خطبة الجمعة : إعمال العقل في فهم النص، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 24 صفر 1442هـ ، الموافق 1 أكتوبر 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للدكتور محروس حفظي :
(أ) ذم الإسلام للتقليد وحثه على التفكير .
(ب) ترغيب الإسلام في إعمال العقل، وأمره بالمحافظة عليه .
(ج) المدارس العلمية تجاه النص «الإمام أبو حنيفة أنموذجاً».
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م ، بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، كما يلي:
الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد ،،،
(أ) ذم الإسلام للتقليد وحثه على التفكير:
إن العقل من أعظم المنن، وأجل النعم التي فُضل بها الإنسان على سائر المخلوقات ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً﴾ ، ولذا لو سُلب منه سقطت عنه الفرائض والأحكام مصداقاً لقول سيد الأنام في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه برقم 3432، وصححه الحاكم في مستدركه ووافقه الذهبي برقم 2350، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» .
والمتأمل في القرآن يجِد أنَّ لفظ: «العَقْل» لمْ يأتْ جامِداً، بل جاءت اشتقاقاته المختلفة؛ للدَّلالة أنَّ على المطلوب هو قيام العقل بوظائفه المتعددة من النظر والتفكر والاعتبار والاتعاظ، فورد بالصيغة الفعلية في تِسْع وأربعين آية، ولذا ذَمَّ الله التقليد الأعمى، ورفض التبعية الفكرية المبنية على الظنون والأوهام، ودعا إلى إعمال العقل فقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ﴾، وقَالَ: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾
وقد تناولت آيات التَّفكر في القرآن الأنْفس والآفاق، وامْتدت لتشمل كل ما في الكون ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ، وقال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِن ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
وقد حذَّرنا رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التَّقليد الأعمى؛ فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا» رواه الترمذي في سننه وحسنه برقم 2007، فهو لمْ يرتض للمسلمين أنْ يكونوا مُقلِّدين يسيرون وراء كل ناعق، فيكونون كالرِّيشة في مهبِّ الرِّياح تميلها حيث شاءتْ، بل عليهم أنْ يُحكِّموا عقولهم، ويميِّزوا بين ما يضرهم وما ينفعهم، وبالتالي يصبح لهم سبق إيجابي في حركة الحياة، حيث ذهبت بعض الدراسات إلى أنَّ العقل البشري لم يُستثمر منه حتى الآن إلَّا نحو15% ، مما يدفع المسلم لاكتشاف كل جديد في شتى المجالات .
(ب) ترغيب الإسلام في إعمال العقل، وأمره بالمحافظة عليه:
وقد وضع الإسلام عدة أساليب لإعمال العقل حتى ينهض من غفلته وجموده فرَسُولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخدم أسلوب العصف الذهني الذي يعتمد على إثارة ذهن السامع وعدم تلقينه المعلومة معلبة جاهزة، بل يتركه فترة يفكر ويراجع مخزونه الفكري؛ لتتهيأ نفسه للإصغاء لما يقوله لهم بعد ذلك، فعن عَبْد اللهِ بْن عُمَر، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ فَقَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا»(متفق عليه) .
وآيات التَّدبر في القرآن أكبر دعوة لإعمال العقل؛ لأن عجائبه لا تنقضي، وغرائبه لا تنتهي قال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾، ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها﴾ ، ويلاحظ أنَّ التعبير عن فعل «التَّدبر» في جميع الآيات التي وردت في القرآن قد جاءت بصِيغَة المضارع الذي يفيد التجدد والاستمرار بحيث لا يتوقف في أي زمان من الأزمنة ولا عند نمط معين من التفسير.
كما جعل الإسلام حفظ العقل أحد الكليات الست، فنهى المسلم عن تناول المحرمات والمسكرات فقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ، كما أطلق للإنسان العنان ليفكر في كل شيء إلا الغيبيات التي لا يستطيع إدراكها، وأمره بتفويض العلم فيها لله وحده، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ»، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: «تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ» . رواه الطبراني برقم 6319 ، والبيهقي في الأسماء والصفات برقم 618، وقال ابن حجر: «مَوْقُوفٌ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ» . فتح الباري 13/ 383 .
كما القرآن عالج الاضطرابات النفسية بما اشتمل على توجيهات إيمانية، تصل بقلب الإنسان إلى السكينة والوقار، وتعصمه من الشَّطط في التفكير، قَالَ تَعَالَى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً﴾ ، بل لم يقبل من الإنسان الإسلام إلا إذا كان نابعاً من القلب والعقل معاً، واعتبر إيمان المُكره لا قيمة له، قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ،﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾، وكثيراً ما يذييل أو يختم الله الآية القرآنية بقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾، ﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ ؛ ليحفز العقل البشري على ممارسة التفكير بجميع أنواعه فيما يتلى عليه من آيات وأحكام، وكذا كثر مجي الاستفهام التوبيخي والتقريعي إنكاراً على من ألغى عقله وفكره، وأمر الإنسان بالسير في الأرض والبحث فيها لأخذ العظة والعبرة من الأمم السابقة حتى لا يصير العقل متبلداً يسلم بما يسمعه فقط .
إن المستقرء لأحكام الشريعة الإسلامية يجد أنَّ النُّصوص القرآنية والنبوية محدودة، لكن مستجدات كل عصر لا تنتهي، لذا فإنَّ إنزال النُّصوص على واقع الحياة يتطلب عقلاً راجحاً، وأُفقاً واعياً؛ ولهذا فتح الإسلام باب الاجتهاد، وأمر المسلم بطلب العلم والمثابرة ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» (متفق عليه) ، وإذا كان إعمال العقل مطلوباً في كل زمان, فإنَّه في هذا العصر أشد طلباً, والحاجة ماسة إليه؛ من أجل المتغيرات التي لمْ تَكُنْ موجودة من قبل، والإسلام دين قادر على حل هذه المستجدات مصداقاً لقوله تَعَالَى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾، وقوله: ﴿مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ ، وهذا ما أكدته السنة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» . رواه أبو داود في سننه برقم 4291، وقال السخاوي: «سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ». المقاصد الحسنة ص 203 .
(ج) المدارس العلمية تجاه النص الإسلامي «الإمام أبو حنيفة أنموذجاً»:
ومما لا شك فيه أن العلماء على مر العصور قد امتثوا لأمر الله فبحثوا وفكروا واجتهدوا في أحكام الشريعة، ومن هؤلاء الإمام الأعظم (أبو حنيفة النعمان) صاحب المذهب الحنفي المشهور، والتي تمتد جذوره وأصوله إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فكان أبو حنيفة رائد مدرسة إعمال العقل في فهم النصوص بلا منازع، فلم يتقيد بقوالب وحرفية النص، بل ضم إليه مقصده وهدفه ومرماه، وهو يمثل المدرسة الوسط التي تأخذ النص ولا ترده، وتعمل النظر فيه ولا تقف عند حرفيته وتقدسه، ولا تغالي فيه وتتحلل منه مثلما يفعل بعض المثقفين .
وقد اعتمد الإمام – رحمه الله – على مبدأ القياس والاستحسان والعرف بأنواعه وغيرها من الأدلة الموجودة في كتب أصول الفقه، وعمدته قبل ذلك القرآن والسنة مصداقاً للحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وأحمد: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَقْضِي؟»، فَقَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟»، قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟»، قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ»، وهذا بخلاف ما يروج له البعض من أنه قدم القياس والرأي على النص، قال رحمه الله: «كذب والله وافترى علينا من يقول: إنا نقدم القياس – يعني الرأي – على النص – يعني الحديث – ، وهل يحتاج بعد النص إلى قياس ؟» .
لقد أخذ أبو حنيفة – رحمه الله – بمنهج تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال والعادات استنباطاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي كان يفتي الصحابة بفتاوى مختلفة مع أن السؤال واحد، فقام مذهبه على اليسر والسماحة والسهولة والبعد عن التشدد خاصة في جانب العبادات والمعاملات، ولنضرب على ذلك مثالاً يدل على تغير الفتوى بتغير الزمان: يرى أبو حنيفة – رحمه الله – أن الشهادة لا تحتاج إلى تزكية الشهود ممن يثق بهم القضاء، لقول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» رواه البيهقي في السنن الكبرى برقم 20830، وكان هذا الحكم يناسب زمانه، لكن اليوم لما فشا الكذب، وكثر التدليس كان لا بد من التزكية، ولذلك اشترطها«الصاحبان» لما عالجا شئون الناس في القضاء.
هذه مدرسة (أبو حنيفة النعمان) التي اعملت العقل في فهم النص فاستنبطت منه يخدم الناس إلى يومنا هذا، بخلاف مدارس قائمة على ظاهر النص دون مراعاة فقه الواقع وفقه الأولويات وفقه المآلات وفقه السنن الكونية … الخ، فنتج عن ذلك ما تراه من التطرف والغلو والتنطع، وتنفير الناس من الإسلام، واتهامه بالرجعية والتخلف والتقاعس عن ركب الحضارة والتنمية، مع أن هذا ينافي تعاليم ديننا جملة وتفصيلاً .
نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا بالفهم والفقه، وأن يجنبا الخطأ والزلل، وأن يستعملنا في خدمة ديننا وطننا، وأن يحفظ مصرنا وسائر بلاد العالمين من كل سوء ومكروه، وأن يوفق ولاة أُمورنا لما فيه نفع البلاد والعباد، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
الدعاء ،،، وأقم الصلاة ،،،
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف