خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 23 صفر 1445هـ ، الموافق 8 سبتمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 8 سبتمبر 2023م بصيغة word بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 8 سبتمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 8 سبتمبر 2023م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه.
أولًا: مقدمةٌ لابُدَّ منها أيُّها الأخيارُ!!
ثانيــــًا: حالُ النبيِّ المختارِ ﷺ مع ربِّهِ جلَّ جلالُه.
ثالثــــًا وأخيرًا: أينَ نحنُ مِن رسولِ اللهِ ﷺ ؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 8 سبتمبر 2023م بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة : حالُ النبيِّ ﷺ مع ربِّهِ ، للدكتور محمد حرز
بتاريخ 23 صفر بتاريخ 1445هـ، الموافق، 8 ستبمر2023م
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعلَ لنَا مِنَ الأنبيَاءِ والصَّالحِينَ قُدوَةً وَمَثَلاً، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا مُحمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ القائلُ كما في صحيحِ البخاريِ ومسلمٍ مِنْ حديثِ أَبِي هريرةَ رضى اللهُ عنهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: )فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بسِتٍّ: أُعطيتُ جوامعَ الكلِمِ ونُصِرْتُ بالرُّعبِ وأُحِلَّتْ لي الغنائمُ وجُعِلت لي الأرضُ طَهورًا ومسجدًا وأُرسِلْتُ إلى الخَلقِ كافَّةً وخُتِم بي النَّبيُّونَ)فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
سعدَتْ ببعثةِ أحمدَ الأزمـانُ *** وتعطـرَتْ بعبيرِهِ الأكـــــــوانُ
والشركُ أنذرَ بالنهايةِ عندمـا *** جاءَ البشيرُ وأشرقَ الإيمانُ
يا سيدَ العقلاءِ يا خيرَ الورَى*** يا مَن أتيتَ الى الحياةِ مُبشرًا
وبُعثتَ بالقرآنِ فينَا هاديًّا ***وطلعتَ في الأكوانِ بدرًا نيرًا
واللهِ ما خلقَ الإلهُ ولا برَى ***بشرًا يُرى كمُحمدٍ بينَ الورَى
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102) عبادَ الله)) : حالُ النبيِّ ﷺ مع ربِّهِ ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء:
أولًا: مقدمةٌ لابُدَّ منها أيُّها الأخيارُ!!
ثانيــــًا: حالُ النبيِّ المختارِ ﷺ مع ربِّهِ جلَّ جلالُه.
ثالثــــًا وأخيرًا: أينَ نحنُ مِن رسولِ اللهِ ﷺ ؟
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنا عن حالِ النبيِّ المختارِ مع ربِّهِ، وهو القدوةُ الحسنةُ والمثلُ الأعلى، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا فَقَدَ فيهِ شبابُنَا وأبناؤُنَا القدوةَ والمثلَ الأعلى في كلِّ ميادينِ الحياةِ، فبحثُوا عن القدوةِ في التافهينَ والتافهاتِ والساقطينَ والساقطاتِ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، وما أجملَ أنْ يكونَ الحديثُ عن رسولِ اللهِ، وما أحلَى أنْ يكونَ الحديثُ عنه وكيف لا؟ وهو إمامُ الأنبياءِ وإمامُ الأتقياءِ وإمامُ الأصفياءِ وخاتمُ النبيين وسيدُ المرسلين وقائدُ الغرِّ المحجلين ،وصاحبُ الشفاعةِ العظمَى يومَ الدين، وكيف لا؟ وهو قدوتُنَا وأسوتُنَا ومعلمُنَا ومرشدُنَا وحبيبُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ، وخاصةٌ ومُحَمَّدٌ ﷺ تَحِنُّ إِلَيْهِ القُلُوبُ … ومحمَّدٌ ﷺ تَطِيبُ بِهِ النُّفُوسُ.. ومحمَّدٌ ﷺ تَقَرُّ بِهِ العُيُونُ … محمَّدٌ ﷺ دُمُوعُ العاشِقِينَ تَسِيلُ لِذِكْرِهِ … وكَيْفَ لا؟ … كَيْفَ لا تَشْتاقُ إِلى مَنْ بَكَى الجَمَلُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وشَكَى إِلَيْهِ ثِقَلَ أَحْمالِهِ ؟!!… كَيْفَ لا تَشْتاقُ إِلى مَنْ حَنَّ الجِذْعُ اليابِسُ لِفِراقِه؟!!، وخاصةً والحديثُ عن رسولِ اللهِ ﷺ حديثٌ جميلٌ رقيقٌ رقراقٌ طويلٌ لا حدَّ لمنتهاهُ، بحرٌ لا ساحلَ لهُ وكيف لا؟
مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ***مُحَمَّدٌ خَيْرٌ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
مُحَمَّدٌ باسِطُ المَعْرُوفِ جَامِعَةً***مُحَمَّدٌ صاحِبُ الإِحْسانِ والكَرَمِ
مُحَمَّدٌ تاجُ رُسْلِ اللهِ قاطِبَةً***مُحَمَّدٌ صادِقُ الأٌقْوَالِ والكَلِمِ
مُحَمَّدٌ ثابِتُ المِيثاقِ حافِظُهُ***مُحَمَّدٌ طيِّبُ الأخْلاقِ والشِّيَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ***مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ اللهِ كُلِّهِمِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه
أولًا: مقدمةٌ لابُدَّ منهَا أيُّهَا الأخيارُ.
أيُّها السادةُ : مِن سننِ اللهِ في الكونِ أنّ الضياءَ يأتِي بعدَ الظلامِ، وأنّ الفرجَ يأتِي بعدَ الضيقِ، وأنّ اليسرَ يأتِي بعدَ العُسرِ فكان ميلادُ النبيِّ العدنانِ ﷺ ميلادُ أمةٍ . والقلوبُ يا سادةٌ تتعلقُ بالجمالِ كأمرٍ فطريٍ جبليٍ، فكيف بمَن جمعَ اللهُ له الجمالَ والكمالَ خَلقًا وخُلقًا؟ لذا جعلَ اللهُ تعالى نبيَّهُ مُحمدًا ﷺ أسوةً حسنةً لنا، فالذي أدَّبَهُ وأحسنَ تأديبَه هو اللهُ جلَّ وعلا، والذي علمَهُ فأحسنَ تعليمَهُ هو اللهُ جلَّ وعلا.
فهو الأسوةُ الحسنةُ والقدوةُ الطيبةُ والمصطفَى المجتبَى مِن بين العالمين، شرحَ اللهُ لهُ صدرَهُ، ورفعَ اللهُ لهُ قدرَهُ، وأعلَى اللهُ لهُ ذكرَهُ، وطهرَهُ ورفعَهُ وكرّمَهُ على جميعِ العالمين، زكَّاهُ ربُّه في كلِّ شيءٍ: زكَّاهُ في عقلِهِ فقالَ جلَّ وعلا: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [النجم:2]، وزكَّاهُ في بصرِهِ فقالَ جلَّ وعلا: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النجم:17] ، وزكَّاهُ في صدرِهِ فقالَ جلَّ وعلا: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح:1] ، وزكَّاهُ في ذكرِهِ فقالَ جلَّ وعلا: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح:4] ، وزكَّاهُ في طهرِهِ فقالَ جلَّ وعلا: { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [الشرح:2]، وزكَّاهُ في صدقِهِ فقالَ جلَّ وعلا: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } [النجم:3] ، وزكَّاهُ في علمهِ فقالَ جلَّ وعلا: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم:5] ، وزكَّاهُ في حلمِهِ فقالَ جلَّ وعلا: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة:128] ، وزكَّاهُ في خُلقِهِ كلِّهِ فقالَ جلَّ وعلا: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4] صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلّمْ، اللهُ أكبرُ!
ومِمَّا زادنِي شرفًا وتيهًا * وكدتُ بأخمُصِي أَطأُ الثريَّا
دخولِي تحتَ قولِك: (يا عبادي) * وأنْ صيَّرتَ أحمدَ لي نبيَّا
فَأَحْلَمُ النّاسِ مُحمَّدٌ ﷺ ، وأَشْجَعُ النّاسِ مُحمَّدٌ ﷺ ، وأَعْدَلُ النّاسِ مُحمَّدٌ ﷺ ، وأَعَفُّ النّاسِ مُحمَّدٌ ﷺ وأَسْخَى النّاسِ مُحمَّدٌ ﷺ ، وأَجْوَدُ الناسِ مُحمَّدٌ ﷺ وأَعْقَلُ الناسِ مُحمَّدٌ ﷺ ، وأَشَدُّ النّاسِ حَياءً مُحمَّدٌ ﷺ, وأجملُ الناسِ خَلقًا وخُلقًا وصوتًا وبهاءً مُحمَّدٌ ﷺ نعمْ أيُّها السادةُ: كانَ سَيِّدُنَا داودُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إِذا سَبَّحَ اللهَ سَبَّحَتِ الجِبالُ والطَّيْرُ مَعَهُ لِحُسْنِ صَوْتِهِ ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ)) سورة سبأ(۱٠﴾،وأُعْطِيَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ نِصْفَ الجَمالِ الَّذِي بَيْنَ البَشَرِ فَكانَ شَدِيدَ الجَمالِ ﴿فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ))سورة يوسف(٣١).
وأَمَّا مُحمَّدٌ ﷺ فأُعطِي الجمالَ كلَّهُ فقالَ ﷺ “مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلاَّ حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وإِنَّ نَبِيَّكُمْ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا وأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا“.
فالصَّلاةُ والسلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدِي يا رَسُولَ اللهِ ما أَجملَ ذاتكَ وأَكْملَ صفاتكَ وأَعْظَمَ فَضلكَ عَلى أُمَّتِكَ، يا حبيبَ الله
صلتْ عليكَ ملائكُ الرحمنِ*** و سرى الضياءُ بسائرِ الأكوانِ
لمَّا طلعتَ على الوجودِ مزودًا*** بحمَى الإلهِ و رايةِ القرآنِ
قال حسانُ رضى اللهُ عنه في مدحِ النبيِّ وفي وصفِ النبيِّ ﷺ
لما رأيتُ أنوارَهُ سطعتْ ***وضعتُ مِن خيفتِي كفِّى على بَصرِى
خوفاً على بصرِى مِن حُسنِ صورتِه*** فلستُ أنظرهُ إلّا على قَدرِي
روحٌ مِن النورِ في جسمٍ مِن القمرِ **** كحليةٍ نُسجتْ مِن الأنجمِ الزهرِ
إنَّهُ الحبيبُ المصطفَى والنبيُّ المجتبَى الذي بعثَهُ اللهُ جلَّ علا؛ ليخرجَ الأمةَ مِن الوثنيةِ والظلامِ إلى التوحيدِ والإسلامِ، وينقذَ الناسَ مِن التناحرِ والتفرقِ والآثامِ، إلى العدلِ والمحبةِ والوئامِ فلقد كان العربُ قبلَ بعثتهِ ﷺ يعيشونَ في جاهليةٍ جهلاء، يعيثونَ في الأرضِ كالأنعامِ، يعبدونَ الأصنامَ ويستقسمونَ بالأزلامِ، يأكلونَ الميتاتِ ويئدونَ البناتِ، ويسطو القويُّ منهم على الضعيفِ.ثم أذِنَ اللهُ لليلٍ أنْ ينجلِي، وللصبحِ أنْ يتنفسَ، وللظلمةِ أنْ تنقشعَ، وللنورِ أنْ يشعشعَ فأرسلَ اللهُ رسولَهُ الأمينَ الرءوفَ الرحيمَ بالمؤمنين، أفضلَ البريةِ وأشرفَ البشريةِ، فأيُّ أمةٍ كنّا قبلَ الإسلامِ، وأيُّ جيلٍ كنَّا قبلَ الإيمانِ، وأيُّ كيانٍ نحنُ بغيرِ القرآنِ كنَّا قبلَ مولدهِ أمةً وثنيةً، أمةً لا تعرفُ ربَّهَا، أمةً تسجدُ للحجرِ، أمةً تغدرُ، أمةً يقتلُ بعضُهَا بعضًا، أمةً عاقةً، أمةً لا تعرفُ مِن المبادئِ شيئًا, فأرادَ اللهُ أنْ يرفعَ قدرَهَا ، وأنْ يُعلِي شأنَهَا، فأرسلَ إلينَا رسولَ الإنسانيةِ ﷺ، قال جلَّ وعلا:﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ آل عمران: 164.فاختارَهُ اللهُ للنبوةِ واجتباهُ، وأحبَّهُ للرسالةِ واصطفاهُ ﷺ، بلغَ العُلَى بكمالهِ، كشفَ الدُّجَى بجمالهِ، حسنتْ جميعُ خصالهِ، صلُّوا عليهِ وآلهِ وسلموا تسليما .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه
ثانيــــًا: حالُ النبيِّ المختارِ ﷺ مع ربِّه جلَّ جلالُهُ.
أيُّها السادة: نبيُّنَا ﷺ خاشعٌ خاضعٌ لربِّهِ كأنَّهُ ما خُلقَ إلّا للعبادةِ، وكأنَّهُ قد تفرغَ لها بأبِي هو وأُمِّي ﷺ: ففي الدعوةِ إلى اللهِ جلَّ وعلا قامَ بها على أكملِ وجهٍ عرفَهُ التاريخُ، دعوةٌ أخذتْ عقلَهُ وفكرَهُ ورحَهُ ووجدانَهُ، دعا قومَهُ ليلَ نهار إلى عبادةِ اللهِ وتوحيدِ اللهِ جلَّ وعلا ، وحرصَ على هدايةِ الناسِ، امتثالًا لأمرِ اللهِ بتبليغِ دينِه وأداءِ رسالتِهِ، قال ربُّنَا ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ الأحزاب: 45،فقامَ بالدعوةِ إلى اللهِ على بصيرةٍ فقالَ جلَّ وعلا (﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾يوسف: 108 قامَ بها باللينِ والحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ قال معاويةُ بنُ الحكمِ رضى اللهُ عنه وأرضَاهُ: (ما رأيتُ مُعَلِّمًا قبلَهُ ولا بعدَهُ أحْسَنَ تَعْليمًا منهُ) رواه مسلم، وكيف لا ؟ وهو القائلُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( فواللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رَجُلًا واحدًا، خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ) متفق عليه، وقال ﷺ: (مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لهُ منَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً) رواه مسلم.
وفي الصلاةِ كان يأنَسُ إليها أُنسَ الرضيعِ إلى صدرِ أُمّهِ، ويَشتاقُ قلبُهُ إلى وقتِهَا شوقَ الظمآنِ إلى الماءِ وكيف لا ؟ وهو القائلُ كما في حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضى اللهُ عنه قال، قال رسولُ اللهِ ( حُبِّبَ إليَّ من دُنْياكمُ النِّساءُ والطِّيبُ وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ) وفي الصلاةِ كان خاشعًا خاضعًا لربِّهِ يُصلِّي بالليلِ والنهارِ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فتقولُ أمُّنَا عائشةُ يا رسولَ اللهِ: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) متفقٌ عليه، وتقولُ أمُّنَا عَائِشَةُ رضى اللهُ عنها وأرضاهَا لمَّا سُئِلَتْ ما كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ ،” وفي روايةٍ وكأنَّهُ لا يعرفُنَا، وكان النبيُّ ﷺ إذا أحزنَهُ أمرٌ قَالَ : يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ )) وكيف لا ؟ وهو القائلُ كما في حديثِ أبِـي هريرةَ رضي اللَّهُ عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ يقولُ: “ إن أولَ ما يحاسبُ به العبدُ بصلاتِه، فإن صَلَحت فقد أفلحَ وأنجحَ، وإنْ فسدتْ فقد خابَ وخسِرَ)(رواه أبو داود)
وفي الصيامِ كان يواصلُ الليلَ بالنهارِ تقربًا إلى الرحمنِ، فعن أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنه- قال نَهَى رَسولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الوِصَالِ، فَقالَ له رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: فإنَّكَ -يا رَسولَ اللَّهِ- تُوَاصِلُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: أيُّكُمْ مِثْلِي؟ وفي رواية إنَّكم لَسْتُم كَهَيْئَتي! إنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِينِ))، وكيف لا؟ وهو القائلُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ)) متفق عليه، وكيف لا؟ وهو القائل صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا((رواه البخاري
وفي الصدقةِ كان رسولُ اللهِ ﷺ أجودَ الناسِ بالخيرِ ، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ حتى ينسلِخَ ، فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآنَ ، فإذا لقِيَه جبريلُ كان رسولُ اللهِ أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ)) فكان ﷺ يُعطِي عطاءَ مَن لا يخشَى الفاقةَ أبدا، جاءَهُ رجلٌ يومًا يسألُ صدقةً فأعطاهُ النبيُّ ﷺ غنمًا سددتْ ما بينَ جبلينِ فجعلَ الرجلُ يسوقُ الغنمَ وينظرُ خلفَهُ لا يصدقُ حتى وصلَ إلي قومِهِ فقالَ: يا قومِي أسلمُوا لقد جئتكُم مِن عندي أكرمِ الناسِ يا قومِي أسلمُوا فإنَّ مُحمدًا يُعطِي عطاءً لا يخشَى الفاقةَ، وكيف لا ؟ وهو القائلُ كما في حديثِ أبي أُمامةَ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: “ صَنائِعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، وصدقةُ السرِّ تُطفِئُ غضَبَ الرَّبِّ وصِلةُ الرَّحِمِ تزيدُ العمرَ. رواه الطبراني وكيف لا ؟ وهو القائلُ كما في حديثِ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »رواه مسلم
وفي الاستغفارِ والتوبةِ: فكان ﷺ يستغفرُ ربَّهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ مع أنَّ اللهَ جلَّ وعلا قد غفرَ لهُ ما تقدمَ مِن ذنبِهِ وما تأخرَ، حتى قال عن نفسِهِ ﷺ: واللهِ إنّي لأستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه في اليومِ أكثرَ مِن سبعين مرة)) البخاري وفي روايةٍ وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ » ويقولُ سيدُنَا عبدُ اللهِ بنُ عمرَ (رضي اللهُ عنهما): إنْ كُنَّا لنَعُدُّ لرَسولِ اللهِ ﷺ في المجلِسِ الواحِدِ مائةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغفِرْ لي وتُبْ عليَّ؛ إنَّك أنت التَّوابُ الرَّحيمُ) وكيف لا ؟ وهو القائلُ كما في حديث عبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَن لَزِمَ الاستغفارَ جعل اللهُ له من كل ضِيقٍ مخرجًا، ومِن كُلِّ هَمٍّ فرَجًا، ورزَقَه من حيثُ لا يحتَسِبُ).
وأمَّا عن حالِ قلبِهِ مع ربِّهِ فكان المعصومُ ﷺ، يكثرُ مِن الدعاءِ بالثباتِ على الدينِ فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)) وفي روايةٍ قَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ، وكيف لا وهو القائلُ كما في حديثِ النعمانِ بنِ بشيرٍ رضى اللهُ عنه قال، قال المعصومُ ﷺ ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ)) وكيف لا؟ وما سُمِّيَ الْقَلْبُ قَلْبًا مِنْ تَقَلُّبِهِ *** فَاحْذَرْ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتَحْوِيلِ
وأمَّا عن أخلاقهِ ﷺ فكان خلقُهُ القرآنَ، لمَّا سُئِلَتْ السيدةُ عَائِشَةُ رضى اللهُ عنها عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ) رواه أحمد، بل قالتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ)) وكيف لا ؟ اللهُ جل وعلا قال مخاطبًا إياهُ { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)سورة القلم(4( وكيف لا ؟ والغايةُ الأسمَى مِن بعثتهِ ﷺ هي الأخلاقُ فقالَ كما في حديثِ أبي هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : { بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رواه البخاري
وأَحسنُ مِنكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً مِنْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.
الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ … وبعد
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه
ثالثــــًا وأخيرًا: أينَ نحنُ مِن رسولِ اللهِ ﷺ ؟
أيُّها السادةُ: أين نحنُ مِن رسولِ اللهِ ﷺ في دعوتِه إلى اللهِ باللينِ والرفقِ وبالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ قال جلَّ وعلا ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ سورة النحل 125.
أينَ نحنُ أيَّها السادةُ مِن صلاةِ رسولِ اللهِ ﷺ نضيعُ الصلاةَ عن وقتِهَا ولا نحرصُ على أدائِهَا يا ربِّ سلّمْ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا (رواه البخاري)فاحرصْ على صلاتِكَ تكنْ مِن السعداءِ في الدنيا والآخرةِ.
أينَ نحنُ أيُّها السادةُ مِن أخلاقِ نبيِّنَا ﷺ، نعم لقد انعدمتْ الأخلاقُ بينَ الناسِ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، فأصبحَ الولدُ لا يحترمُ أباهُ ولا البنتُ تحترمُ أمَّهَا، ولا التلميذُ يحترمُ أستاذَهُ، ولا الجارُ يحسنُ إلى جارهِ، ماتتْ المبادئُ والقيمُ والأخلاقُ. لذا عمَّ البلاءُ والجهلُ والضياعُ والخرابُ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، فما أحوجَنَا أنْ نحولَ أخلاقَ النبيِّ ﷺ إلى منهجٍ وحياةٍ، وإلى واقعٍ يتحركُ في دُنيَا الناسِ، لذا حذرَنَا نبيُّنَا ﷺ مِن المفلسِ سيئِ الأخلاقِ، كما في صحيحِ مسلمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمتى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)
أين نحن أيُّها السادةُ مِن الفقراءِ واليتامَى والمساكين، فكافلُ اليتيمِ جارٌ للنبيِّ العدنانِ، فعن سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، وفي روايةِ ابنِ ماجةَ (مَنْ عَالَ ثَلَاثَةً مِنْ الْأَيْتَامِ كَانَ كَمَنْ قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَغَدَا وَرَاحَ شَاهِرًا سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ أَخَوَيْنِ كَهَاتَيْنِ أُخْتَانِ وَأَلْصَقَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى)، فكافلُ اليتيمِ جارٌ للنبيِّ العدنانِ ﷺ في الجنةِ، فأيُّ فضلٍ بعدَ هذا الفضلِ!! وأيُّ شرفٍ بعدَ هذا الشرفِ !!وأيُّ منزلةٍ بعدَ هذه المنزلةِ !! إنَّها مجاورةُ النبيِّ العدنانِ ﷺ في الجنةِ !!فيا سعادةَ مَن كان رفيقًا للنبيِّ في الجنةِ، ويا سعدَ مَن كان جارًا للنبيِّ في الجنةِ ,ويا تعاسةَ مَن أُبعدَ عن مرافقةِ النبيِّ في الجنةِ.
أين نحنُ مِن استغفارِ وتوبةِ النبيِّ ﷺ بالليلِ والنهارِ وهو المعصومُ ﷺ فجددْ إيمانَكَ في قلبِكَ بالعملِ الصالحِ والتوبةِ والنوبةِ والعودةِ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يُغلقُ أبدًا يبسطُ ربُّنَا يدَهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ ويبسطُ يدَهُ بالنهارِ ليتوبَ مسيءُ الليلِ , فما دمتَ في وقتِ المهلةِ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ، قال: ) إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) (رواه مسلم]. وفي روايةٍ للترمذي وحسنَهُ وعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)رواه الترمذي فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ البدارَ البدارَ قبلَ الندمِ والحسرةِ على ما فاتَ، فأصلحْ بالتوبةِ ما هو آتٍ ,واندمْ يا مسكينُ على ما فات، واستعد لليومِ الثقيلِ والهولِ الكبيرِ والخطبِ الجليلِ , والعذابِ الشديدِ آهٍ لنفسٍ لا تعقلُ آمرَهَا ثم جهلتْ قدرَهَا وتُضَيِّعُ في المعاصي عمرَهَا ..
أبَتْ نَفْسِي تَتُوبُ فَمَا احْتِيَالِي*** إذَا بَرَزَ العِبَادُ لِذِي الجَلالِ
وقامُوا مِن قبورِهم سُكارى*** بأوزارٍ كأمثالِ الجبالِ
وقد نصبُ الصراطُ لِكَي يَجُوزوا*** فمنهُم مَن يكبُّ على الشمالِ
ومنهم مَن يسيرُ لدارِ عدنٍ*** تلقاهُ العرائسُ بالغواني
يقولُ له المهيمنُ يا ولِيِّ*** غفرتُ لك الذنوبَ فلا تُبالِي
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف