خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 7 ربيع الأول 1445هـ ، الموافق 22 سبتمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023م بصيغة word بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه .
أولًا: هديُ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ.
ثانيــــًا: هكذا كان إجلالُ وتقديرُ الصحابةِ للنبيِّ ﷺ.
ثالثــــًا وأخيرًا: كيف تقتدِي بهِ ﷺ في معاملتِهِ لأصحابِهِ؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 سبتمبر 2023م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه : كما يلي:
حالُ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ للدكتور محمد حرز
7 ربيع الأول 1445هـ الموافق 22 سبتمبر 2023م
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعلَ لنَا مِنَ الأنبيَاءِ والصَّالحِينَ قُدوَةً وَمَثَلًا، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وأشهدُ أنّ سيّدَنَا وحبيبَنَا وعظيمَنَا وقائدَنَا وقُرَّةَ أعيُنِنَا مُحمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ القائلُ كما في حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال، قال النَّبِيُّ ﷺ لا تَسُبُّوا أصْحابِي، لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فَو الذي نَفْسِي بيَدِهِ لو أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ.» رواه مسلم، فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ.. فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102) عبادَ الله) : حالُ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء:
أولًا: هديُ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ.
ثانيــــًا: هكذا كان إجلالُ وتقديرُ الصحابةِ للنبيِّ ﷺ.
ثالثــــًا وأخيرًا: كيف تقتدِي بهِ ﷺ في معاملتِهِ لأصحابِهِ؟
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن حالِ النبيِّ المختارِ ﷺ مع أصحابِهِ، وخاصةً وما زلنَا في الحديثِ عن سيدِ الخلقِ وحبيبِ الحقِّ ﷺ، والحديثُ عنه شيقٌ وجميلٌ لا حدَّ لمنتهاه، وما أجملَ أنْ يكونَ الحديثُ عن رسولِ اللهِ، وما أحلَى أنْ يكونَ الحديثُ عنهُ وكيف لا؟ وهو إمامُ الأنبياءِ وإمامُ الأتقياءِ وإمامُ الأصفياءِ وخاتمُ النبيين وسيدُ المرسلين وقائدُ الغرِّ المحجلين، وصاحبُ الشفاعةِ العظمَى يومَ الدين، وكيف لا؟ وهو قدوتُنَا وأسوتُنَا ومعلمُنَا ومرشدُنَا وحبيبُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ، وخاصةٌ ومُحَمَّدٌ ﷺ تَحِنُّ إِلَيْهِ القُلُوبُ … ومحمَّدٌ ﷺ تَطِيبُ بِهِ النُّفُوسُ.. ومحمَّدٌ ﷺ تَقَرُّ بِهِ العُيُونُ … محمَّدٌ ﷺ دُمُوعُ العاشِقِينَ تَسِيلُ لِذِكْرِهِ … وكَيْفَ لا؟ … كَيْفَ لا تَشْتاقُ إِلى مَنْ بَكَى الجَمَلُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وشَكَى إِلَيْهِ ثِقَلَ أَحْمالِهِ ؟!!… كَيْفَ لا تَشْتاقُ إِلى مَنْ حَنَّ الجِذْعُ اليابِسُ لِفِراقِه؟!!، وخاصةً ونحن في حاجةٍ إلى أنْ نتعلمَ مِن النبيِّ ﷺ كيفيةَ الصحبةِ، وخاصةً وأصحابُ اليومِ ليسوا كأصحابِ مُحمدٍ ﷺ، وخاصة وأصحابُ اليومِ تجدُهُم عندَ الرخاءِ كُثر، وعندَ الشدةِ لا تراهُم، إلّا ما رحمَ اللهُ جلَّ وعلا ، وخاصةً والشدائدُ تبيّنُ معادنَ الرجالِ:فمِن السهلِ أنْ يجدَ الإنسانُ أصدقاءَ كثيرين عندَ الرخاءِ، لكن عندمَا تشتدُّ الأزمةُ، وتضيقُ حلقاتُهَا، لا يبقَى إلَّا المخلصُ الصدوقُ، فكان أبوبكرٍ- رضي اللهُ عنه- وصدقَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ- رضي اللهُ عنه:
فَمَا أَكْثرَ الأَصْحَابَ حِينَ تَعُدُّهُمْ *** ولَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَاتِ قَلِيلُ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (ﷺ) مع أصحابه
أولًا: هديُ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ.
أيُّها السادة: لقد جعلَ اللهُ تعالى نبيَّهُ مُحمدًا ﷺ أسوةً حسنةً لنَا، فأدَّبَهُ وأحسنَ تأديبَهُ، وعلّمَهُ فأحسنَ تعليمَهُ حتى كان القدوةَ والمثلَ الأعلَى، فهو المعلِّمُ الصبورُ الشفيقُ، والزوجُ الرفيقُ، والأبُ الحنون، والمربِّي الناصحُ الأمينُ، والصديقُ الصدوقُ الذي يتسعُ صدرُهُ للجميعِ، ويحرصُ على تعليمِ كلِّ شخصٍ مِن رعيتِهِ بالليلِ والنهارِ، لا يصدُّهُ في ذلك مللٌ، ولا يوقفُهُ إرهاقٌ، ولا يصرفُهُ كثرةُ الأخطاءِ أو تكررهَا، ولا يَثنيهِ طولُ السنين عن مواصلةِ المسيرِ، بأبِي هو وأمِّي ﷺ، ومِنْ نِعَمِ اللهِ على الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ أيُّها الأخيارُ نعمةُ الحُبِّ في اللهِ، التي بها توثَّقتْ العَلاقةُ بينَ المسلمين منذُ بدايةِ الدعوةِ، فبعدما كانوا في جاهليتِهِم متباغضين متقاتلين، انقلبُوا بفضلٍ مِن اللهِ إلى إخوةٍ متحابِّين، قال جلَّ وعلا في شأنِهِم: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، ثم جعلَ اللهُ الأُخُوَّةَ الصادقةَ دليلًا على إيمانِ العبدِ بربِّهِ، فقالَ جلَّ وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].كما مدحَ نبيُّنَا ﷺ المتحابِّين في اللهِ، وكشفَ عن عظيمِ ثمارِ هذا الحبِّ في الآخرةِ، فقالَ ﷺ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ..” فذكر منهم: “… رَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ…” كما ذمَّ رسولُ اللهِ ﷺ التناحرَ والتخاصمَ بينَ الأصحابِ، فقالَ ﷺ: “لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ”، فكانت الأخوةُ والصداقةُ بينَ النبيِّ ﷺ وأصحابهِ صداقةً وأخوةً لا مثيلَ لهَا على مرِّ العصورِ والأجيالِ …. وكيف لا؟ واللهُ جلَّ وعلا وصفَهُ بقولِهِ: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة (128) وكيف لا؟ ولقد صفَ اللهُ تعالى نبيَّهُ ﷺ بلينِ الجانبِ لأصحابهِ، فقالَ جلَّ وعلا: ((فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ ) [آل عمران: 159) فقد كان رسولُ اللهِ ﷺ نِعْمَ الصاحبُ لأصحابِه، يقفُ معهُم في أفراحِهِم وأتراحِهِم، وفي قوَّتِهِم وضعفِهِم، فلم يتميَّزْ عنهُم بمزيَّةٍ، بل كان كواحدٍ منهم في المأكلِ والمشربِ والملبسِ، وهو ما جعلَ كثيرٌ مِن المشركين يتعجَّبون لهذه الرابطةِ القويَّةِ التي جمعتْهُ بأصحابِهِ، فقال أبو سفيانَ بنُ حربٍ قبلَ إسلامِه: “ما رأيتُ مِن الناسِ أحدًا يحبُّ أحدًا كحُبِّ أصحابِ مُحمدٍ مُحمدًا!! وكان مِن هديهِ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّه يخصُّ كلَّ صحابي بحبٍّ خاصٍّ وباسمٍ مشهورٍ يختلفُ عن باقِي أصحابِه، حيثُ نجدهُ ﷺ يصفُ أصحابَهُ بصفاتٍ تُعَزِّزُ مِن الألفةِ والتقاربِ والمحبةِ بينَهُ وبينَهُم، فيصفُ الزُّبيرَ بنَ العوامِ بأنَّهُ حواريه، فقال ﷺ: الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيِّي مِنْ أُمَّتِي» (رواه أحمد، ويصفُ أبا بكرٍ وعمرَ بأنّهمَا وزيرَاهُ فقال ﷺ: «وَأَمَّا وَزِيرَاي مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» (رواه الترمذي), ويصفُ حذيفةَ بنَ اليمانِ بأنَّهُ كاتمُ سرِّهِ، ويصفُ أبا عبيدةَ عامرَ بنَ الجرَّاحِ بأنَّهُ أمينُ هذه الأُمَّةِ. «وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بِنُ الجَرَّاحِ» (رواه البخاري، وكان ﷺ يثنِي على أصحابِه إظهارًا لفضلِهِم وعلوِّ قدرِهِم ،فعن أنسِ بنِ مالكٍ – رضي اللهُ عنه ـ قال : قال رسولُ اللهِ ﷺ: أرْأَفُ أمتي بأمتِي أبو بكرٍ ، وأشدُّهم في دينِ اللهِ عمرَ ، وأصدقُهُم حياءً عثمانُ ، وأقضاهُم عليٌّ ، وأفرضُهم زيدُ بنُ ثابتٍ ، وأقرؤهُم أُبَيُّ ، وأعلمُهُم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ ، ألَا وإنَّ لكلِّ أمةٍ أمينًا ، وأمينُ هذه الأمةِ أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ)(الترمذي).
وكان مِن هديِهِ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّهُ ﷺ يقضِي حوائجَهُم، ويتواضعُ معَهُم، ويجيبُ دعوتَهُم، ويزورُ مرضاهُم، ويشهدُ جنائزَهُم، ويدعُو لهُم ولأبنائِهِم، ويشفقُ عليهم، ويشعرُ بآلامِهِم، فعن عبدِ اللهِ بنِ أبِي أوفَى ـ رضي اللهُ عنهُ ـ في وصفهِ للنبيِّ ﷺ قال (لا يأنفُ أنْ يمشيَ مع الأرملةِ والمسكينِ فيقضي له الحاجةَ) رواه النسائي. وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي ضُعَفَاءَ المُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ». الحاكم). وعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وصحبِهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ الأَنْصَارَ، فَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِم، وَيَمْسَحُ بِرِؤوسِهِمْ وَيَدْعُو لَهُمْ.) (النسائي).
ومِن هديهِ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّهُ كان رفيقًا بهم صابرًا على تعليمِهِم وعلى جفاءِ بعضِ مَن اعتادَ على شيءٍ مِن ذلك.عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ” كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ” متفق عليه، وعن أبي هُرَيْرَةَ : ” أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ” رواه البخاري، وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: ” بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي! مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ! مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآن … ” رواه مسلم.
ومِن هديهِ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّه كان يشاركُهُم في أزماتِهِم ومصائبِهِم مشاركةً فعَّالةً، وكان جابرًا لخواطرِ الناسِ، فالكلُّ يأوِي إليهِ ويسعَى لديهِ ويستجيرُ به، وكيف لا؟ وهو الذي قال يومًا لخديجةَ رضى اللهُ عنها عندما عادَ مِن غارِ حراءٍ: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ، واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَداً، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ(، ويجبرُ خاطرَ أحدِ أصحابِهِ لمَّا وجدَهُ حزينًا ومتألمًا على فقدِ أبيهِ، وقد تركَ ديونًا أثقلتْهُ، ففي سننِ الترمذِي بسندٍ حسنٍ ( أنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِي « يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً،. فانظرْ كيف جبرَ الرسولُ ﷺ خاطرَهُ، وأزاحَ عنه الهمَّ بهذهِ الكلمات؟! فها هو ذا يبشِّرُ عبدَ اللهِ بنَ جحشٍ عندما شكا له أنَّ أبَا سفيانَ قد أخذَ دَارَهُم في مكةَ بعدَ الهجرةِ وباعَهَا، فقالَ لهُ: “أَلا تَرضَى يَا عَبْدَ اللهِ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ بِهَا دَارًا خَيرًا مِنْهَا فِي الجنَّة؟” قال: بلى. قال: “فَذَلِكَ لَكَ)
ومِن هديهِ ﷺ مع أصحابهِ: أنَّه كان ﷺ يتفقدُ أصحابَهُ ويسألُ عنهُم، حتى أنّه لمّا خرجَ إلى عزوةِ تبوكٍ كان معه (30) ألفًا مِن أصحابهِ فتفقدَهُم فافتقدَ أبَا ذرٍّ الغفارِي فسألَ عنه فقالوا: تخلّفَ، فقالَ: «إنْ يكنْ خيرًا يأتِ به اللهُ»، ونظرَ ناظرٌ مِن المسلمين فقال: يا رسولَ اللهِ هذا رجلٌ يمشِى على الطريقِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «كنْ أبَا ذر»، فلما تأملَهُ القومُ قالوا: “يا رسولَ اللهِ.. هو واللهِ أبو ذر: فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «رحمَ اللهُ أبَا ذرٍّ يمشِى وحدَهُ ويموتُ وحدَهُ ويُبعثُ وحدَهُ)).
ومِن هديهِ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّه كان ﷺ يتلطَّفُ في تعليمِهِم بطرقٍ متنوعةٍ: فأحيانًا يأخذُ بأيدِيهِم، قال معاذٌ رضي اللَّهُ عنه: «أَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ، قُلْتُ: وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاتِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» (رواه البخاري في الأدب المفرد).وأحيانًا يضعُ كفَّ أحدِهِم بينَ كفَّيْهِ، قال ابنُ مسعودٍ رضي اللَّهُ عنه: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ – وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ – التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ» (متفق عليه).وأحيانًا يأخذُ بمَنْكِبِ أحدِهِم، قال عبدُ اللَّه بنُ عمرَ رضي اللَّهُ عنهما: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (رواه البخاري.ولرأفتِهِ في التعليمِ كانوا يأتونَ إليهِ ويقولونَ لهُ: «عَلِّمْنَا»، قال ابنُ مسعودٍ رضي اللَّهِ عنه: «يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا القَوْلِ – أَيْ: مِنَ القُرْآنِ -، قَالَ: فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ» (رواه أحمد)، فكان أحدَ قراءِ هذه الأمةِ. وكان يصبرُ على تعليمِهِم، قال جَابرٌ رضي اللَّهُ عنه: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ» (رواه البخاري). وكان يأكلُ معهم، ويعلِّمُهُم آدابَ الطَّعامِ، قال عمرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ رضي اللَّه عنهما: «كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ – أَيْ: فِي حَضَانَتِهِ -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ – أَيْ: تَتَحَرَّكُ وَتَمْتَدُّ إِلَى نَوَاحِيهَا -، فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (متفق عليه.
ومِن هديهِ ﷺ مع أصحابهِ: أنَّهُ كان ﷺ يُظهرُ محبَّتَهُ لصِغارِ أصحابهِ وشبابِهِم، ويُخاطبُهُم بذلك ليُبَيِّنَ لهم ولغيرِهِم منزلَتَهُم عنده، قال عن زيدِ بنِ حارثةَ رضي اللَّه عنه: «إِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا – أَيِ: ابْنَهُ أُسَامَةَ – لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ)) (متفق عليه)، ورأى صبيانَ الأنصارِ ونساءَهُم مقبِلينَ فقال: «اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ (متفق عليه، وكان يدعُو لصِغارِ الصحابةِ بخيرَيِ الدُّنيا والآخرةِ محبةً لهم وإكرامًا، قال ابنُ عباسٍ رضي اللَّهُ عنهما: «ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ» (رواه البخاري)، ودعا لأنسٍ رضي اللَّهُ عنه بقولِهِ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ (متفق عليه.
ومِن هديهِ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّهُ كان ﷺ يُكثِرُ مِن مُشاورةِ أصحابهِ في قضايا الحروبِ والسِّلْمِ، رغمَ أنَّهُ ﷺ لم يكنْ يحتاجُ لرأيهِم؛ لأنَّهُ ﷺ كان مُؤيدًا بالوحيِ مِن عندِ اللهِ تعالى، لكنَّهُ كان يستشيرُ أصحابَهُ؛ ليعلمَهُم الشورَى في حياتِهِم، حتَّى قال أبو هريرةَ – رضي اللهُ عنه -: ما رأيتُ أحدًا أكثرَ مُشاورةً لأصحابِهِ مِن رسولِ اللهِ ﷺ (صحيح ابن حبان).
ومِن هديهِ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّه كان يعلمُ أصحابَهُ أنْ يحترمَ بعضُهُم بعضًا، وأنَّ مِن الصحبةِ أنْ لا يستهزئَ أحدٌ بصاحبِهِ، بل يحبّهُ ويقدرهُ ويحترمهُ، ويظهرُ ذلك أمامَ الجميعِ، حبًّا لصاحبِه. فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنْ الْأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتْ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّ تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ.) رواه أحمد.
ومِن هديهٍ ﷺ مع أصحابِهِ: أنَّه كان يمازحُ أصحابَهُ فهذه عجوزٌ جاءتْ تطلبُ منهُ الدعاءَ بالجنةِ، فقد روي (أنَّ امرأةً عجوزًا جاءتْهُ تقولُ لَهُ: يا رسولَ اللهِ، ادع اللهَ لي أنْ يدْخِلَني الجنةَ، فقال لَها: يا أمَّ فلانٍ، إِنَّ الجنَّةَ لا يدخلُها عجوزٌ، وانزعجَتِ المرأةُ وبكَتْ ظنًّا منها أنها لن تدخلَ الجنةَ، فلما رأى ذلِكَ منها؛ بيَّنَ لها غرضَهُ أنَّ العجوزَ لَنْ تدخُلَ الجنَّةَ عجوزًا، بل يُنشِئُها اللهُ خلقًا آخرَ، فتدخلُها شابَّةً بكرًا، وتَلَا عليها قولَ اللهِ تعالى: (إِنَّا أَنشَأْناهُنَّ إِنشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أبْكًارًا)). وهذا مزاحُه مع أخيِ أنسِ بنِ مالكٍ -رضي اللهُ عنه- بسؤالهِ عن الطائرِ الصغيرِ، فقد جاءَ عن أنسٍ أنّهُ قال: (كان لي أخٌ صغيرٌ، وكان له نُغَرٌ يَلعَبُ به، فمات، فدخَلَ النَّبيُّ ﷺ ذاتَ يَومٍ فرآهُ حزينًا، فقال: ما شأنُ أبي عُمَيرٍ حزينًا؟ فقالوا: مات نُغَرُه الذي كان يَلعَبُ به يا رسولَ اللهِ، فقال: يا أبا عُمَيْر، ما فَعَلَ النُّغَيْر؟ أبا عُمَيْر، ما فَعَلَ النُّغَيْر؟)
هـذا الـحبيـبُ الذي في مدحِهِ شرفِي *** وذكُرُهُ طيبٌ في مسمعِـي وفـمِـي
هذا أبو القـاسـمِ المـخـتـارُ مِن مُضَر ** هــذا أجـــلُّ عـبـــادِ اللـهِ كـلِّــهِـــمِ
هذا هو المصطفَى أزكَى الورَى خلقًا ** سبحانَ مَن خصَّهُ بالفضلِ والكرمِ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (ﷺ) مع أصحابه
ثانيــــًا: هكذا كان إجلالُ وتقديرُ الصحابةِ للنبيِّ ﷺ.
أيُّها السادة: لقد بلغَ حبُّ النبيِّ مُحمدٍ ﷺ في قلوبِ أصحابِهِ مبلغَهُ، حتى بلغَ حبُّهُ في قلوبهِم أعظمَ مِن حبِّهِم لأنفسِهِم وأولادِهِم والناسِ أجمعين، لذا ضحُّوا بأموالِهِم وأنفسِهِم في سبيلِ الدفاعِ عنه، ونشرِ دعوتِه ورسالتِه ، لقد أحبوهُ، لأنَّهُم يعلمُون أنَّه كان سببًا في هدايتِهِم ،وإخراجِهِم مِن الظلماتِ إلى النورِ، ومِن الضلالةِ إلى الهدى ،ومِن الشقوةِ إلى السعادةِ، ومِن الكفرِ إلى الإيمانِ، يقولُ ابنُ رجبٍ رحمَهُ اللهُ في لطائفِهِ ( لولا رسالةُ مُحمدٍ ﷺ لكان أهلُ العراقِ مجوسًا يعبدون النارَ ،ولكان أهلُ الشامِ و مصرَ نصارَى يعبدونَ عيسى، ولكان أهلُ جزيرةِ العربِ كفارًا يعبدونَ الأصنامَ ، فسيدنا مُحمدٌ ﷺ هو الذي كان سببًا في نجاتِنَا مِن النارِ، وكان سببًا في سجودِنَا للملكِ الديانِ، كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الانبياء 107 يتقدمُهُم أبو بكرٍ الصديق -رضي اللهُ عنه- والذي جاوزَ الخلائقَ أجمعين في محبتهِ لرسولِ ربِّ العالمين- عليه الصلاةُ والسلامُ-، فإنَّهُ لمَّا أذنَ اللهُ لرسولِهِ -عليه الصلاةُ والسلامُ- بالهجرةِ جاء إلى أبي بكرٍ، فقال: “إنَّ اللهَ قد أذنَ لي بالخروجِ والهجرةِ”، فقال أبو بكرٍ: “الصحبةَ يا رسولَ اللهِ”، قال: “الصحبةَ”. قالت عائشةُ- رضي اللهُ عنها-: “واللهِ ما شعرتُ أنَّ أحدًا يبكِي مِن الفرحِ، حتى رأيتُ أبا بكرٍ يبكِي يومئذٍ بكى فرحًا بصحبتهِ لرسولِ اللهِ ﷺ، مِن عظيمِ حبِّهِ لرسولِ اللهِ -عليه الصلاةُ والسلامُ-. (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ) التوبة:40. و أمَّا عمرُ فقد طاشَ عقلُهُ، ولم يصدقْ أنّ حبيبَهُ ماتَ، وكيف يعيشُ بعدَهُ، وهل للحياةِ طعمٌ دونَهُ؟ فما كان منهُ إلَّا أنْ سلَّ سيفَ الحبِّ لرسولِ اللهِ ﷺ وهو يقولُ: “مَن قالَ إنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قد ماتَ ضربتُ عنقَهُ بسيفِي هذا، إنَّما ذهبَ ليكلمَ ربَّهُ كما كلمَهُ موسَى وسيعودُ، حتى قرأَ الصديقُ -رضي اللهُ عنه- قولَ اللهِ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144] . فأيقنَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ ماتَ، عندهَا رمَى السيفَ وخرَّ على وجهِهِ يبكِي عندَ منبرِ حبيبهِ -عليه الصلاةُ والسلامُ-. وفي غزوةِ أحدٍ بعدَ أنْ خالفَ الرماةُ أمرَ رسولِ اللهِ ﷺ، وانقلبتْ الكفةُ لصالحِ قريشٍ وشيعَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قد قُتِلَ، فمرَّ أنسُ بنُ النضرِ برجالٍ قد ألقُوا سلاحَهُم، فقال: “ما تنتظرون؟” قالوا: “قُتِلَ رسولُ الله ﷺ “فقال: “ما تصنعون بالحياةِ بعدَهُ؟ قومُوا فموتُوا على ما ماتَ عليه رسولُ اللهِ ﷺ-“.
وأمَّا سعدُ بنُ الربيعِ فلم ينسَ حبيبَهُ ﷺ، وهو يودعُ الحياةَ، فقد بعثَ النبيُّ ﷺ بعدَ المعركةِ زيدَ بنَ ثابتٍ يطلبُ سعدَ بنَ الربيعِ، وقال له: “إن رأيتُه فأقرئهُ منِّي السلامَ، وقلْ له: يقولُ لك رسولُ اللهِ ﷺ: كيف تجدهُ؟” قال زيدٌ: فجعلتُ أطوفُ بينَ القتلى، فأتيتُه وهو بآخرِ رمقٍ، فقلتُ: “يا سعدُ إنّ رسولَ اللهِ ﷺ يقرأُ عليكَ السلامَ، ويقولُ لك: كيف تجدهُ؟” فقال: “وعلى رسولِ اللهِ ﷺ السلام، قل له: يا رسولَ اللهِ أجدهُ ريحَ الجنةِ، وقلْ له: جزاكَ اللهُ خيرَ ما جزَى نبيًّا عن أمتهِ، وبلغْ قومِي السلامَ، وقلْ لهُم: لا عذرَ لكُم عندَ اللهِ إنْ خلصَ إلى رسولِ اللهِ ﷺ وفيكم عينٌ تطرفُ”. ومِن أعجب ما جادَ به الصحابةُ مِن حبٍّ لرسولِ اللهِ ﷺ أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقال: “يا رسولَ اللهِ، إنَّك لأحبُّ إليّ مِن نفسِي ومِن أهلِي ومِن ولدِي، وإنّي لأكونُ في البيتِ فأذكرُكَ فمَا أصبرُ حتى آتيك؛ فأنظرُ إليك، وإذا ذكرتُ موتِي وموتَكَ عرفتُ أنّك إذا دخلتَ الجنةَ رفعتَ مع النبيين، وأنِّي إذا دخلتُ الجنةَ خشيتُ ألّا أراكَ”، فلم يردْ رسولُ اللهِ ﷺ شيئًا، حتى نزلَ جبريلُ بهذه الآيةِ: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء:69، هكذا كان الصحابةُ والصحابياتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ، في حبِّهم وتضحيتِهِم وطاعتِهِم للهِ ولرسولِهِ، يتقربونَ إلى اللهِ تعالى بهذا الحبِّ، وهذه الطاعة، وكان أحدُهُم إذا اقتربَ أجلُهُ يقولُ: “غدًا ألقى الأحبةَ: مُحمدًا وحزبَه”، بل إنّ بعضَهُم لم يتنعمْ بالدنيا كما يتنعمُ بها غيرُه؛ لأنَّه يقولُ: “تركتُ النبيَّ على عهدٍ، وأحبُّ أنْ ألقاهُ كما تركتُه”.هكذا كان حبُّ الصحابةِ الأخيارِ لنبيِّ الإسلامِ ﷺ فأين نحن مِن حبِّنَا لنبيِّنَا ﷺ ؟وأين نحن مِن هديهِ مع أصحابهِ ؟ أين نحن مِن أخلاقِهِ ﷺ ؟
وأَحسنُ مِنكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً مِنْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا به، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ … وبعد
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (ﷺ) مع أصحابه
ثالثــــًا وأخيرًا: كيف تقتدِي بهِ ﷺ في معاملتِهِ لأصحابِهِ؟
أيُّها السادة: نبيُّنَا ﷺ هو قدوتُنَا وهو أسوتُنَا ومرشدُنَا وهو معلمُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ الأحزاب: 21 ،الذي ينبغي علينا نقتدِي به في معاملتِهِ لأصحابهِ وأنْ نتخلقِ بأخلاقهِ ونتأسَّيِ بسنتِه ونسيرَ على نهجِه واتباعِه فيمَا أمرَ واجتنابِه فيمَا نهَى وزجر، قالَ جلَّ وعلا { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة آل عمران: 31) وها هو الحبيبُ المحبوبُ ﷺ يبيّنُ لنَا أنَّ أفضلَ الأصدقاءِ عندَ اللهِ أفضلُهُم لصاحبهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو بنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِه)) كيف تقتدِي بهِ ﷺ؟: شَارِكْ صديقَكَ في السراءِ والضراءِ وواسهِ وكنْ وفيًّا لهُ مقتديًا في ذلك بالنبيِّ ﷺ … أَخْلِصِ النُّصْحَ لصديقِكَ واحرصْ على مصلحتِهِ ونصحِهِ كما قالَ النبيُّ ﷺ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه.. أَحْسِنِ اختيارَ أصدقائِكَ، فالمرءُ مرآةٌ لصاحبهِ.. والصاحبُ ساحبٌ، والصديقُ قبلَ الطريقِ، كما قالَ نبيُّنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ وَقَالَ مُؤَمَّلٌ مَنْ يُخَالِل)(أخرجه أبو داود)، فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى القرآنِ؟ وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى الغناءِ؟ فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى الصلاةِ؟ وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى التدخينِ؟ وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) ) (سورة الفرقان )، فمِن الناسِ مفاتحٌ للخيرِ مغاليقٌ للشرِّ كما قال نبيُّنَا ﷺ ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي مُوسي ـ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ـ قال: قال النبيُّ المختارُ (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) وللهِ درُّ القائلِ
عَنِ المَرءِ لا تَسأَلْ وَسَلْ عَن قَرينِهِ * * فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي
شَاوِرْ أصدقاءَكَ فيما يجمعُكُم، ولا تنفردْ برأيكَ دونَهُم، فكان النبيُّ ﷺ يشاورُ أصحابَهٌ.. كن هَيِّنًا ليِّنًا ولا تتعالَ على أصدقائِكَ وتتفاخرْ عليهم، أو تزدريهِم وتسخرْ منهم.. تخَلَّقْ بأخلاقِ الإسلامِ تكنْ مقتديًا بهِ ﷺ وتكنْ خيرَ الأصدقاءِ .لتسعدَ في الدنيا والأخرةِ.
فمَن يدعِي حبَّ النبيِّ ولم يفدْ*** مِن هديهِ فسفاهةٌ وهراءُ
فالحبُّ أولُ شرطهِ وفروضهِ ***إنْ كانَ صادقًا طاعةٌ ووفاءُ
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف