خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 3 شوال 1445هـ ، الموافق 12 أبريل 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024م بصيغة word بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024م بصيغة pdf بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024م بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة .
أولًا: الاستقامةُ طريقُ الفلاحِ.
ثانيـًـــا :كيفَ أحققُ الاستقامةَ؟
ثالثًا وأخيرًا: المداومةُ على الطاعةِ شعارُ المؤمنين !!!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024م بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة : كما يلي:
الاستقامةُ والمدامةُ على الطاعةِ د. محمد حرز
بتاريخ: 3 شوال 1445هــ –12 أبريل 2024م
الحمدُ للهِ شرعَ لنَا دينًا قويمًا، وهدانَا إليهِ صراطًا مستقيمًا، ووعدَ مَن لزمَ الصراطَ أجرًا جزيلًا وثوابًا عظيمًا، وتوعدَ مَن حادَ عنهُ بأنَّ لهُ عذابًا أليمًا، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَليُّ الصالحين، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخَلِيلُهُ القائلُ كما في لتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ” فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارٍ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }سورة أل عمران (102).
عبادَ اللهِ:( الاستقامةُ والمدامةُ على الطاعةِ ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: الاستقامةُ طريقُ الفلاحِ.
ثانيـًـــا :كيفَ أحققُ الاستقامةَ؟
ثالثًا وأخيرًا: المداومةُ على الطاعةِ شعارُ المؤمنين !!!
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن الاستقامةِ والمدامةِ على الطاعةِ، وخاصةً انتهَي شهرُ رمضانَ ربحَ فيهِ مَن ربحَ، و خسرَ فيهِ مَن خسرَ، و قُبِلَ فيهِ مَن قُبِلَ، و طُرِدَ فيه مَن طُرِدَ، فيا ليتَ شعرِي مَن المقبولُ منَّا فنهنئهُ، و يا ليتَ شعرِي مَن المطرودُ منَّا فنعزيه !!
فيا عينِي جودِي بالدمعِ مِن أسفٍ ***على فراقِ ليالٍ ذاتِ أنوارِ على ليالٍ لشهرِ الصومِ ما جُعلتْ*** إلَّا لتمحيصِ آثامٍ وأوزارِ ما كان أحسننَا والشملُ مجتمعٌ*** منَّا المصلِّى ومنَّا القانتُ القارئ
فهنيئًا لمَن سابقَ فسبقَ، هنيئًا لمَن تابَ وأنابَ وقُبلَ، هنيئًا لمَن أحبَّ اللهَ فأحبَّهُ اللهُ، هنيئًا لمَن استغفرَ فغُفِرَ لهُ، أيُّها المقبولُ تهانينَا تهانينَا، أيُّها المطرودُ تعازينَا تعازينَا!!
وخاصةً والاستقامةُ على الطاعةِ بعدَ رمضانَ مِن علاماتِ قبولِ الصيامِ والقيامِ والقرآنِ، وخاصةً أَنَّ الطَّرِيقَ إلى الجَنَّةِ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ إلى النَّارِ فَسُبُلُهُ كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. فَالطَّرِيقُ إلى الجَنَّةِ وَاحِدٌ وَوَاضِحٌ، وَالطُّرُقُ المُنْحَرِفَةُ كَثِيرَةٌ جِدًّا. تَسَاءَلْ أَخِي مَعَ نَفْسِكَ، هَلْ أَنْتَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؟ هَلْ أَنْتَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَكُنْ صَادِقًا مَعَ نَفْسِكَ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا «الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قال : « دِينكَ دِينَكَ، إنَّمَا هُوَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ، فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذُ، خُذْ عَنِ الذينَ اسْتَقَامُوا وَلَا تَأْخُذْ عَنِ الذينَ مَالُوا». وخاصةً والذي يستقيمُ يومًا أو شَهرًا ثم ينحرِفُ عن الحقِّ قد هدَمَ صالحَ عملِهِ، وقضَى على صالحِ عمَلِهِ، وأحرقَ أوراقَهُ، فأصبحً شبيهًا بتلكمُ المرأةِ التي كانتْ بمكّةَ المكرمة تبرمُ غزلَهَا أوَّلَ النهارِ وتنقضُهُ آخرَ النهارِ، فقالَ ربُّنَا: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}، فلا تهدمْ ما بنيتَ، لا تسودْ ما بيضتَ، لا ترجعْ إلى الغفلةِ و المعصيةِ فو اللهِ إنَّك لا تضرُّ إلَّا نفسَكَ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة
أولًا: الاستقامةُ طريقُ الفلاحِ.
أيُّها السادةُ: الاستقامةُ: هي لزومُ الطريقِ المستقيمِ، والثباتُ عليهِ في كلِّ آنٍ وحينٍ، بامتثالِ كلِّ ما أمرَ بهِ اللهُ جلَّ جلالُهُ، واجتنابِ كلِّ ما نهَي عنهُ سبحانَهُ، وسُئِلَ الصِّدِّيقُ -رضي اللهُ عنه- عَنِ الاِسْتِقَامَةِ فَقَالَ: أَن لاَّ تُشْرِكَ باللهِ شَيئًا. يُرِيدُ: الاسْتِقَامَةَ عَلَى مَحْضِ التَّوحِيدِ والإيمَانِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بأَمْرٍ إِلاَّ وَللشَّيطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ: إِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ، وإِمَّا إِلَى مُجَاوَزَةٍ وَهِي الإفْرَاطُ، وَلاَ يُبَالِي بأيِّهِمَا ظَفِرَ زِيَادَةٍ أَو نُقْصَانٍ. وقال عمرُ -رضي اللهُ عنه وأرضاه-: “الاستقامةُ أنْ تستقيمَ على الأمرِ، ولا تروغ روغانَ الثعالبِ” ، وقالَ عثمانُ رضي اللهُ عنه: ” استقامُوا: أخلصُوا العملَ للهِ”، وقال عليٌّ وابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: ” استقامُوا: أدُّوا الفرائضَ. وقالَ أحدُ السلفِ: “أَعْظَمُ الكَرَامَةِ لُزُومُ الاسْتِقَامَةِ”. والاسْتِقَامَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، تَأْخُذُ بِمَجَامِعِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتَتَحَقَّقُ بِهَا مَعَالِي الأُمُورِ، وَأَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَالأُجُورِ، وَبِهَا يَكْمُلُ الإِيمَانُ، وَيُضْمَنُ الأَمْنُ يَومَ البَعْثِ والنُّشُورِ، وَتَعُمُّ الخَيرَاتُ وَالبَرَكَاتُ، ويَسْعَدُ الأَفْرَادُ وَالمُجْتَمَعَاتُ، إِنَّهَا خَصْلَةٌ مِنْ أَعْظَمِ خِصَالِ السَّائِرِينَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَجَلِّ مَدَارِجِ السَّالِكِينَ بَينَ مَنَازِلِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، يَنَالُ المَرْءُ بِهَا الكَرَامَاتِ، ويَصِلُ إِلَى أَعْلَى المَقَامَاتِ، وَيَعِيشُ بَرْدَ اليَقِينِ، وَيَحُوزُ عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّ العَالَمِينَ. فالاستقامة تِّبَاعُ الدِّينِ القَوِيمِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ، والاِسْتِقامَةُ: هي سبيلُ النَّجاة، وأساسٌ للسعادة وسبيلٌ للفلاح والرفعة في الدنيا والآخرة وهي الوسطيةُ في كلِّ شيءٍ، وهي اتِّباعُ الكتابِ والسُّنةِ، وهي سلوكُ الصِّراطِ المستقيم، لذا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ وَأَصْحَابَهُ الكِرَامَ -رضي اللهُ عنهم- بِالاسْتِقَامَةِ، وَهُوَ صَفْوَةُ الخَلْقِ، وَهُمْ أَفْضَلُ الأُمَّةِ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112]. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: مَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ في جَمِيعِ القُرْآنِ آيَةٌ كَانَتْ أَشَدَّ وَلاَ أَشَقَّ عَلَيهِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ. وعَنِ الحَسَنِ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ شَمَّرَ رسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- للعِبَادَةِ، فَمَا رُئيَ ضَاحِكًا، وقَالَ لأَصحَابِهِ حِينَ أَسْرَعَ إِلَيهِ الشَّيبُ: “شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأَخَوَاتُهَا”، يَعْنِي قولَهُ تَعَالَى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)”. قال ابنُ حجرٍ رحمَهُ اللهُ: (الِاسْتِقَامَةُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَسُّكِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلًا وَتَرْكًا). وَلَقَدْ كانَ المُصْطَفَى ﷺ قُرْآنًا يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ؛ تَقُولُ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- حِينَ سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ –صلى الله عليه وسلم-: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ القُرْآنَ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]؟! رواه أحمدُ. وَكَانَ أَكثَرُ دُعَائِهِ –صلى الله عليه وسلم-: “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ” رواه أحمدُ والترمذيُّ وحسَّنَهُ.
فمَا بالنُا نحنُ أيُّها الأخيارُ فنحن في حاجةٍ إلى الاستقامةِ قبلَ فواتِ الأوانِ !!!!
بل إِنَّ الاسْتِقَامَةَ عَلَى دِينِ اللهِ تَعَالَى ثَبَاتٌ ورُجُولَةٌ، وانْتِصَارٌ وفَوزٌ في مَعْرَكَةِ الطَّاعَاتِ وَالأَهْوَاءِ وَالرَّغَبَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الذِينَ اسْتَقَامُوا أَنْ تَتَنَزَّلَ عَلَيهِم المَلاَئِكَةُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ لِتَطْرُدَ عَنْهُمُ الخَوفَ والحَزَنَ، وَتُبَشِّرَهُم بالجَنَّةِ، وَيُعْلِنُوا وَقُوفَهُم إِلَى جَانِبِهِم في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، تأملُوا معِي أيُّها السادةُ هذه الآيةَ الكريمةَ، واللهُ سبحانَهُ وتعالى يذكرُ الفضائِلَ العظيمةَ، والمنازلَ الرفيعةَ لأهلِ استقامتِهِ، فقالَ جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 – 32]. يا لهَا مِن منزلةٍ عظيمةٍ ونعمةٍ جسيمةٍ لهُم، قالَ سبحانَهُ: ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت:30]قال وكيعٌ: “البشرَى في ثلاثةِ مواطن: عندَ الموتِ، وفي القبرِ، وفي البعثِ”
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة
لذا رغَّبَ اللهُ المؤمنين، وحثَّهُم على لُزومِ الاِسْتِقامَةِ، كما في قولِهِ جلَّ وعلا﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]. وقولِهِ جلَّ وعلا: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 18، 19]. و قرنَ اللهُ عزَّ وجلَّ الأمرَ بالدعوةِ مع الأمرِ بالاستقامةِ في آيةٍ واحدةٍ، فقالَ جلَّ شأنُهُ:﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [الشورى:15]، وبعدَ آياتِ النعيمِ العظيمِ مِن اللهِ لأهلِ استقامتِهِ أتبعَهَا مباشرةً بآياتِ الدعوةِ إلى اللهِ، فقالَ جلَّ وعلا: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت:33].
ورغَّبَ النبيُّ ﷺ المؤمنين، وحثَّهم على لُزومِ الاِسْتِقامَةِ فعَنْ رَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: “هَذَا سَبِيلُ اللهِ”، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: “هَذِهِ سُبُلٌ (مُتَفَرِّقَةٌ) عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيطَانٌ يَدْعُو إِلَيهِ”، ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]. رواه أحمدُ والدَّارِمِيُّ والحاكِمُ بإسنادٍ صحيحٍ، وعن سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ رضي اللهُ عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ. قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ؛ فَاسْتَقِمْ» رواه مسلم. فالاستقامةُ على الطاعةِ أمرٌ ضروريٌّ: (قُلْ آمنتُ باللهِ ثُمّ استقمْ) فيا مَن أطعتَ اللهَ في رمضانَ، إياكَ أنْ تحيدَ عن طاعةِ اللهِ في غيرِ رمضانَ، فإنَّ الاستقامةَ على الطاعةِ أصلُ السعادةِ في الدنيا والآخرةِ! يا مَن صُمتَ نهارَ رمضانَ، وقمتَ الليلَ وعشتَ مع القرآنِ، وتسابقتَ في أوجهِ البرِّ والخيرِ والجودِ والإحسانِ، وستنفصلُ عن الطاعةِ بعدَ رمضانَ، هل ضمنتَ متى سيأتيكَ ملكُ الموتِ؟ هل سيأتيكَ ملكُ الموتِ على طاعةٍ أم سيأتيكَ على معصيةٍ؟ فاللهَ اللهَ لو استقامَ الناسُ على طريقةِ الإسلامِ، واستمرُّوا عليها؛ لوجدُوا خيرًا كثيرًا، قالَ سبحانَهُ وتعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، والمرادُ بذلك سعةُ الرزقِ كما قال عمرُ رضي اللهُ عنه:” أينمَا كان الماءُ كان المالُ”. والاستقامةُ الحقيقيةُ أيُّها الأخيارُ وضحهَا النبيُّ ﷺ كما في حديثٍ عن النواسِ بنِ سمعانَ رضي اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ضربَ اللهُ تعالى مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنْبَتَيِ الصراطِ سورانِ، فيهما أبوابٌ مُفَتَّحَةٌ، وعلَى الأبوابِ ستورٌ مُرْخَاةٌ، وعلى بابِ الصراطِ داعٍ يقولُ: يا أيُّها الناسُ، ادخلوا الصراطَ جميعًا ولا تَعْوَجُّوا، وداعٍ يدعُو مِنْ فَوْقِ الصراطِ، فإذا أرادَ الإِنسانُ أنْ يفتحَ شيئًا مِنْ تِلْكَ الأبْوابِ قال: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ، فإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، فالصراطُ الإسلامُ، والسُّورانِ حدودُ اللهِ، والأبوابُ الْمُفَتَّحَةُ محارِمُ اللهِ تعالى، وذلِكَ الدَّاعِي على رأسِ الصراطِ كتابُ اللهِ، والداعي مِنْ فوقٍ واعظُ اللهِ في قلْبِ كُلِّ مسلِمٍ( ، فاستقيمُوا يرحمُكُم اللهُ قبلَ الفواتِ والندمِ على ما فاتَ. فالاسْتِقَامَةُ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ لَيسَتْ أَمْرًا مُحَالاً، وَلاَ أُمْنِيَةً وَادِّعَاءً ،وَلاَ رَهْبَانِيَّةً مُبْتَدَعَةً كَمَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ النَّاسِ، ولَكِنَّهَا اسْتِقَامَةٌ عَلَى الأَمْرِ بالامْتِثَالِ، وَعَلَى النَّهْي بالاجْتِنَابِ، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رضي اللهُ عنه- أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: “تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ”. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا”…. والاستقامةُ تعنِي: أنَّ الإنسانَ يستقيمُ على دينِ اللهِ ولا ينحرفُ عنهُ يمنةً ولا يسرةً، ولكن قد يكونُ مِن الإنسانِ بسببِ ضعفهِ وغفلتِهِ، قد يكونُ عندهُ نقصٌ في الاستقامةِ، ولكن يجبرهُ بالاستغفارِ، قال ﷺ: اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا يعني: لن تأتُوا على كلِّ الأوامرِ فتفعلوهَا ولا كلِّ النواهِي تجتنبوهَا، لابدَّ وأنْ يكونَ هناكَ نقصٌ: اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، واللهُ جلَّ وعلا يقولُ: ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ(، هذا دليلٌ على أنَّ الإنسانَ مستقيمٌ بحاجةٍ إلى الاستغفارِ؛ لأنَّهُ يحصلُ منهُ نقصٌ في الاستقامةِ بسببِ ضعفِهِ وغفلتِهِ فيستغفر اللهَ مِمَّا قصّرَ فيهِ مِن الاستقامةِ، ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) ،(اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ ((.فَاسْتَقِيمُوا -أَيُّهَا النَّاسُ- عَلَى شَرْعِ اللهِ كَمَا أُمِرْتُمْ، اسْتِقِيمُوا وَلاَ تَطْغَوا، اسْتَقِيمُوا وَلاَ تَتَّبِعُوا سَبِيلَ الذينَ لا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وتُوبُوا إِلَيهِ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ. فاتقُوا اللهَ، عبادَ اللهِ، وحاسبُوا أنفسَكُم على الاستقامةِ والاعتدالِ: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فشتانَ شتانَ بينَ أهلِ الاستقامةِ وبينَ المنحرفينَ عنهَا مِن أهلِ الاعوجاجِ والزيغِ والانحرافِ، فقالَ تعالَى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، وقال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122].
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة
ثانيـًـــا :كيفُ أحققُ الاستقامةَ؟
أيُّها السادةُ: الإِنْسَانُ المُسْتَقِيمُ قَدْ يَتَعَرَّضُ في بَعْضِ الأَحْيَانِ للفِتَنِ، وَلَاسِيَّمَا في عَصْرِنَا هَذَا، حَيْثُ يَنْشَطُ دُعَاةُ البَاطِلِ، وَيَضْعُفُ دُعَاةُ الحَقِّ، وَيَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبِضَةُ في شَأْنِ الأُمَّةِ، فَيُصَدَّقُ الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال قال رَسُولُ اللهِ ﷺ «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَهُ كيفَ أكونُ مستقيمًا؟ والجوابُ في نقاطٍ سريعةٍ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ:
إصلاحُ القلوبِ: فمَن استقامَ قلبُهُ استقامتْ جوارحُهُ كلُّهَا ففِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: “أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ”.. قال ابنُ رجبٍ رحمَهُ اللهُ: (أَصْلُ الِاسْتِقَامَةِ: اسْتِقَامَةُ الْقَلْبِ عَلَى التَّوْحِيدِ…..فَمَتَى اسْتَقَامَ الْقَلْبُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَعَلَى خَشْيَتِهِ، وَإِجْلَالِهِ، وَمَهَابَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَرَجَائِهِ، وَدُعَائِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ؛ اسْتَقَامَتِ الْجَوَارِحُ كُلُّهَا عَلَى طَاعَتِهِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ هُوَ مَلِكُ الْأَعْضَاءِ، وَهِيَ جُنُودُهُ، فَإِذَا اسْتَقَامَ الْمَلِكُ؛ اسْتَقَامَتْ جُنُودُهُ وَرَعَايَاهُ. وَأَعْظَمُ مَا يُرَاعَى اسْتِقَامَتُهُ بَعْدَ الْقَلْبِ مِنَ الْجَوَارِحِ: اللِّسَانُ؛ فَإِنَّهُ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ، وَالْمُعَبِّرُ عَنْهُ).
ومِن أعظمِ أسبابِ الاستقامةِ: إِمْسِاكُ اللِّسانِ عن الخَوضِ في الباطِلِ: فإنه ترجمانُ القلبِ والمعبِّرُ عنه، قال -ﷺ-: ” – لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ ، ولا يدخلُ رجلٌ الجنةَ من لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ)، وقال ﷺ: (إذا أصبح ابنُ آدمَ ، فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تكفِّر اللسانَ، فتقول : اتقِ اللهَ فينا ؛ فإنَّمَا نحن بك ؛ فإن – استقمتَ استقمْنَا وإنْ – اعوججتَ اعوججَنَا ) الترمذي، وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» صحيح – رواه الترمذي. وقال ﷺ: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ؛ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ [أي: تَذِلُّ وتُقِرُّ بِالطَّاعَةِ لَهُ، وَتَخْضَعُ لِأَمْرِهِ] فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا؛ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» حسن – رواه الترمذي. فمَنْ أرادَ أنْ يَسْتَقِيمَ على طاعةِ ربِّهِ حتى الموت، فعليهِ أَنْ يُمْسِكَ لِسانَهُ عن الخَوضِ في الباطل؛ لأنَّ الخوضَ في الباطل سببٌ لدخولِ النَّارِ، قال تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾ [المدثر: 42-45].
ومِن أعظمِ أسبابِ الاستقامةِ: مُصاحَبَةُ الصَّالِحِين ومُجالَسَتُهم: قال ﷺ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ؛ كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ. فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» رواه مسلم. وقال أيضًا: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» حسن – رواه أبو داود. وقال: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» حسن – رواه أبو داود. فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الانْحِرَافِ عَنِ الاسْتِقَامَةِ جَلِيسَ السُّوءِ، فَاحْذَرُوا جُلَسَاءَ السُّوءِ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَشِرُونَ في البِلَادِ انْتِشَارَ النَّارِ في الهَشِيمِ، فَهُمْ شَيَاطِينُ الإِنْسِ، وَهُمْ أَعْوَانُ شَيَاطِينِ الجِنِّ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة
ومِن أعظمِ أسبابِ الاستقامةِ: لُزُومُ الاتِّباعِ، وتَرْكُ الابْتِداعِ: فاتِّباعُ الكتابِ والسُّنةِ، والاسْتِمْساكُ بِهِمَا؛ مِنْ أقوى وسائِلِ الثَّباتِ على الِاسْتِقَامَةِ في الدِّينِ حتى الموت، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]. وقال سبحانه: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النساء: 59]؛ وقال: ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].وقال ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري ومسلم.. وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: (عَلَيْكُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالْأَثَرِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ). قال سفيانُ رحمَهُ اللهُ: (لا يَسْتَقِيمُ قَولٌ وعَمَلٌ إلاَّ بِمُوافَقَةِ السُّنَّةِ).
ومِن أعظمِ أسبابِ الاستقامةِ: طَلَبُ العِلْمِ الشَّرْعِي: وهو مِنْ أَفْضَلِ الوَسائِلِ التي تُعِينُ على الِاسْتِقَامَةِ، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]. فالعلمُ الشَّرعي يُورِثُ الخَشْيَةَ، ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9].والعلمُ الشَّرعي يَدْفَعُ صاحِبَه إلى الِاسْتِقَامَةِ على دِينِ اللهِ حتى الموت، فلا يَنْحَرِفُ بِشَهَواتٍ ولا بِشُبُهاتٍ، ولَمَّا افْتَتَنَ النَّاسُ بِمالِ قَارُونَ؛ ثَبَتَ أهلُ العلمِ على دِينِهم، ولم يَفْتَتِنوا؛ بل نَصَحوا غَيرَهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80].
ومِن أعظمِ أسبابِ الاستقامةِ: الاستعانةُ باللهِ و الدعاءُ أنْ نسألَهُ الهدايةَ والاستقامةَ على الصراطِ المستقيمِ كلَّ يومٍ مراتٍ عديدة، ونحن نصلِّي، ونحن نقفُ بينَ يديهِ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]؛ ولذا كان مِن دعاءِ الراسخينَ في العلمِ: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب ﴾ [آل عمران: 8]، وجاءَ في دعاءِ النبيِّ ﷺ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ))، وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)).
فاللهَ اللهَ في الاستقامةِ فمَا أَجْمَلَ الاسْتِقَامَةَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوبَةِ وَالإِنِابَةِ، وَالازْدِيَادِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ! وَمَا أَعْظَمَهَا حِينَ تَكُونُ بَعْدَ الطَّاعَةِ! فَهَذِهِ حَالُ المُؤْمِنِ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ، الذِي لاَ يَغْتَرُّ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ، وَلاَ يَرْكَنُ إِلاَّ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ؛ لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ عَمَلَهُ فِي جَنْبِ مَعَاصِيهِ وَغَفْلَتِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى قَلِيلٌ، وَأَنَّهُ مَهْمَا عَمِلَ فِي جَنْبِ نِعَمِ اللهِ عَلَيهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَسِتْرِهِ فَلَنْ يُوَفِّيَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْضَ حَقِّهِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ مِنَ المُتَّقِينَ؛ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57-61].
فاللهَ اللهَ في الاستقامةِ …فالمستقيمونَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ [اسْتَقَامَ عَلَى عَدْلِه] وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ [اسْتَقَامَ عَلَى عِبادَةِ رَبِّه] وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ [اسْتَقَامَ عَلَى المُحافَظَةِ على صَلاةِ الجَماعَةِ] وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ [اسْتَقَامَا على الحُبِّ في اللهِ] وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [اسْتَقَامَ عَلَى الخَوفِ مِنَ اللهِ] وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ [اسْتَقَامَ عَلَى الإِخْلاصِ للهِ، والبُعْدِ عَنِ الرِّيَاءِ] وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ [اسْتَقَامَ عَلَى الإِخْلاصِ للهِ]» رواه البخاري.
فاللهَ اللهَ في الاستقامةِ ..فالمستقيمونَ بالاسْتِقَامَةِ يَجِدُون حَلاَوَةَ الإِيمَانِ، وَطُمَأْنِينَةَ القَلْبِ، وَرَاحَةَ النَّفْسِ وَالبَالِ؛ قال جل وعلا ((أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ(( [الزمر:22، قال جل وعلا: (أَوَمَنْ كَانَ مَيتًا فَأَحْيَينَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( [الأنعام:122 …
فاللهَ اللهَ في الاستقامةِ …..فالمستقيمونَ لهُم الحَياةُ الطَّيِّبةُ: قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]؛فالله الله في الاستقامة …..فالمستقيمون هم أهل الجنان: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأحقاف: 13، 14].
ومِمّــــــا زادنِي فخـــــــــرًا وتيهـــــــًا وكـــــدتُ بأخمــــــــــصِي أطــــأُ الثــــــــــريّـا
دخولِي تحتَ قولِكَ يا عبادِي وأنْ صــــــــــــــــــــــــــــــــــــيَّرتَ أحمدَ لي نبيّـــــــًا
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ ……..وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة
ثالثًا وأخيرًا: المداومةُ على الطاعةِ شعارُ المؤمنين !!!
أيُّها السادةُ: انتهَى رمضانُ وواللهِ ثمَّ واللهِ إنَّ قلوبَ الصالحينَ إلى هذا الشهرِ تحنُّ، ومِن ألمِ فُراقهِ تئنُّ، انتهَى رمضانُ و في قلوبِ الصالحينَ لوعةٌ، وفي نفوسِ الأبرارِ حرقةٌ، وكيف لا يكونُ ذلك؟ وأبوابُ الجنانِ ستغلقُ، وأبوابُ النيرانِ ستفتحُ، و مردةُ الجنِّ ستطلقُ..وداعًا يا شهرَ رمضانَ ..وداعًا يا شهرَ القرآنِ.. وداعًا يا شهرَ القيامِ.. وداعًا يا شهرَ الإحسانِ وداعًا يا شهرَ الجودِ والإكرامِ .. وداعًا يا شهرَ العتقِ مِن النيرانِ…..انتهى شهرُ رمضانَ فكمْ مِن صحائفَ بُيضتْ ، وكم مِن رقابٍ عُتقتْ ، وكم حسناتِ كتبتْ !!أيا عبدَ اللهِ يا مَن عدتَ إلى ذنوبِكَ و معاصيكَ و غفلتِكَ : تمهلْ قليلًا ، تفكرْ قليلًا: كيف تعودُ إلى السيئاتِ ، و ربَّمَا قد طهرَكَ اللهُ منها . كيف تعودُ إلى المعاصي؟ وربَّمَا محاهَا اللهُ مِن صحيفتِكَ, يا عبدَ اللهِ أيعتقُكَ اللهُ مِن النارِ فتعودَ إليهَا ؟ أيبيضُ اللهُ صحيفتَكَ مِن الأوزارِ وأنت تسودُهَا مرةً أُخرى ؟ يا عبدَ اللهِ : آهٍ لو تدرِي أيَّ مصيبةٍ وقعتَ فيها . آهٍ لو تدرِي أيَّ بلاءٍ نزلَ بك ، لقد استبدلتَ بالقربِ بُعدًا، و بالحبِّ بغضًا .
فالعملُ الصالحُ طريقُ المؤمنينَ وشعارُ الموحدينَ، وغايةُ العابدينَ، وقرةُ عينِ الخاشعينَ، وعنوانُ الصادقينَ ، العملُ الصالحُ هو كلُّ ما يحبُّهُ اللهُ ويرضاهُ مِن الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ، المداومة على العمل الصالح شعار المؤمنين، بل ومن أحب القربات إلى الله رب العالمين؛ وكان النبيُّ ﷺ يُحِبُّ المُداوَمَةَ على العَمَلِ الصَّاِلح؛ عن مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَيُّ العَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتِ: «الدَّائِمُ» رواه البخاري. قال النوويُّ رحمه الله: (بِدَوَامِ القَلِيلِ تَدُومُ الطَّاعَةُ، وَالذِّكْرُ، والإِخْلَاصُ، وَالإِقْبَالُ عَلَى الخَالِقِ سُبحانه. وَيُثْمِرُ القَلِيلُ الدَّائِمُ؛ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الكَثِيرِ المُنْقَطِعِ أَضْعَافًا كَثِيرَةً).
وكان ﷺ يُحِبُّ أَنْ يُداوِمَ على الصَّلاة؛ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى» حسن – رواه أبو داود. أي: إذا نَزَلَ به أمْرٌ مُهِمٌّ، أو أصَابَه غَمٌّ؛ صَلَّى. ولذا قال ﷺ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ» صحيح – رواه النسائي. فالصَّلاةُ مِنْ أحبِّ المَحْبوباتِ للنبيِّ ﷺ…وهكذا كان درب الصحابة الأخيار…فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ « فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».فالمداومة على العمل الصالح شعار المسلمين
بل هذا بلالُ بنُ رباحٍ رضي اللهّ عنه كان يُداومُ على الخيرِ والعملِ الصالحِ فقالَ لهُ النبيُّ ﷺ يومًا يا بلال حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ وفي رواية مسلم فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصلى)، اللهُ أكبرُ إنَّها فضلُ المداومةِ على العملِ الصالحِ. والمدامةُ على العملِ الصالحِ سببٌ لنَيْلِ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى: جاءَ في الحديثِ القدسِي: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ؛ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ» رواه البخاري. وقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلَى اللَّهِ؛ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» رواه مسلم. والمُداومَةُ على العملِ الصَّالِحِ في حَالِ الصِّحَّةِ، وَالفَرَاغِ، وَالعَافِيَةِ، والرَّخاء يُنْجِي صاحِبَه عند الشَّدائِدِ والكُرَب. قال رسولُ اللهِ ﷺ: «تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ؛ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» صحيح – رواه الطبراني والحاكم. وقال ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكُرَبِ؛ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ» رواه الترمذي.فالاستقامةَ الاستقامةَ قبلَ الندمِ ..المداومةَ المدوامةَ على العملِ الصالحِ قبلَ حلولِ الأجلِ، ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 27، 28]، فبادرْ قبلَ أنْ تُبادر، بادرْ بالتوبةِ والرجوعِ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ والتخلصِ مِنْ كُلِّ الْمَعَاصِي جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فإذا اجتمعَ للمسلمِ توبةٌ نصوحٌ مع أعمالٍ فاضلةٍ في أزمنةٍ فاضلةٍ فهذا عنوانُ الفلاحِ. قال تعالى: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (القصص:67)، و بابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يغلقُ أبدًا في كلِّ وقتٍ وحينٍ ما لم تطلع الشمسُ مِن مغربِهَا، وما لم تصلْ الروحُ إلى الحلقومِ، كما قال النبيُّ المختارُ ﷺ في حديثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)رواه الترمذي.
وللهِ درُّ القائل:
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلـــةٌ له *** إنّ الحياةَ دقـــــائقٌ وثوان
فارفعْ لنفسِكَ قبلَ موتِكَ ذكرَهَا *** فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثان
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف