أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

النبي القدوة في بيته وحياته خطبة الجمعة للدكتور محروس حفظي

النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته خطبة الجمعة للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 8 ربيع الأول 1443هـ ، الموافق 15 أكتوبر 2021م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 أكتوبر 2021م بصيغة word بعنوان : “النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته” ، للدكتور محروس حفظي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 أكتوبر 2021م بصيغة pdf بعنوان : “النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته”، للدكتور محروس حفظي

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 أكتوبر 2021م بعنوان : “النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته” ، للدكتور محروس حفظي :

 

(أ) حالُ العالمِ قبلَ ميلادِ النَّبِيٍّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

(ب) قبسٌ من الجوانبِ الإنسانيةِ في حياةِ خيرِ البريةِ .

(ج) مشروعيةُ الاحتفالِ بالمولدِ النبويِّ .

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 أكتوبر 2021م ، بعنوان :  “النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته” ، كما يلي:

النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته خطبة الجمعة للدكتور محروس حفظي

 

الحمدُ للهِ حمداً يوافي نعمَهُ، ويكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنا محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، أما بعدُ ،،،

النبي القدوة في بيته وحياته:

(أ) حالُ العالمِ قبلَ ميلادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لقد كان العالمُ قبلَ ميلادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينقسمُ إلى دولتين دولةُ الرومِ في الغربِ ودولةُ الفرسِ في الشرقِ، وكانت كلُّ واحدةٍ منهما تملكُ نصفَ العالمِ، وكان البشرُ – ومنهم العربُ – يعيشون حالةً من الفوضَى والاضطرابِ واللامبالاةِ في كلِّ شؤونِ حياتِهم الدينيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ … الخ، فامتنَّ اللهُ تعالى على عبادِه ببعثتِه، وميلادِ أمتِه، قال تعالى: ﴿قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ﴾، وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ويصورُ سيدُنا جعفرُ بن أبي طالبٍ حالَ الأمةِ قبل بعثتهِ تصويراً حقيقياً حينما وقفَ خطيباً أمامَ النجاشيِّ قائلاً: «أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ؛ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيف»([1]) .

لقد شاءتْ الإرادةُ الإلهيةُ منذُ الأزلِ أنْ يصطفِي من خلقهِ نبيَّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهيأ له الأسبابَ، واختارَ له الوعاءَ الذي جاء منه، والمكانَ الذي نشأ فيه، فلم يُصبْهُ شيءٌ مما كان منتشِراً في زمانهِ من اللهو واللعبِ والعاداتِ والتقاليدِ التي أبطلَها الإ سلامُ ببعثتهِ، وهذا ما صرح به في أكثرِ من حديثٍ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ لَمْ يُصِبْنِي سِفَاحُ الْجَاهِلِيَّةِ»([2])، وعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَبِي مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي آمِنَةَ الَّتِي رَأَتْ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ، وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ لَهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّامِ([3])، وصدق القائلُ:

يا مصطفى من قبل نشأةِ آدمِ .. والكونُ لم يفتحْ له اغلاقُ

أيروم مخلوقٌ ثناءَك .. بعدما أثنى على أخلاقك الخلاقُ

لقد كان ميلادُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمةً بالخلائقِ كلِّهم، حيثُ عمَّ الوجودَ بالأمن والأمانِ، والسلمِ والسلامِ، فأَمِنَ البشرُ من العذاب والخسفِ، وما كان يصيبُ الأممُ السابقةُ جزاءَ تكذِيبهم رسولَهم، قال تعالى: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وقال: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾، وأبو لهبٍ عمُّ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أعتقَ ثويبةَ حين بشرتْهُ بمولدِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخففُ عنه العذابُ يومَ الإثنينِ([4])؛ لفرحهِ بميلادِ سيدِّ الكونين من عربٍ وعجمٍ، وقد نظمَ شمسُ الدين محمد بن ناصر الدمشقي فى هذا المعنى شعراً، قال فيه:

إذا كان هذا كافرا جاء ذمُّه … وتبت يداهُ فى الجحيمِ مخلدا

أتى أنه فى يوم الاثنينِ دائما … يخففُ عنه للسرورِ بأحمدا

فما الظنُّ بالعبد الذي عاش عمرَه … بأحمدَ مسرورا ومات موحدا

(ب) قبسٌ من الجوانبِ الإنسانيةِ في حياةِ خير البريةِ:

قلبْ ما شئتَ من صفحاتِ التاريخِ قديماً وحديثاً لم ولن تجد أيَّ إنسانٍ كرَّمَ الإنسانَ مثلما فعلَ سيدُ الأولين والأخرين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحق أنْ يكون أعظمَ شخصيةٍ خلدها التاريخُ البشريُّ على مر العصورِ، وتوالي الدهورِ كما قال الكاتبُ الأمريكيُّ «مايكل هارت» في كتابهِ: «الخالدون مائةٌ أعظمُهم محمد»، حيث أعلناها صراحةً أنّ الشخصَ الوحيدَ الذي نجحَ على المستوى الماديِّ والمعنويٍّ هو سيدُنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذا بدأ به كتابَه، والحقُّ ما شهدتْ به الأعداءُ، فهيا أقبل وهلم نرتشفُ ونغترفُ من أنوار حياتهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنتأخذَها قدوةً وأسوةً في حياتِنا المعاصرةِ:

احترامُ الإنسانِ:

لقد كَرَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الإنسانَ من حيث إنه إنسانٌ بغضِّ النظرِ عن لونهِ وجنسهِ وعرقهِ، وساوى بين الناسِ جميعًا في أصلِ الخِلقةِ، فلا فضلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أعجَمِيٍّ إلا بالتقوى. والمتأملُ في سيرتهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجد أنّ مظاهرَ تكريمِه للإنسانِ أكثرَ من أنْ تُحصى حتى في حالِ الموتِ، فعن سَهْلِ بْن حُنَيْفٍ، وَقَيْسِ بْن سَعْدٍ: «كانا قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا»([5])، وتعامُلِه مع مخالفِيه في العقيدةِ أثناءَ إقامتهِ في المدينةِ أعظم شاهدٍ على ذلك، حيث أسسِ أعظمَ دولةٍ مدنيةٍ عرفها البشرُ.

يقول الشاعرُ الفرنسيُّ “لا مارتين”: «أعظمُ حدثٍ في حياتي هو أنني درستُ حياةَ رسولِ الله محمدٍ دراسةً واعيةً، وأدركتُ ما فيها من عظمةٍ وخلودٍ، ومن ذا الذي يجرؤٌ على تشبيهِ رجلٍ من رجالِ التاريخِ بمحمدٍ ؟! ومن هو الرجلُ الذي ظهرَ أعظمَ منه عند النظرِ إلى جميع المقاييسِ التي تُقاسُ بها عظمة الإنسانِ» .

تعامُله مع أهل بيتهِ: لقد تعاملَ مع أهل بيتهِ بكل رحمةٍ وسهولةٍ وبساطةٍ، فلم يُؤثرْ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه آذى امرأةً أو شقَّ عليهن، ويكفي أن نتأمَّلَ بعضَ مواقفهِ: «اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ – ابنته- عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ أَلا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنْ الرجُلِ ؟، قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمَا قَدْ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلانِي في سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي في حَرْبِكُمَا فَقَالَ النبي: قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا»([6])، فها هي رحمتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فاقتْ رحمةَ الأبِ، فأبو عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- هو أبو بكرٍ الصديق- أراد أن يعاقبَها على خطئِها، ولكن لرحمته بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجزَ عنها أباهَا! .

كما كان يقومُ بخدمةِ ورعايةِ أهلِ بيتهِ، سُئلت عَائِشَةُ: «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ»([7]) .

وأحيانًا تخطئُ زوجتُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطأً كبيرًا، ويكون هذا الخطأُ أمامَ الناسِ، وقد يسببُ ذلك الإحراجَ له، ومع ذلك فمن رحمتِه يُقدِّرُ موقفَها، ويرحمُ ضعفَها، ويعذرُ غيرتَها، ولا ينفعلُ أو يتجاوزُ، إنما يتساهلُ ويعفُو، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ – أَظُنُّهَا عَائِشَةَ – فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ لَهَا بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، قَالَ: فَضَرَبَتِ الْأُخْرَى بِيَدِ الْخَادِمِ، فَكُسِرَتِ الْقَصْعَةُ بِنِصْفَيْنِ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ، قَالَ: وَأَخَذَ الْكَسْرَيْنِ فَضَمَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، فَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ، ثُمَّ قَالَ: كُلُوا فَأَكَلُوا وَحَبَسَ الرَّسُولَ، وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ إِلَى الرَّسُولِ قَصْعَةً أُخْرَى، وَتَرَكَ الْمَكْسُورَةَ مَكَانَهَا»([8]) ، لقد أخذ رَسُولُ اللَّهِ هذا الموقفَ ببساطةٍ، وجمع الطعامَ من على الأرض، وقد عللَّ غضبَ زوجتهِ بالغيرةِ، ولم ينسَ أن يرفعَ قدرَها، فأيُّ رحمةٍ هذه التي كانت في قلبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ماذا لو حدثَ هذا في زمانِنَا اليوم هذا الموقف ؟ ماذا كان يفعلُ الزوجُ ؟ وما هو أقلُّ تصرفٍ كان سيحدثُ.

إنسانيتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشريع لأمته:

إنّ المتأملَ في التشريعات التي جاءت على لسان خيرِ البشرِ، ليلمسَ فيها اليسرُ والسهولةُ والرفقُ والرحمةُ، والجانبُ الإنسانيُّ الذي يقدرُ إنسانيةَ المسلمِ، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ ، ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا»([9]) ، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ فِي أَمْرٍ يُنْتَهَكُ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حُرْمَةٌ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»([10]) .

وها هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرسِي لأمَّتهِ مبدأَ اليسرِ والسهولةِ الذي يتماشى مع إنسانيةِ المسلمِ، فيأمرُ أصحابَهُ بعدم الوصالِ في الصيام؛ كراهية المشقةِ عليهم، وعندما رأى حبلًا ممدودًا أمرَ بحلِّه، وأمرَ أمَّتَه ألا تتكلفَ من العمل إلا ما تُطيقُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى حَبْلًا مَمْدُودًا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الْحَبْلُ؟» فَقَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ»([11]) وفي موقفٍ آخر يسمعُ بكاءَ الصبيِّ فيخفف في صلاتهِ كراهيةَ أنْ يشقَّ على أمهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ الصَّلَاةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ»([12]) .

هذه بعضُ النماذجِ التي سلكَها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تشريعاتِه بخلافِ ما يتبناهُ دعاةُ التشددِ والتنطعِ مما يؤثرُ سلبلاً على حراك الدعوةِ إلى الله، وتنفيرِ الشبابِ من الالتزام مخافةَ عدمِ القدرةِ على الاتيانِ بما يفرضُه هؤلاء عليهم، فاللهُ حدَّ حدوداً، وحرم أشياءً يجبُ على المسلم الابتعادَ عنها كاملةً، أما غيرُ ذلك فليأتِ المسلمُ منه ما استطاعَ، وعلى قدر طاقتهِ وقوتهِ .

إنسانيتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشاعرهِ (النبي القدوة):

لقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشاركُ الناسَ مشاعرَهُم وهمومَهم وآلامَهم وآمالًهم، فيفرحُ ويظهرُ الفرحَ عند المسرَّاتِ، ويظهرُ مشاعرَ الحزنِ والأسى والبكاءِ عند الآلامِ، ولم يكن من هَدْيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العبوسُ والتكشيرُ، وإنما كان بسَّامًا، فها هو وجهُه الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستنيرُ مِن الفرحِ والسرورِ، عندما تاب اللهُ على الثلاثةِ المخلَّفين عن غزوةِ تبوك، قَالَ كَعْبٌ: «فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ قَالَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ قَالَ: لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ” قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ»([13]) .

أما عن مشاعرِه الرقيقةِ عند الحزنِ، فقد كانت تدمعُ عيناهٌ، ويبكي لفراقِ الأهلِ والأصحابِ بكاءَ رحمةٍ ورفقٍ، لا بكاءَ ضجرٍ وتسخطٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَلَّبَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: «يَابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُنُونَ»([14]) .

هذه بعضُ المواقفِ التي جسدتْ مشاعرَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تجاه البشرِ، بخلاف ما عليه بعضُ الناسِ اليوم عندما يسمعُ بمصيبةٍ ألمَّتْ بأخيه المسلمِ فضلاً عن أخيه من لحمهِ ودمهِ، وما يظهرُه من فرحٍ وسرورٍ وشماتةٍ، تتجسدُ على وجههِ، وتظهرُ على فلتاتِ لسانهِ، وعلى العكس عندما يرزقُ بنعمةٍ ما عندئذٍ ترى الوجوهَ قد عبستْ، والألسنةَ قد عُقدتْ، والمشاعرَ قد تبلدتْ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .

(ج) مشروعيةُ الاحتفالِ بالمولد النبوي:

لقد كثرتْ وفاضتْ الأدلةُ في جواز الاحتفالِ بميلاد سيد الكائناتِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأجازهُ سادتُنَا أهلُ العلمِ قديماً وحديثاً كالحافظِ ابن دحية، والحافظِ العراقيِّ، والسخاويِّ، والمناويِّ، وابن الجوزيِّ، والسيوطيِّ، وابن حجرٍ الهيتميِّ، والشيخ بخيت المطيعيّ، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي المالكي وغيرهم، بل ألَّفُوا فيه مؤلفاتٍ لا تحصى .

إنّ القرآنَ الكريمَ أمرنا بالفرحِ بالرحمةِ فقال: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، ورسولُنا أعظمُ رحمةٍ للعالمين، وقد ورد عن حبر الأُمةِ وترجمانِ القرآنِ ابْن عَبَّاسٍ أنه قال: فَضْلُ اللَّهِ: الْقُرْآن، وَرَحْمَتُه: رسولُ الله، فالفرحُ به مطلوبٌ في كل وقتٍ وفي كل نعمةٍ، وعند كل فضلٍ، ولكنه يتأكدُ في كل يومِ اثنين وفي كل عامٍ في شهر ربيعٍ الأول لقوةِ المناسبةِ وملاحظةِ الوقتِ.

 لقد نصّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يومَ ميلاده له مزيةٌ على بقيةِ الأيام، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَوْمِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: صَوْمُ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ – أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ – »([15])، فالمؤمنُ يطمعُ في تعظيمِ أجرهِ بموافقتهِ ليومٍ فيه بركةٌ، وتفضيلُ العملِ بمصادفتهِ لأوقاتِ الامتنانِ الإلهيِ معلومٌ قطعاً من الشريعة، ولذا فالاحتفالُ بذلك اليوم، وشكرُ اللهِ على نعمتهِ علينا بميلادهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجودهِ بين أظهرِنا مما تقرهُ الأصولُ، ولا تأباه العقولُ .

 ولما قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ»([16])، وكذلك من أيامِ اللهِ على أهلِ الأرضِ مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي رفعَ اللهُ به عن البشريةِ الجهلَ والظلامَ والضلالةَ .

فما أحوجنَا في هذا العصرِ إلى إحياءِ القيمِ النبويةِ في نفوس أبنائِنا وبناتِنا، لنحي حياةً كريمةً في دنيانا، ونفوز بجنةٍ عرضُها كعرضِ السماءِ والأرضِ يوم القيامة، وصدق القائلُ:

ومــــمــــــا زادني فـــخراً وتـيــهـــــــاً…. وكــــــدتُ بأخمـــــــصي أطأُ الـثريا

دخولي تحت قولِك يا عبادي…. وأن صـيَّرتَ أحــمدَ لي نـبيــا

نسأل اللهَ جل وعلا أن يرزقنَا حبَّ نبيِّنا، وأن يحشرنَا في زمرته يوم العرضِ عليه، وألا يحرمَنا شفاعَته، وأن يستعملَنا في خدمة دينِنا وطنِنا، وأن يحفظَ بلادَنا، وأن يوفقَ ولاةَ أُمورِنا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ .

الدعاء ،،،                                                                   وأقم الصلاةَ ،،،

كتب النبي القدوة : الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف

( ([1]حديث صحيح: رواه أحمد في المسند برقم1740، والهيثمي في مجمع الزوائد برقم 9842، وقال: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ إِسْحَاقَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ .

( ([2]ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 318)، وعزاه للعدني في مسنده, والطبراني في الأوسط, وأبي نعيم وابن عساكر، وقال ابن كثير: هذا مرسل جيد. اهـ.

( ([3]حديث صحيح: رواه أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك برقم 3566 وصححه، ووافقه الذهبي .

( ([4]أخرجه الإمام البخاري فى كتاب النكاح، باب ﴿وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ برقم 5101 معلقلاً عن عن عروة بن الزبير .

( ([5](متفق عليه) .

( ([6]حديث صحيح: رواه أبو داود في سننه برقم (4999) ، وأحمد في “مسنده” برقم (18394) .

( ([7]حديث صحيح: رواه ابن حبان في صحيحه برقم (5677) ، والبيهقي في دلائل النبوة، والبخاري في “الأدب المفرد” برقم (539) ، وأبو يعلى برقم (4876) .

( ([8]حديث صحيح: رواه البخاري برقم (2481) .

( ([9](متفق عليه) .

( ([10]حديث صحيح: رواه أبو داود في سننه برقم (4785) ، وأحمد في “مسنده” برقم (24846) .

( ([11]حديث صحيح: رواه البخاري برقم (1150) .

( ([12](متفق عليه) .

( ([13](متفق عليه) .

( ([14]حديث صحيح: رواه البخاري برقم (1303) .

( ([15]حديث صحيح: رواه مسلم برقم (1162) .

( ([16](متفق عليه) .

 

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »