وهو يغادرُهَا بِنَبْرةٍ مِن الحزنِ والألمِ ما فيها « وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلاَ أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ »رواه الترمذي) وهذا صُهَيب الرُّومي، لَمَّا أرادَ الهجرةَ، قال له كُفَّارُ قريشٍ: أتيتَنَا صعلوكًا حقيرًا، فَكثُرَ مالُكَ عندنا، وبلَغْتَ الذي بلغتَ، ثم تريدُ أنْ تَخْرجَ بِمالِكَ ونفسِكَ؟ واللهِ لا يكونُ ذلك أبدًا ، فقال لهم صهيبٌ: أرأيتُم إنْ جعلْتُ لكم مالي، أتخلُّونَ سبيلِي؟” قالوا: نعم، قال: “فإنِّي قد جعلتُ لكُم مالِي”، فبلغَ ذلك رسول اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – وأنزلَ اللهُ فيه قرآنًا يُتلَى إلى يومِ الدينِ ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾.البقرة (207)، وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم : ((رَبِحَ البيعُ أبا يحي ربحَ البيعُ أبا يَحْيَى))وهذا هو الفدائيُّ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ ينامُ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءً لَهُ، و يعرضُ نفسَهُ للقتلِ مِن أجلِ الدينِ ومِن أجلِ نبيِّ الدينِ صلَّى اللهُ عليه وسلم .ومِن أعظمِ دورسِ الهجرةِ النبويةِ : نتعلمُ كيفيةَ ردِّ الأماناتِ إلى أهلِهَا فكانتْ قريشٌ تضعُ أماناتِهم عندَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلم ،وعندما أرادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم الهجرةَ إلى المدينةِ المنورةِ يقعُ النبيُّ المختارُ صلَّى اللهُ عليه وسلم في محنةٍ وفي مأزقٍ، ألَا وهي كيفيةُ ردِّ الأماناتِ إلى أهلِهَا ،لماذا ؟ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يعلمُ أنَّ الحقَّ أحقُّ أنْ يتبعَ. لماذا ؟لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يعلمُ أنَّ الخيانةَ ثلثُ النفاقِ. لماذا؟ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يريدُ أنْ يعلمَ الأمةَ كيفيةَ ردِّ الأماناتِ إلى أهلِهَا، وهنا يتركُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم عليًّا بنَ أبي طالبٍ وابنَ عمِّهِ وصهرهِ في فراشهِ، وكان مِن الأولَي أنْ يأخذَهُ معهُ ولم يكنْ نومُ علىٍّ في فراشِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يغيرُ المقاديرَ، ولم يكنْ نومُ علىٍّ يُفدي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم مِن القتلِ إنْ كتبَ اللهُ عليه القتلَ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ مقدرٌ بإذنِ الملكِ الوهابِ، ولكنْ نامَ عليٌّ رضي اللهُ عنه ليردَّ الأماناتِ إلى أهلِهَا ليردَّ الأماناتِ إلى الذين تآمرُوا على قتلهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ،وليعطِي كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ ومستحَقّهَ ُ،ثم يلحقُ بالنبيِّ في المدينةِ المنورةِ. انظروا كيف كانتْ أمانةُ المصطفَي صلَّى اللهُ عليه وسلم ؟ لنتعلمَ ولنعِي الدرسَ مِن هجرتهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم لذا قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) (أخرجه أبو داود في سننه) فما أحوجنَا إلى الأمانةِ في كلِّ شيءٍ، وخاصةً في هذا الزمانِ الذي ضُيعتْ فيه الأمانةُ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ .ومِن أعظمِ دورسِ الهجرةِ النبويةِ: الثقةُ في وعدِ اللهِ والتوكلِ على اللهِ سبحانهِ وتفويضِ الأمرِ إليهِ سبحانَهُ والأخذِ بالأسبابِ المشروعةِ مع عدمِ الاعتمادِ عليها إنَّما الاعتمادُ على مسببِ الأسبابِ وهو اللهُ جلَّ وعلا، فلقد أخذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم بجميعِ الأسبابِ المشروعةِ للهجرةِ ولما انقطعتْ الأسبابُ تعلقَ بمسببِ الأسبابِ فنجَّاهُ اللهُ وصاحبَهُ مِن الهلاكِ عندما كان في الغارِ وجاءَ أبو جهلٍ والقومُ معهُ ووقفُوا أمامَ بابِ الغارِ, وهنا دارَ حوارٌ هامسٌ خفيٌّ بينَ الصدِّيقِ الخائفِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أكثرَ مِن خوفهِ على نفسهِ، يا رسولَ اللهِ لو أنَّ أحدُهُم نظرَ إلى قدميهِ لرآنَا, فيردُّ عليه الحبيبُ صلَّى اللهُ عليه وسلم بلغةٍ يحدوهَا الأمل.. ، وبقلبٍ يملأهُ اليقين. « يا أبَا بكرٍ ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثهُمَا » يا أبا بكرٍ « لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا» رواه البخاري. اللهُ أكبرُ فو اللهِ ثمَّ واللهِ لو جمعَ أبو جهلٍ الأحياءَ كلَّهُم بل إنْ شئتَ وأخرجَ الأمواتَ مِن قبورِهِم يسحبونَ أكفانَهُم خلفَ أبِي جهلٍ يقلبونَ معه حجارةَ الأرضِ، ويزحزحونَ الجبالَ عن أماكنِهَا .، وينقبونَ في الرمالِ، ما وصلُوا إلي اثنينِ اللهُ ثالثهُمَا (إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة، وأيُّ معيّةٍ تعدِلُ معيةَ اللهِ ؟ إنّها الحِصنُ الحَصينُ مِن كُلِّ الغوائِلِ، والعدّةُ في كلِّ شدةٍ، والدّرعُ الواقِي مِن سهامِ البوائِقِ والشّرورِ، لكنَّ هذه المعيّةَ الخاصّةَ التي تكونُ بالتّأييدِ والتّوفيقِ والحِفظِ والمعونةِ والنّصرِ إنَّما جعلَهَا اللهُ تعالى لأوليائِهِ المتّقين المحسِنين. فمَن توكلَ عليهِ كفاهُ، ومَن فوضَ إليهِ الأمرَ هداهُ، ومَن سألَهُ أعطاهُ، ومَن وثقَ في اللهِ نجَّاهُ، ومَن صفَا مع اللهِ صافاهُ، و مَن أوى َإلى اللهِ أواهُ، و مَن فوّضَ أمرهُ إلى اللهِ كفاهُ، و مَن باعَ نفسَهُ إلى اللهِ اشتراهُ، و جعلَ ثمنَهُ جنّـتَهُ و رضاهُ، قال جلَّ وعلا (أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ … [الزمر:36].وصدقَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم – : « لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا » رواه أحمد. ومِن أعظمِ دورسِ الهجرةِ النبويةِ: إتقانُ التخطيطِ وحسنُ توظيفِ الطاقاتِ: فإنَّ الهجرةَ تعلِّمُنَا كيف يؤدِّي التخطيطُ الجيِّدُ دَوْرَهُ في تحقيقِ النَّجاحِ. ومِن أعظمِ أسُسِ التَّخطيطِ: حُسْنُ توظيفِ الطاقاتِ، وسلامةُ استغلالِ القدراتِ المتاحةِ، والاعتمادُ على الكفاءاتِ سبيلُ النجاحِ فيضعُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم خطةَ الهجرةِ بمنتهَى الدقةِ والحكمةِ .فالصَّدِيقُ قبلَ الطريقِ، والراحلةُ تُعْلَفُ وتُجهَّزُ قبلَ أربعةِ أشهرٍ وبِسرِّيةٍ تامَّةٍ، وعليٌّ بنُ أبي طالبٍ يُكَلَّفُ بالنومِ في فراشِ النبِيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – تَمويهًا على المشركين وتخذيلاً لَهم، وهو دورُ الفتيانِ الأقوياءِ. والطريقُ يحتاجُ إلى رجلٍ خبيرٍ لا يعرفُ الطرقَ الممهدةَ فقط بل يعرفُ الطرقَ الجانبيةَ والفرعيةَ التي يمكنُ أنْ تُسلكَ ليتمكنُوا مِن الفرارِ مِن المطاردين، فجاءَ بعبدِ اللهِ بنِ أُرَيقِطٍ ليدلهُمَا على الطريقِ.. إنَّه التخطيطُ والتنظيمُ والاعتمادُ على الكفاءاتِ ياسادة… فما أحوجنَا إلى التخطيطِ في كلِّ مجالاتِ حياتِنَا، اقتداءً برسولِنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم .ومِن أعظمِ دورسِ الهجرةِ النبويةِ: الإيثارُ والإخاءُ والمحبةُ والتعاونُ والألفةُ تلكمُ الاخلاقُ الإسلاميةُ العظيمةُ الذي تتجلَّى وبوضوحٍ في هجرةِ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم، أقبلَ المهاجرونَ إلى المدينةِ لا يملكونَ مِن أمرِ الدنيا شيئًا، قد تركُوا أموالَهُم وما يملكُون خلفَ ظهورِهِم وأقبلُوا على ما عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ يرجونَ رحمتَهُ ويخافونَ عذابَهُ، فاستقبلَهُم الأنصارُ الذين تبوؤُا الدارَ، وأكرمُوهم أيَّما إكرامٍ ولم يبخلُوا عليهم بشيءٍ مِن حطامِ الدنيا بل قاسمُوهم الأموالَ والزوجاتِ… في صورةٍ يعجزُ عن وصفِهَا اللسانُ، ويضعفُ عن تعبيرِهَا البيانُ: فهذا هو عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ ((لما قَدِمَ المدينةَ آخى النّبيُّ صلّى اللّهُ عليه وسلّم بينَهُ وبينَ سعدِ بنِ الرّبيعِ الأنصاريِّ وعندَ الأنصاريِّ امرأتانِ فعرضَ عليه أنْ يناصَفَهُ أهلَهُ ومالَهُ، فقالَ له: باركَ اللّهُ لك في أهلِكَ ومالِكَ دُلّونِي على السّوقِ))(رواه البخاري). اللهَ اللهَ في أصحابِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم , فالأخوةُ الإيمانيةُ القائمةُ على أساسِ العقيدةِ الصافيةِ سببٌ في بناءِ المجتمعِ وتحصينُهُ مِن الآفاتِ والتصدعِ، ويتجلَّى ذلك مِن الهجرةِ النبويةِ بعقدِ الإخاءِ الذي جمعَ المهاجرينَ والأنصارَ وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ الحشر: 9، واللهِ ثمَّ واللهِ لو وقفتَ أمامَ قواميسِ لغةِ العربِ، لتقفَ على مترادفاتِ الحبِّ والإيثارِ، والوفاءِ والإخلاصِ، والصدقِ والشهامةِ، والرجولةِ والغيرةِ، والمروءةِ إلى آخرِ هذه المترادفاتِ .. سترونَ المترادفاتِ كلَّهَا تتوارَى خجلًا وحياءً أمامَ عظمةِ هذا العملاقِ الكبيرِ الذي يزنُ بينَ الرجالِ وحدهُ أُمَّةً الذي كان طيفًا مِن الحنانِ وسحابةً مِن الحبِّ، الذي جعلَ مِن جسدهِ الطاهرِ درعًا أمينًا يحمِي بهِ حبيبَهُ وخليلَهُ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم إنَّه الصدِّيقُ ياسادة.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دروس من الهجرة النبوية
ثالثـــًا: كيف يُنسَى الصدِّيقُ رضى اللهُ عنه ؟
أيُّها السادةُ: ومِن أعظمِ الدروسِ والعبرِ مِن هجرةِ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم اختيارُ الصحبةِ، فالصاحبُ ساحبٌ، والصديقُ قبلَ الطريقِ، وتجلَّتْ هذه الصحبةُ في أبْهَى صُوَرِهَا مع أبي بكرٍ الصدِّيقِ، الذي ذهبَ كثيرٌ مِن المفسِّرين إلى أنَّه هو المقصودُ بالْمُصدِّقِ في قولهِ تعالى: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر: 33)، عندما قال الصحبةَ بأبي أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : نعم))، قالتْ عائشةُ – رضي اللهُ عنها -: “فو اللهِ ما شعرتُ قطُّ قبل ذلك اليومِ أنَّ أحدًا يبكِي مِن الفرحِ، حتَّى رأيتُ أبا بكرٍ يبكِي يومئذٍ)) رواه البخاري. …فتراهُ في طريقِ الهجرةِ يكثرُ الالتفاتَ خائفًا على حبيبهِ، ويسألُهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم عن سببِ ذلك فيقولُ الصدِّيقُ: يا رسولَ اللهِ .. إنْ مشيتُ أمامَكَ خشيتُ أنْ تؤتَى مِن خلفِكَ، وإنْ مشيتُ مِن خلفِكَ خشيتُ أنْ تؤتَى مِن أمامِك… اللهُ أكبرُ نعم كيف ينُسى رجلٌ بأمةٍ ؟.. نعمْ كيفَ يُنسَى رجلٌ جَنَّدَ مالَهُ وبيتَهُ وعقلَهُ وفكرَهُ ودمَهُ لدينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.. ولم يتلعثمْ في إيمانِهِ طرفَةَ عينٍ، فلقد كان الصدِّيقُ طيفًا مِن الحنانِ..، وسحابةً مِن الحبِّ تُظِلُّ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم ….لذا استحقَّ الصدِّيقُ أنْ يتبوأَ ذروةَ سنامِ الصدِّيقين في هذه الأمةِ بجدارةٍ واقتدارٍ، بل واستحقَّ أنْ يكونَ رفيقَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في الدنيا، وأنْ يكونَ رفيقَ النبيِّ في القبرِ، وأنْ يكونَ رفيقَهُ في جناتِ النعيمِ، فهو الخليلُ والصاحبُ في جميعِ الأسفارِ، ورفيقُ النبيِّ في الروضةِ المحفوفةِ بالأنوارِ في مدينةِ سيدِ الرجالِ ، رفيقُ النبيِّ في جنةِ العزيزِ الغفارِ .. فما احوجنَا أنْ نتعلمَ حبَّ نبيِّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم مِن صدِّيقِ هذه الأمةِ أبي بكرٍ رضى اللهُ عنه وأرضاهُ .فأيُّ إجلالٍ هذا؟ وأيُّ حنانٍ هذا؟ وأيُّ حبٍّ هذا؟ بل وأيُّ اتباعٍ هذا؟ لقد أحبُّوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وكرهُوا ما كرهَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وامتثلُوا كلَّ أوامرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم واجتنبُوا كلَّ نواهِي النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم ووقفُوا عندَ حدودِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم.
فمَن يدعِي حبَّ النبيِّ ولم يفدْ مِن هديهِ فسفاهةٌ وهراءُ
فالحبُّ أولُ شرطهِ وفروضهِ إنْ كانَ صادقًا طاعةٌ ووفاءُ
قال جلَّ وعلا: ] قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ [آل عمران: 31].
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم…………………..الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . وبعدُ …
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دروس من الهجرة النبوية
رابعًا وأخيرًا: متى تُهاجر؟
أيُّها السادةُ: الكثيرُ مِن الناسِ يعتقدُ أنَّ الهجرةَ انتهتْ وانقضتْ بفتحِ مكةَ أو بموتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم لحديثِ ابنِ عمرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ كما في الصحيحين: « لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ » نعم فهذه الهجرةُ انتهتْ، وهي الهجرةُ بالجسدِ إلى المدينةِ المنورةِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم في وقتٍ كانتْ الهجرةُ واجبةً لماذا ؟فرارًا بالدينِ مِن أجلِ إعلاءِ كلمةِ لا إلَهَ إلَّا الله، ومِن أجلِ المحافظةِ على الأرواحِ البشريةِ في هذا الوقتِ، لكنْ بعدَ أنْ فتحَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم مكةَ بفضلِ اللهِ ،واتسعتْ الرقعةُ الإسلاميةُ، وقويتْ شوكةُ المسلمين، لم تعدْ هناك حاجةٌ إلى الهجرةِ بالجسدِ إلى مدينةِ المصطفَي صلَّى اللهُ عليه وسلم ….ولكن بقيتْ هجرةٌ .. هجرةٌ باقيةٌ ولكنْ ما هي؟ إنَّها الهجرةُ مِن تركِ البدعةِ إلى إحياءِ السنةِ، ومَن تركَ الحرامِ إلى إتيانِ الحلالِ، ومِن الباطلِ إلى الحقِّ، ومِن الشرِّ إلى الخيرِ، ومِن المعصيةِ إلى الطاعةِ، ومِن تركِ الذنبِ إلى التوبةِ…. فمَن فاتَهُ ثوابُ الهجرةِ إلى اللهِ ورسولهِ زمنَ النبوةِ فقد شرعَ اللهُ لهُ هجرةً مِن نوعٍ آخر فيها ثوابٌ عظيمٌ وأجرٌ جزيلٌ إنَّها هجرةُ الذنوبِ والمعاصي ، فاهجرْ المعصيةَ وهاجرْ إلى الطاعةِ واهجرْ التفريطَ وهاجرْ إلى الاستقامةِ، واهجرْ التمردَ والآثامَ إلى الانقيادِ والاستسلامِ، وهاجرْ بقلبِكَ مِن الركونِ إلى الدنيا والاطمئنانِ إليها إلى الدارِ الآخرةِ والرغبةِ فيها ، واهجرْ الكسلَ وطولَ الأملِ إلى الجدِّ والاجتهادِ في طاعةِ اللهِ وخاصةً في هذه الأيامِ التي كثرتْ فيها الفتنُ والمحنُ ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلم: ” العبادةُ في الهَرْجِ ــ أي زمنِ الفتنِ ــ كهجرةٍ إليّ” . رواه مسلم ..فلماذا لم تهاجرْ؟!فالهجرةُ معنيًا حيًّا متجددًا أمرنَا بها المصطفَي صلَّى اللهُ عليه وسلم كما في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ “وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ” رواه البخاري فهيَّا بنَا نهجرُ الذنوبَ والمعاصي، نهجرُ الشهواتِ نهجرُ الحقدَ والبغضاءَ والحسدَ، لنهاجرْ إلى الألفةِ والمحبةِ والتعاونِ والمؤاخاةِ، وإلى صلةِ الأرحامِ، وغيرِ ذلك مِن الأعمالِ الصالحةِ بهذا تكونُ هجرتَ إلى اللهٍ ورسولهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم، فالمهاجرُ مَن هجرَ عمَّا نهَي اللهُ عنه . ..فمتى تهاجرُ إنْ لم تهاجرْ الآن؟! متى تتركُ المعصيةَ إنْ لم تتركْهَا الآن؟! متى سيرقُ قلبُكَ إنْ لم يرق قلبُكَ الآن؟! متى ستدمعُ عينيكَ إنْ لم تدمعْ الآن؟! فعُدْ إلى ربِّكَ –جلَّ وعلا- .ولنعلمْ جميعًا أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم لم يقمْ دولةَ الإسلامِ في المدينةِ المنورةِ إلَّا بعدَ أنْ أقامَها في صدورِ الرجالِ .
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
عبادَ اللهِ : اذكرُوا اللهَ يذكرْكُم واستغفرُوه يغفرْ لكم وأقمْ الصلاةَ.
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف