خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إعمال العقل في فهم النص، للشيخ طه ممدوح، الحائز علي جائزة أفضل خطبة
خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للشيخ طه ممدوح ، بتاريخ 24 صفر 1443هـ ، الموافق 1 أكتوبر 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للشيخ طه ممدوح:
أولاً: أهمية العقل في الإسلام:
ثانياً: إعمال العقل في فهم النص:
ثالثاً: الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجاً:
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م ، بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، كما يلي:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم:( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبيناً محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلي آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين، وبعــــــــــــد:
أولاً: أهمية العقل في الإسلام:
إن الله (عز وجل) فضل الإنسان بالعقل وميزه به علي باقي المخلوقات وقد سخر كل ما في الكون خدمة لهذا الإنسان علي أن يستخدم عقله في استغلالها ليكون خليفة في الأرض يعمرها ويستخرج ثرواتها ويجلب المصالح التي يتلذذ بها في الدنيا وينعم بها في الآخرة، وذلك من خلال شرع الله الذي شرع لعباده هذا الشرع الذي لا يتحقق ولا يقوم إلا بالعقل، لأن العقل أساس التكليف.
ولقد أولي الإسلام العقل عناية كبيرة فقد نوه القرآن الكريم بشأنه في آيات كثيرة منها قوله تعالي:(وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وقوله تعالي:(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)، وقوله تعالي:(كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
يقول الغزالي(رحمه الله) عن العقل:” هو آلة الفهم، وحامل الأمانة، ومحل الخطاب والتكليف، وملاك أمور الدنيا والدين، وأنه أشرف صفات الإنسان” ويقول في موضع أخر: العقل منبع العلم ومطلعه وأساسه، والعلم يجري منه مجري الثمرة من الشجرة، والنور من الشمس، والرؤية من العين، فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة.
والعقل منة كبري ونعمة عظمي أنعم الله بها علي الإنسان وميزه به عن الحيوان، فإذا فقد الإنسان عقله أصبح كالبهيمة يساق إلي حتفه وهو لا يشعر، وينفرط عليه أمره، وتفسد عليه مصالحه، ولذلك نجد أن الله (عز وجل) قد جعل العقل مناط التكليف؛ فغير العاقل ليس بمكلف، ويؤكد ذلك قوله(صلي الله عليه وسلم):”رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتي يستيقظ وعن الصبي حتي يبلغ وعن المجنون حتي يفيق”.
وإذا كان الله (عز وجل) قد كرم الإنسان بنعمة العقل ، فكان العقل من أكبر النعم ، به يميز بين الخير والشر، والضار والنافع، به يسعد في حياته، ويأمن في آخرته، وبالعقل يكون مناط التكليف، هذا العقل الثمين، هناك من لا يعتني بأمره، ولا يحيطه بالحفظ والحماية، بل هناك من يضعه تحت قدميه، ويتبع شهوته، فتعمي بصيرته، كل هذا يبدو ظاهراً جليبً في الذي يتناول كأس خمر، أو جرعة مخدر، أو استنشاق مسكر، أو شرب مفتر يفقد الإنسان عقله؛ فينسلخ من عالم الإنسانية، ويتقمص شخصية الإجرام والفتك والفاحشة؛ فتشل الحياة، ويهدم صرح الأمة، وينسي السكران ربه، ويظلم نفسه، ويقتل إرادته، ويمزق حياءه.
ومن هنا فإن اهتمام الشرع الحنيف بنعمة العقل يتطلب من المسلم أن يحافظ عليه، وأن لا يتناول من الأشياء ما يفسده أو يعطل وظيفته أو يضره ويؤذيه، ومن أجل ذلك حرم الإسلام كل ما يضر بالعقل فجعل من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها ضرورة الحفاظ علي العقل.
وإذا كان حفظ العقل إحدى الكليات الضرورية التي أمرنا بها الإسلام، ومقصد من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فيجب علي الإنسان الحفاظ عليه من الشائعات الكاذبة والأفكار الهدامة والمتطرفة، التي تقوم ببثها الجماعات المتطرفة الضآلة في عقول الشباب، بهدف الانضمام إليها، والسمع والطاعة المطلقة لها دون أي وعي.
ثانياً: إعمال العقل في فهم النص:
لا غنى عن إعمال العقل في فهم صحيح النص وفي تطبيقاته، وفي إنزال الحكم الشرعي علي مناطه من الواقع العملي، كما أنه لا بد من إعادة قراءة النص في ضوء مستجدات العصر.
ولنأخذ نموذج لذلك: التوكل علي الله، ومن ذلك قول النبي(صلي الله عليه وسلم) للأعرابي الذي سأله عن ناقته: أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال (صلي الله عليه وسلم):”اعقلها وتوكل”، على أن التوازن بين الأخذ بالأسباب والتسليم بقضاء الله وقدره لا يقف عند حدود عقل الناقة مع حسن التوكل؛ إنما يشمل كل جوانب الحياة، فعلي الطالب أن يجتهد في مذاكرته ثم يحسن التوكل علي الله (عز وجل) في أمر نتيجته، وعلي الزارع أن يأخذ بأسباب العلم في زراعته ويحسن القيام عليها ثم يحسن التوكل علي الله في نتاجها.
وفي ظروفنا الآنية في مواجهة فيروس كورونا نقول: ارتد الكمامة وتوكل، نظف يديك وتوكل، تجنب المصافحة وتوكل، حقق التباعد الاجتماعي وتوكل, خذ بجميع الأمور الاحترازية والإجراءات العلمية والطبية وتوكل، وهكذا في سائر الأمور الحياتية، وبهذا نكون فهمنا وحققنا وطبقنا معنى قول نبينا (صلي الله عليه وسلم)”اعقلها وتوكل”.
والمتأمل في الشريعة الإسلامية يجد أنها قد حثت العلماء علي إعمال العقول بالاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، بما ييسر للناس أمور حياتهم، وتنصلح به أحوال معاشهم ومعادهم، مع الحفاظ علي ثوابت الشرع الشريف وعدم المساس بها، حيث يقول نبيناً (صلي الله عليه وسلم):” إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ، فله أجر”.
ولعل أهم فارق بين العلماء والجهلاء هو مدى فهم هؤلاء وأولئك لقضايا الحل والحرمة، والضيق والسعة، فالعالم يدرك أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة، وأن التحريم والمنع هو استثناء من الأصل، والجهلاء يجعلون الأصل في كل شيء التحريم والمنع، ويطلقون مصطلحات التحريم والتفسيق والتبديع والتكفير دون وعي، غي مدركين ما يترتب علي ذلك من آثار، وغير مفرقين بين التحريم والكراهية ولا حتى ما هو خلاف الأولى، فصعبوا علي الناس حياتهم، ونفروهم من دين الله.
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد(صلي الله عليه وسلم)، وعلي آله وصحبه أجمعين.
ثالثاً: الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجاً:
الإمام أبو حنيفة هو إمام مذهب «أهل الرأي»، وصاحب ومؤسس أول مدرسة فقهية خاصة تعتمد إلى جانب قبول النص واحترامه على إعمال الفكر واستنباط الحكم والاجتهاد في تفسير النص، ويبقى مذهبه على مر الزمان وتغير المكان وتبدل الظروف صورة حية لفاعلية الفقه الإسلامي في كل العصور.
وقد وجه أبو حنيفة معظم اهتمامه إلى الفقه وتمركز فيه، ليصبح واحداً من أعلامه في جميع الأجيال، وصار «المذهب الحنفي» هو الأوسع انتشاراً بين المسلمين المنتشرين في جميع أنحاء العالم، وكان هو المذهب المتبع في الإمبراطورية العثمانية.
وكان الإمام أبو حنيفة نفسه يقول: «إذا جاءنا الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخذناه، وإذا جاءنا عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاءنا عن التابعين زاحمناهم»، وكان يرى أن أقوال التابعين غير ملزمة، وأن له حق الاجتهاد مثلهم، فكان يقول: «قوم اجتهدوا فاجتهد كما اجتهدوا»، ويقول: «هم رجال ونحن رجال».
وكان من أهم وأفضل ابتكارات الإمام أبي حنيفة أنه كان يعرض المسائل الفقهية على العلماء من تلاميذه في حلقة الدرس، ليدلي كل بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما انقضت أيام قبل تقرير مسألة ما.
وقد راعى الإمام أبو حنيفة (رحمه الله) في مدرسته الفقهية الزمان، والمكان، وأحوال الناس، وعاداتهم ، وطبائعهم، فكان مما توسع فيه من الأدلة أدلة القياس، والاستحسان، والعرف، معتمداً في ذلك علي حديث سيدنا معاذ(رضي الله عنه)، حين قال له النبي(صلي الله عليه وسلم) لما بعثه إلي اليمن:(بم تقضي؟)، قال: بكتاب الله تعالي، قال:(فإن لم تجد؟) قال: بسنة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال:(فإن لم تجد؟) قال: أجتهد في ذلك رأيي، فقال صلي الله عليه وسلم:(الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، وغيره من الأحاديث الحاثة علي إعمال العقل في فهم النص في إطار المقاصد العامة للتشريع.
وينبغي علي الفقيه أن يلم بأحوال ومستجدات عصره، وواقع الناس وعاداتهم، وتقاليدهم؛ ليكون قادراً علي إنزال الفتوي علي مظانها، وظروف عصرها، لا علي مظان وأحوال عصور مختلفة.
اللهم فقهنا في ديننا، واحفظ مصرنا وسائر بلاد المسلمين
كتبه: الراجي عفو ربه
طه ممدوح عبد الوهاب إمام وخطيب بوزارة الأوقاف وباحث دكتوراه ، الفائز في مسابقة كتابة أفضل خطبة في إطار الحملة العالمية بالتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم رسول الإنسانية عام ٢٠٢٠م.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف