أحمد نورالدين يحاور المفكر الإسلامي والمصلح الاجتماعي الكبير الدكتور حامد طاهر فى حوار شاف شامل :
– إعداد المجتمع المصرى لا يبدأ من فراغ وعشوائية .. وهذه روشتى لإعادته للحياة
– من ألزم لوازم نهضة و ادارة البلد .. قائد حكيم.. محبوب من شعبه.. يدفعهم الى العمل .. يحسن اختيار معاونيه ووزرائه
– لإحداث التوازن فى نفوس الأجيال الجديدة وجود قوانين تتمشى بصورة طبيعية ومنطقية مع تعاليم دينهم
– هذه أهم المشكلات التى تعانى منها مصر..
– أتساءل .. اين العقول المتميزة والعباقرة التى اخرجها هذا التعليم على مدى قرنين من الزمان ؟
– الجامعات الخاصة والأجنبية يهتمون كثيرا باللغات الأجنبية لكنهم يغفلون المقررات المكونة للهوية العربية
– العامل الذي يكد بيديه أساس النهضة، والعالم الغربي يقدر كثيرا المزارع والميكانيكي والسباك وأصحاب المهارات المختلفة
– حوار الأديان فاشل .. و التعايش مع الحضارة الغربية الحديثة ضرورة لعقد مواجهة فكرية وتاريخية معهم
– التعليم المصرى من المشكلات المزمنة المسكوت عنها والمرضى عن استمرارها فى كل العهود
– النهضة ليست عملا عشوائيا او حلما من احلام اليقظة, وانما تخطيط وعمل وجهد يواصل الليل بالنهار
– هذه دعائم ومرتكزات هويتنا العربية الخمسة .. و تتعرض الآن لعواصف ومؤثرات أجنبية
– يستطيع الإعلام العربى دعم هويتنا العربية ، وتأكيد ثوابتها فى نفوس الأجيال الناشئة.. ولكن !
– دار العلوم ليست مجرد كلية جامعية .. وتمضى وسط الوادى كما يسير نهر النيل بطيئا، ولكنه متجدد .
– رحلاتى وسفرياتى كانت لدول عديدة وأملى ان تطبق نهضتهم بمصر.. وهؤلاء من تعلمت منهم
حاوره – أحمد نور الدين :
يمثل الآن بفكره وأطروحاته الاصلاحية.. حالة فريدة من المصلح الاجتماعى الذي يحاول كشف المخبآت.. ودفع الستار عن المعايب التي ألمت بجسد أُمتهِ للتخلص من أسباب تَخَلُّفِها .. والأخذِ بما يؤهلها للتقدم والنهضة وعلاج ما آل إليه حال المصريين من تدهور وانحطاط شمل كل مجالات حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية .. وتؤدي به إلى الهلاك.. خبرته العلمية والفكرية والحياتية وتواصله مع المفكرين الغربيين.. واستقلاله الفكري دون تحيز لأي حزب أو جماعة .. وجمعه للثقافتين العربية والأجنبية.. وما يراه ويرصده من حال امتنا الاسلامية والعربية والمصرية .. جعله يخرج ما فى جعبته من افكار اصلاحية ترسم خريطة دقيقة لمشكلات مصر وسبل علاجها.. ويمكن أن ترتقى بها إلى الأفضل فى حاضرها ومستقبلها شريطة الأخذ بها .. ولأصبحنا في مصاف الدول المتقدمة اخلاقيا وتكنولوجيا .. له موقع موسوعى أخلاقي أدبى ثقافى دينى إصلاحي.. يقارب التسعمائة ألف زائر .. يحوى فيه خلاصة تجاربه وافكاره الاصلاحية العلاجية الغيورة .. مازال عطاؤه وفكره نهرا متدفقا.. نأمل ان تشرب وترتوى منه أمتنا لتشفى وتعافى مما هى به.. انه المفكر الإسلامي والمصلح الاجتماعى الكبير فضيلة الدكتور حامد طاهر استاذ الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم نائب رئيس جامعة القاهرة الاسبق المرشح المحتمل السابق لرئاسة الجمهورية الذى نحاوره لنخرج بعض ما عنده من افكار اصلاحية .. والى سطور الحوار .
** بداية .. ما اهم المشكلات التى تعانى منها مصر فى رأيكم ؟ وكيف الحل ؟
* إذا حاولنا استعراض أهم المشكلات التى تعانى منها مصر المعاصرة ، أمكننا أن نشير فى مقدمتها إلى العشر التالية : مشكلة السكن , انقطاع الكهرباء, انقطاع وتلوث المياه, التلوث الغذائى , القمامة , المرور والمواصلات , الترهل الحكومى, الدعم, غياب الرؤية السياسية, غياب الرؤية الاقتصادية , أما المشكلات التى تفاقمت ، وتحولت بسبب الإهمال واللامبالاة إلى أزمات ، فهى الخمس التالية : أزمة البطالة, العنوسة, التعليم, الصحة , الأمية, ولا يكاد يوجد بلد فى العالم إلا وقد مر بمشكلات وأزمات مماثلة ، ولعلها أشد من ذلك, لكن الذى يميز بلدا عن آخر، أو مجموعة بلاد عن أخرى هو القدرة على حل مشكلاتها، وتجاوز أزماتها، من خلال تحديدها ، ثم تصنيفها إلى الأهم فالمهم فالأقل أهمية تبعا لتأثيرها فى حياة الناس ، وأخيرا تحليل المشكلة أو الأزمة إلى عناصرها الأولية، والقيام بعد ذلك بوضع الحلول المناسبة أولا لكل عنصر على حدة ، ثم لها كلها فى مجموعها .
** وكيف نقوم بإعداد مجتمعنا المصرى للحياة الحقيقية فى نظركم ؟
* إعداد المجتمع المصرى للحياة لا يبدأ من فراغ ولا بصورة عشوائية ، وإنما من تلبية الحاجات الثلاث الضرورية للإنسان ، وهي المأكل والملبس والمسكن ، وليس المقصود بالطبع مجرد توفيرها وإنما الارتقاء بها إلي أفضل نحو ممكن, فلا بد أن يخلو المأكل من التلوث ، والملبس من الإضرار ، والمسكن من العشوائية, ويكفي أن يلقي المسافر بالطائرة نظرة من الجو علي أي مدينة أوربية أو آسيوية حاليا ليشاهد دقة التخطيط ، وجمال التنظيم ، من خلال مجمعات المساكن المتناسقة ، والطرق الرئيسية والفرعية التي تتخللها ،بالإضافة طبعا إلي حدائق المنازل ، والأشجار التي تحيط بها ، وإشارات المرور التي تضبط حركة المرور فيها, ومن المؤكد أن هذا كله لم يأت من فراغ ، بل إنه يخضع بكل دقة لتخطيط جيد ، وتنفيذ كفء ، ومتابعة يقظة ، وصيانة مستمرة ، بالإضافة إلي قانون صارم يعاقب كل خارج على هذا النظام ، فلا يتصور أبدا أن يتجرأ أحد على تعلية مبنى أطول من المبانى المجاورة ، أو يشغل الرصيف أمام منزله بسلسلة تعوق حركة المشاه وهذا مجرد مثال, لكنه يعبر عن أن إعداد المجتمع للحياة يبدأ وينتهى بإعمال العقل فى دراسة البيئة ، وحل مشكلاتها ، وعدم إضاعة الوقت والجهد فى جدليات فارغة ، ودوران لا نهاية له حول أمور لا تقدم فى كل يوم شيئا مفيدا لحياة الانسان, ولعلنا الآن في غير حاجة إلي أن نؤكد علي أن إعداد المجتمع للحياة لا يتناقض فقط مع الجهل والإهمال واللامبالاة ، وإنما أيضا مع التعصب والتطرف والإرهاب, ومن الطبيعي ألا يتعايش البناء مع الهدم ، ولا النظام مع الفوضي ، ولا الجمال مع القبح والخراب, ولابد أن تتناسق وتتعاون القوانين في الدولة مع ثقافة المجتمع وسلوكه الطوعي ، وإيمانه بأن الحياة لا تستقيم إلا بأكبر قدر من الالتزام ، وعدم تغليب المصلحة الشخصية للفرد علي الصالح العام للمجتمع الذي يعيش فيه ،والذي يجري إعداده أيضا لاستقبال أجيال جديدة من الأبناء والأحفاد من بعده .
** هل تعد فضيلتكم نهضة بلادنا ومجتمعنا دربا من دروب المستحيل كما يراه الكثيرون منا ؟
*مطلقا فالنهضة ليست عملا عشوائيا , او حلما من احلام اليقظة, وانما هى تخطيط وعمل وجهد يواصل الليل بالنهار, انها عملية بناء مستمر, وكلما انتهت مرحلة من البناء لابد ان تجرى عملية تقييم لها, قبل ان تبدأ المرحلة التالية, وبذلك نضمن ان البناء يعلو ويتصاعد على اسس صحيحة ، وليس على دعائم معطوبة, كذلك فان النهضة ليست ابدا عملا فرديا , وانما هى عمل مجموعات, وكل مجموعة من العلماء والباحثين لابد ان يكون هناك تنسيق كامل بين افرادها, كما ينبغى ان يوجد تنسيق بينها كمجموعة وبين المجموعات الاخرى, وبالطبع ذلك يتطلب ادارة واعية وحازمة , واعية بوضع كل فرد فى مكانه المناسب تماما, وحازمه فى دفع العمل المشترك بين هذه المجموعات دائما الى الامام, وهنا لا مجال للتهاون ولا للتراخى, كما لا يوجد مجال للمجاملة و المحسوبية.
** وهل يمكن لأصحاب الحرف والمهن اليدوية ان يكون لهم دور فى هذه النهضة المنشودة ؟
* نعم بالطبع, فأصحاب السواعد التى يقوم بمجهدوهم اليدوى و العضلى والمهارى هم البنيان المادى للنهضة فهؤلاء ينبغى ان يتم اعدادهم, وتأهيلهم, وتدربيهم على مختلف المهن والحرف والصناعات التى تتطلبها النهضة, وقد كان لدينا فى مصر تصورعن تكون هذه الكوادر حين تم انشاء المعاهد الفنية, التى توزعت على ثلاث تخصصات تجارى وصناعى وزراعى ,ويلتحق بها التلاميذ مكانه بعد الحصول على شهادة الاعدادية بأي مجموع متدن ، والمتخرج منها يحصل على عمل بأجر ايضا متدن ، ويظل دون تطوير مهاراته, أو فتح أبواب الترقى أمامه, لقد كانت الفكرة فى حد ذاتها جيدة, لكنها فشلت فشلا ذريعا عند التطبيق, وساعد على فشلها نظرة المجتمع الى خريجيها بقدر كبير من الدونية عكس النظرة الى خريجى الجامعات, ولو كانت الامور مستقيمة كما فى الدول المتقدمة لأخذنا فى تطوير هذه المعاهد , وارتقينا بالمستوى الاجتماعى لخريجيها فان من يعمل بيده لا يقل فى المكانة عمن يعمل بعقله او بقلمه , لأنه هو الذى يرفع لبنات التقدم المادى فى المجتمع, وبالتالى فلابد ان يتساوى فى الاجر والتقدير ، ان لم يتقدم حتى على خريجى الجامعة , الذين يعملون موظفين فى المكاتب !
** وما آليات وأطر قيام تلك النهضة ببلادنا فضيلتكم؟
* قيام النهضة على دعامتى العقل واليد هو الذى ميز كل النهضات التى حدثت فى كل انحاء العالم, وبدون الاعتماد عليهما معا(العقل للتخطيط واليد للتنفيذ) لا يمكن لأى نهضة ان تنجح, او تستمر بعد نجاحها, اما المبادئ التى ينبغى ان تسود المجتمع فى فترة النهضة , فيمكن بل ينبغى استمدادها من قول الرسول ، صلى الله عليه وسلم: ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه . ومن القول الماثور فى الثقافة العربية” قيمة كل امرئ ما يحسن” ومن الامور المقررة فى العمل و الادارة ان أى انسان لا يمكن ان يتقن و يبدع فى عمله الا اذا احبه , بل تجاوز حبه له مستوى العشق , أما الذين يؤدون اعمالهم على اساس الروتين المتكرر, أوالوظيفة المفروضة عليهم فانهم يظلون فى اماكنهم ,كما ان عملهم يتجمد ثم يتدهور بمرور الوقت وينتهى الى ما نشاهده من تخلف وفساد .
ومن ألزم لوازم النهضة ان تكون ادارة البلد فى أيدى قائد حكيم, محبوب من شعبه, حتى يستطيع ان يدفعهم لا الى العمل فقط بل والى التضحية أيضا , وهذا القائد لابد ان يحسن اختيار معاونيه ووزرائه على اساس الكفاءة الخالصة وليس باى اعتبار اخر، كما ان على هؤلاء جميعا ان يكون كل منهم قدوة فى مجاله , وان يدرك جيدا ان مسئوليته مضاعفة أمام قائده من ناحية ,وامام الشعب من ناحية اخرى, ولذلك ينبغى ألا يقع فى أى خطا, أو يرتكب اى مخالفة, لان كلا منهما يؤثر سلبا على روح العمل والانتاج لدى العاملين فى مجال النهضة .
** كيف تنظر فضيلتكم لمشكلة التعليم المزمنة في مصر ؟
* انظر اليه فى ضعف التعليم او انعدامه ، وكل منهما انتهى الى ان يدخل الشعب المصري القرن الحادى والعشرين بنسبة 40% من الامية واكبر منها فى الريف ، كذلك فان نوعية التعليم التى قدمت للشعب المصرى حتى اليوم لا تضاهى ابدا ما يقدم للشعوب المتقدمة فى العالم , ومشكلة التعليم المصرى من المشكلات المزمنة ، المسكوت عنها ، بل اننى اكاد اقول انها من المرضى عن استمرارها فى كل العهود ! والدليل على ذلك انه منذ قيام على مبارك بتحديث شكل التعليم فى مصر على غرار ما راه فى فرنسا خلال القرن التاسع عشر، فان مناهج التعليم ومقرراته واهدافه لم تتقد م بنفس المعدلات التى تقدم بها التعليم فى البلاد المتقدمة, والعجيب اننا عندما نقول ذلك يغضب التربويون المصريون ويؤكدون بان لدينا استراتيجيات وخططا ومناهج وحاسبات, لكن السؤال هو : ماذا يقدم هذا التعليم للوطن ؟ وبماذا ينفع الافراد ؟ وهل يوصلهم الى غاية ابعد من الحصول على وظيفة حكومية ؟ ثم اين العقول المتميزة والعباقرة التى اخرجها هذا التعليم على مدى قرنين من الزمان ؟ ان عبقريا واحدا يمكنه ان يختصر على وطنه عشرات بل مئات السنين من الجهد الشاق والعمل المضنى ، وذلك حين يخترع او يكتشف شيئا او اسلوبا جديدا فى العمل والانتاج, ومازلنا نجد التلميذ المصرى يتلقى فى المدرسة بعض الحقائق ، وحين يعود الى البيت يجده غارقا فى الخرافات والمعتقدات الشعبية التى تتعارض مع تلك الحقائق ، لذلك يصبح على هذا التلميذ المسكين ان يجمع فى عقله بين الحقيقة والخرافة حتى يستطيع ان يتأقلم فى البيئة التى يعيش فيها.
** لكن أليس التعليم الخاص والأجنبى أفضل حالا ؟
* فى المدارس والجامعات الخاصة والأجنبية يهتمون كثيرا باللغات الأجنبية التى تدخل الطالب مباشرة فى قلب العالم المعاصر ، لكنهم يكادون يغفلون المقررات الدراسية التى تكون الهوية العربية، وتؤكد على جوانب الأصالة الثلاثة ، الدين واللغة العربية والتاريخ العربى, وقد تكون هذه الجوانب موجودة – على نحو ما – فى التعليم الحكومى ، لكنها تفتقد روح المعاصرة ,وبذلك فإننا أمام مشكلة ذات وجهين ,تعليم حكومى متخلف, توجد فيه بعض عناصر الأصالة ، وتعليم خاص وأجنبى متطور لكنه يكاد يخلو من الأصالة, وهذا الوضع الحالى هو الذى يخرج لنا – مع الأسف – آلاف الخريجين المنقسمين فى المجتمع إلى فئتين متباينتين, إحداهما تعيش فى الماضى ولا تعـايش الحاضـر ، والثانية تعيش فى الحاضر لكنها بعيدة تماما عن أصالة الماضى .
** لماذا كتبت اذن “هل تريدون حقا إصلاح التعليم” ؟وماذا تقصد من سؤالك؟
* كتبته لأن إصلاح التعليم كان يستلزم إرادة سياسية وهي لم تكن موفرة ، والحقيقة أنني سأستعين بالمثل الصيني مرة أخرى ربما لأن تعداد سكانها تخطى المليار بنحو 300 مليون نسمة، ونحن تعدادنا 80 مليون أو يزيد قليلا، لكنهم لا يوجد بأعرق جامعاتهم وهي جامعة بكين سوى 40 ألف طالب، ونحن نكدس بجامعة القاهرة 285 ألف طالب، بالطبع هذه الأرقام ارتفعت كثيرا فقد عقدت المقارنة منذ سنوات , وبدون تفاعل حقيقي بين الطالب والمعلم فلا نهضة بالتعليم، وكيف سيجري التفاعل إذا كانت الفصول وقاعات المحاضرات مكدسة تماما؟! بالطبع ستسأل وماذا سنفعل في الملايين المتبقية، والحل ببساطة , مزيد من المدارس، مزيد من الجامعات ، وجودة تعليم عالية .
** و لماذا تركزون على التعليم الفني ؟
* لأننا نحتاج لخريجيه أكثر مما نحتاج للتعليم الأساسي، فالعامل الذي يكد بيديه هو أساس النهضة، والعالم الغربي يقدر كثيرا المزارع والميكانيكي والسباك وأصحاب المهارات المختلفة، فلماذا لا نرفع من تدريب الكادر الفني الصناعي والزراعي والتجاري ونرسل معلميهم بعثات للخارج، حتى لا نجد مشكلاتنا المتفاقمة ومن شواهدها تسريبات المياه من دورات المياه بكافة الأبراج السكنية لعجزنا الفني ، لماذا لا نرسل مثلا لحل تلك المشكلة بعثات متخصصة لسنغافورة وتايلاند ولديهما الخبرة المطلوبة, وأنا من الذين يشجعون أن يخرج إبن الفلاح فلاحا، أو مهندسا زراعيا حتى يرعى الأرض التي سيرثها ، وأحب كثيرا أبناء دمياط حين يخرج الإبن للخارج ويتعلم كيف ينمي مجال تجارة أبيه بالحلويات أو الأثاث ويعود بالفعل بعد أشهر ويطورها، وهو يسلك بالجامعة أيضا المجال التعليمي الذي ينمي قدراته في سوق العمل وهذا هو الفكر الذي يبني الأمم .
** في نظركم ما هى دعائم هويتنا العربية ؟ وكيف ننميها ؟
* دعائم ومرتكزات هويتنا العربية تقوم على خمسة, الجنس العربى ، واللغة العربية ، والتاريخ الوطنى ، والثقافة المحلية ، والدين, وتضافر هذه المكونات يعطى للإنسان العربى شخصيته الخاصة به ، وهويته التى يتميز بها فى العالم المعاصر, وهويتنا العربية تتعرض فى الوقت الراهن إلى بعض العواصف والمؤثرات الأجنبية التى قد تضعفها دون أن تقضى عليها تماما ، لذلك على كل العرب أن ينهضوا لصيانة هذه الهوية ، والعمل على تماسكها بل وغرسها فى نفوس الأجيال الجديدة التى هى أحوج ما تكون إلى ذلك, من خلال التربية الأسرية الرشيدة, والتعليم الذى يجمع بين الأصالة والمعاصرة, والإعلام المتطور الذى يحافظ على الثوابت, والقوانين المحلية التى تتمشى مع الدين والأخلاق, وإبراز الجوانب المضيئة فى تاريخ العرب .
** وكيف ترصد فضيلتكم واقع الاعلام العربى وعلاقته الطردية مع هويتنا العربية ؟وما أهم واجباته ؟
* الإعلام العربى بوسائله المتعددة – من صحافة وإذاعة وتلفزيون – لم يتخلف كثيرا عن نظيره فى مختلف بلاد العالم المتقدمة , لكنه من حيث المضمون يندفع بصورة جنونية إلى محاكاة الإعلام الغربى فى جانب واحد من جوانبه ، وهو جانب التسلية، دون التركيز – كما كان ينبغى – على سائر الجوانب الأخرى التى تتصل بالمعرفة ، والتربية ، والتثقيف السياسى والاجتماعى ، والتواصل المباشر مع مختلف شعوب العالم, ويستطيع الإعلام العربى باستعانته بالتقنيات الحديثة ، والتزامه بالمهنية الإعلامية ، إلى جانب محافظته على ثوابت الأمة العربية أن يقوم بدور هام للغاية فى دعم هويتنا العربية ، وتأكيد ثوابتها فى نفوس الأجيال الناشئة, من خلال عرض المفهوم الصحيح والمتكامل للإسلام ، وتقديم الجوانب المشرقة من صفحات الحضارة العربية ، وإلقاء الضوء على الشخصيات المتميزة فى المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية التى أسهمت بدور فعال فى تاريخ الأمة العربية ، والكفاح الوطنى ، كذلك من أهم واجبات الإعلام العربى أن يكتشف المواهب العربية فى مختلف المجالات ، وأن يبرز آليات وإنجازات العمل الجاد ، بدلا من ذلك التركيز المبالغ فيه على نجوم الفن والرياضة وحدهم .
** ولكن ماذا عن القوانين الوضعية التى تعّوق وتعرقل مسيرة سعينا لعودة هويتنا العربية الاسلامية مرة اخرى ؟
* قوانين كل بلد فى العالم لابد أن تنبع من قيمه وتقاليده ، وترتبط مباشرة بظروفه وأحواله, وقد مرّ زمان طويل على الأمة العربية وهى تتبع هذا القانون ، حتى تعرضت فى القرن التاسع عشر الميلادى إلى هجمة الاستعمار الغربى على معظم بلادها ، فعمل على استنزاف مواردها ، وتبديد طاقتها ، وتغيير قوانينها وهو الأمر الذى جعل هذه القوانين لا تعبر عن الشعوب التى تطبق عليها, وحتى عندما حصلت البلاد العربية على استقلالها ,لم تنجح تماما فى تخليص القوانين المعمول بها من آثار القوانين الأجنبية التى أدخلها المستعمر أثناء تواجده فى تلك البلاد, وأهم إحداث التوازن فى نفوس الأجيال الجديدة هو أن يجدوا قوانين مجتمعاتهم تتمشى بصورة طبيعية ومنطقية مع تعاليم دينهم ، وما تدعوهم إليه منظومة القيم والأخلاق الموجودة منذ مئات السنين فى تلك المجتمعات, وهنا لابد من إقرار حقيقة مؤكدة، وهى أن الدين الإسلامى بتشريعاته العادلة وروحه السمحة يضع فى أيدى رجال القانون العرب أفضل الوسائل والإمكانيات لتحديد وبلورة القوانين التى تحكم المجتمعات دون أى تناقض فيما بينها ، ودون أى تعارض مع ما يعترف به العالم كله من مبادئ حقوق الإنسان .
**و لماذا تباكى ونواح المسلمين من تردىّ أحوالهم ونحن فى عصر راح العالم كله بغربه و شرقه يأخذ بأسباب التقدم ؟
* شكاوى وتباكى المسلمين من تردىّ أحوالهم، وتراكم مشكلاتهم، وتراجع جهودهم ، فى عصر – كما قلت- راح العالم كله فى الغرب أو الشرق يأخذ بأسباب التقدم ، ويخطو بسرعة على طريق الازدهار الاقتصادى والرفاه الاجتماعى ، معتمدا بالطبع على استقرار سياسى ، وتمكن عسكرى , ولاشك أن مجموع أحوال المسلمين أصبحت تمثل مرضا يحتاج إلى تشخيص ، يتبعه علاج ، وندعو الله تعالى أن يتمه بالشفاء وإلا فإن الأمور سوف تزداد سوءا ، والمشكلات القائمة حاليا سوف تتحول إلى أزمـات يصعب حلها ، بينما تستمر دول العالم من حولهم فى التقدم ، وهم واقفون ، متراجعون !
نعم هناك الكثير من الأصوات التى تدعو إلى الاصلاح ، أى بتغيير الحال من وضع سىء إلى وضع أفضل, والملاحظ على هذه الأصوات أن لكل منها رؤيته الخاصة ، التى تتجه إلى جانب معين أو أكثر ، بينما لا تنظر إلى الصورة كلها بجميع تفصيلاتها, اوأنها تظل صرخات فى الفضاء ، ولا يكاد يستجيب لها أحد ، لا من الحكومات ولا من المجتمعات, وكل مسلم فى العالم أصبح منكفئا على ذاته ، يتألم ويشكو منتظرا أن تسقط عليه معجزة من السماء، تغير له أحواله، وتنقله من حال الفقر إلى الغنى، ومن حال الضعف والمرض إلى حال السلامة والعافية ، رغم أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قال لأمثال هؤلاء : ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ! ولقد دعا الله تعالى المسلمين فى كتابه الكريم ، و سنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى استعمال عقولهم ، وعدم تعطيلها بالجهل أو بالتقليد ، كما دعاهم إلى أن يسيروا فى الأرض لينظروا, وليس ليقعدوا فى مكانهم مغمضى العيون والعقول ، وقال لهم: اعدوا لاعدائكم ما استطعتم من وسائل القوة لكى تردعوهم ، فلا يفكروا فى الاعتداء عليكم ، وليس أن تظلوا ضعفاء هكذا فيستهان بكم ، ويزيد الطمع فيكم !
والعجيب اننا نلاحظ أن جميع المسلمين يؤمنون بالله الواحد ، ويقيمون الشعائر بانتظام من صلاة فى المساجد ، وصيام شهر رمضان ، والزكاة لمن يقدر ، وحج البيت الحرام لمن يستطيع, لكنهم بعد ذلك يتوقفون عن اتباع باقى تعاليم الاسلام التى تأمرهم بإقامة المجتمع الفاضل الذى يقوم على العدالة والمساواة و منع الربا والغش، ومراقبة الله تعالى فى كل عمل .
**وكيف يعمل المسلمون على تغيير هذا الواقع إلى ما هو أفضل ؟
*لاشك ان التحديات التى يواجهها المسلمون فى العصر الحاضر, لابد ان تقابلها رغبتهم ثم ارادتهم فى التغلب عليها، وأخيرا المناهج التى ينبغى عليهم اتباعها لتحقيق أهدافهم وهى إعادة إحياء المفهوم الصحيح والمتكامل للإسلام , وكذلك ضرورة تجاوز حاجز العلم والتكنولوجيا, وكيفية التعايش مع الحضارة الحديثة , ومواجهة الموقف الغربى المعادى للمسلمين .
** وما الذى يعوق العالم الاسلامى إذن عن الأخذ بوسائل العلم الحديث والتكنولوجيا المتطورة ؟
* الذى يعوق العالم الاسلامى عن الأخذ بوسائل العلم الحديث والتكنولوجيا المتطورة عوامل متعددة ، من أهمها انصراف الدول الاسلامية عن تشجيع هذا المجال الحيوى وتمويله بالموارد اللازمة، وتسطيح مستويات التعليم الجامعى، وما قبل الجامعى ، وعدم تأصيل ثقافة العلم لخدمة المجتمع ، أو لتطوير أساليب الحياة فى المجتمع, ثم أننا لو أحصينا فى المائة عام الماضية اعداد العلماء والباحثين المسلمين الذين هاجروا إلى البلاد المتقدمة لأدركنا كم حجم الثروة البشرية التى افتقدها العالم الاسلامى ، وصبت مباشرة فى قوة العالم الغربى, ومصر ليست سوى مجرد نموذج لسائر البلاد الاسلامية ، وعلى الرغم من أن التعليم قد انتشر فيها خلال القرن العشرين ، إلا أنه مازال تعليما سطحيا يقوم على الكم ، وليس الكيف ، وهو الأمر الذى يؤدى إلى قلة بل ندرة أعداد الخريجين المؤهلين لممارسة البحث العلمى ، والتطبيقات التكنولوجية المترتبة عليه .
** ذكرتم مقولة “مواجهة الموقف الغربى المعادى للإسلام” .. كيف يمكن للمسلمين التخلص من هذا المأزق ؟
* اقول لك لقد ظهر ما يسمى بحوار الأديان لكى يبرد قليلا من التهاب المشاعر المتأججة ، لكنه فى رأيى حوار فاشل ، لأنه لن يصل إلى نتيجة عملية ، وكل ما يفعله هو عقد مؤتمرات، وسفر وفود، وأحاديث علماء ، وتصريحات مسئولين, و ضجة إعلامية يدرك الناس جميعا أنها مفتعلة وموجهة ,والآن يحاول المسلمون، امعانا فى إظهار حسن النوايا للغرب، أن يعدلوا من مناهج التعليم فى بلادهم ، فقاموا بتخليصها أو على حد تعبيرهم بتنقيتها من الإشارات التى قد تتضمن موقفا عدائيا للغرب، كما حاولوا التضييق على النساء المنتقبات لكى لا يظهر المجتمع الإسلامي على أنه يتجه نحو التشدد الدينى ، الذى قد يتحول من خلال هذه الظواهر والمظاهر إلى تطرف ، فإرهاب, وراحت الكثير من البلاد الاسلامية تعلن فى وسائل اعلامها صراحة أنها دول مدنية ، وأحيانا تصرح بأنها علمانية ، لكى تبتعد عن أن توصف بأنها دينية ، حيث أن التمسك بالدين فى نظر الغرب حاليا يعنى الارهاب!, والواقع الذى أراه أنه لا يوجد حل حتى الآن, ولن يستطيع شخص واحد أن يقدمه ، كما لا تستطيع دولة واحدة أن تحسم فيه, بل إن الامر يحتاج إلى عمل جماعى ، وتوافق دولى تحكمه الرغبة الحقيقية فى القضاء على الارهاب بكل صوره, الدينية والعرقية والسياسية والعسكرية وكذلك الثقافية والاعلامية, وفى تصورى أن هذا العمل لابد أن يحدث إن عاجلا أو آجلا ، ولذلك لابد أن يتهيأ له المسلمون بكل الامكانيات اللازمة , بدءا من تصحيح المفهوم الخاطئ وغير المتكامل للإسلام ، مرورا بالأخذ بوسائل التقدم العلمى والتكنولوجى ، وضرورة التعايش مع الحضارة الغربية الحديثة, حتى يمكن عقد مواجهة فكرية وثقافية بل وتاريخية مع الغرب ، تعرض فيها الحقائق بدون اخفاء والاحداث السابقة بدون رتوش, وفى هذه الحالة فقط يمكن ان تهدأ حدة الانفعالات، وتأخذ العلاقة بين المسلمين والغرب مسارا جديدا يقوم على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر لصالح الطرفين .
** بصفتكم استاذا وعلما من اعلام دار العلوم.. ماذا تقول فيها ؟
* الواقع أنها تسعى بكل طاقتها لمواصلة مسيرتها بنفس الكفاءة, ولكن إمكانياتها قليلة ، والظروف التى تعمل فيها صعبة, فمناهجها بحاجة إلى تطوير، شأن كل شئ فى الحياة ، خاصة وأنه قد مضى عليها الآن أكثر من ستين عاما بدون مساس, وطلابها بحاجة إلى اختيار دقيق ، كما يتم فى أقسام اللغة الإنجليزية أو الأسبانية ، بل كما اشترط ذلك على مبارك نفسه, فإن مدرس اللغة العربية ينبغى أن يختار مهنته تلك بالتطوع ، ولا ينبغى أن تفرض عليه بالتجنيد, أما أساتذة دار العلوم ، فهم بحاجة إلى مزيد من الاتصال بالأوساط العلمية والثقافية فى أوروبا وأمريكا ، وفى مقدمتها الجامعات ومراكز البحث ، والمؤتمرات العلمية التى تعرض فيها أحدث ما توصل إليه الدارسون فى مجال الدراسات العربية والإسلامية, وتبقى فى النهاية كلمة مختصرة ، وهى أن دار العلوم ليست مجرد كلية جامعية ، تستقبل أفواجا من الطلاب لتخرجهم ، بعد أربع سنوات ، إلى ميدان العمل, وإنما هى اتجاه واضح المعالم, خصائصه التمسك بالتراث بينما ينفلت الأخرون تماما إلى الحداثة، والإفادة المتزنة من التحديث ، دون انغلاق تام على تراث الماضى, وهكذا فإنها تمضى وسط الوادى كما يسير نهر النيل بطيئا، ولكنه متجدد.
** لماذا نشرت أيام مبارك الكثير من الأفكار فى جريدة المساء فى عمود اسبوعى تحت عنوان ( ماذا لو)؟
* نعم كتبته ولم يتحقق شيئا مما قلت وبعد قيام ثورة يناير 2011 ، بدأ الامل فى الاصلاح يعاودنى من جديد ، فأقدمت على تسجيل هذه الأفكار تحت عنوان ( ماذا لو .. ) لعل وعسى يقوم الجيل الحالى بتنفيذها كلها ، أو معظمها ، أو القليل منها, ليصلح الحال فى مصر ، ويرتقى بمستوى الحياة فيها ، ويدفع نهضتنا خطوات الى الامام ومنها: ماذا لو اسرعنا بتحديد ” حد ادنى واعلى للأجور والمرتبات” مع عدم زيادة المكافآت الحكومية عن سقف معين .. واذا اردتم ان تسترشدوا بمعيار لذلك ، فسألوا اخوتنا فى السودان !, ماذا لو اسرعنا بتثبيت العمالة المؤقتة التى قضت ثلاث سنوات فى عملها . وفى نفس الوقت لا نمد فترة العمل لمن بلغوا سن المعاش ، حتى تجد الاجيال الجديدة فرصتها وحقها فى العمل, ماذا لو طبقنا بحسم قانون المعاشات على كل فئات الموظفين، وكفانا ما يتمتع به بعض المحظوظين من العمل بعد هذا السن لمدة عشرة وخمسة وعشرين عاما .. ما هو السبب ؟ واين سر العبقرية لديهم ؟, ماذا لو احكمنا الرقابة على الصادرات الصينية التى تغرق الاسواق المصرية ، وتكاد تغلق مصانع المصريين.. فهناك اشياء تافهة ولا قيمة لها تدخل البلاد، واخرى تنافس بقوة الصناعة المصرية المسكينة !, ماذا لو الغينا المجلس الاعلى للجامعات ، الذى اخضع الجامعات كلها لقوانين موحدة ، جعلتها مثل المدارس الثانوية ، وافقدت كل جامعة استقلالها الأكاديمي الذى كان من الممكن ان يجعلها قوية ، وقادرة ، وقابلة للمنافسة ؟ وغيرها الكثير والتى ألفت فيها كتابين تحوى افكارى الاصلاحية تلك وكذلك كتاب “حاجات وحاجات” .
** لماذا نويت الترشح للرئاسة مسبقا ؟
* لأنني كنت ومازلت مهتما بأسباب ومظاهر التقدم والتخلف فى كل البلاد التى زرتها من العالم , وفى بمصر بالذات , ولأنني اجمع بين الثقافتين العربية والاجنبية , من خلال دراستى بالأزهر ودار العلوم فى مصر , وبجامعة السربون فى فرنسا, ولأنني مارست العمل الإداري والأكاديمي بجامعة القاهرة لمدة14عاما متواصلة ” وكيلا لكلية دار العلوم, عميدا للكلية, نائبا لرئيس الجامعة” , ولأنني على معرفة لا بأس بها بالجيش المصرى, ففى أثناء تجنيدى به سنوات 68 , 70- 1972 عملت مترجما للغة الروسية بهيئة البحوث العسكرية , ولأنني لست منتميا لحزب ولا لجماعة , لذلك فان استقلالى الفكرى يجعلنى اكثر موضوعية فى الحكم على الامور.
** و ماذا عن رحلاتك والدول التى سافرت اليها ؟
* رحلاتى وسفرياتى كانت لبلاد ودول عديدة استفدت منها, وأملى ان تطبق نهضتهم وما رأيته من تقدم ورقى بها بمصر, وقد سافرت الى فرنسا و ايطاليا و موناكو و اليونان و تركيا و الصين و ماليزيا وباكستان و تونس و الجزائر و المغرب و قطر و الكويت و سلطنة عمان و السعودية و الأردن و السودان .
** ختاما .. من خلال مسيرتكم العلمية والحياتية .. من ابرز من الذين تعلمت منهم وتعرفت عليهم ؟
* الذين درسوا لى يمكن أن يزيد عددهم على المائتين, أما الذين أثروا فى تكوينى فلا يزيدون عن العشرة, وهذا يعنى ببساطة أننا لا نتعلم من كل مَنْ يخاطب عقولنا فقط، بل من الذين يصلون إلى عقولنا وقلوبنا معا, وذلك هو سر العلاقة الحميمة التى تربط المعلم بالمتعلم، والأستاذ بالطالب ، والمدرس بالتلميذ, بل انها تمتد لتربط بين الأسطى وصبيه فى مختلف الحرف التى نشاهدها, لذلك وأنا فى السبعين من عمرى ، أقف قليلا لأتذكر هؤلاء الذين علمونى، وأعترف بفضلهم ، وكذلك أولئك الذين قابلتهم أثناء مسيرتى العلمية ، بالإضافة إلى بعض الأساتذة والأصدقاء الذين تصافيت معهم، وكانوا عونا لى على تحمل عقبات الحياة, أما باقى الذين درسوا لى ولم أتأثر بشئ مما قالوه فلا أنكر فضلهم ، لكننى أعترف بأنهم كانوا يؤدون وظيفتهم التدريسية كما يحددها لهم قانون المؤسسة التعليمية ، دون النظر إلى الاقتراب أو التقرب من التلامذة الذين كانوا يدرسون لهم ، ولذلك راح مجهودهم فى الهواء ، ولم يحدث بينهم وبين تلامذتهم تواصل الأجيال الذين تعلمت منهم وتعرفت عليهم ,ومن الذين تعلمت منهم الأستاذ عبدالحليم معلم اللغة العربية فى الابتدائية, والسيد أحمد صقر, و الشيخ عبدالحليم محمود, والدكتور محمود قاسم, والدكتور محسن مهدى, والأستاذ فتحى عبدالمنعم, وروجر أرنالديز, ومن الذين تعرفت عليهم وأثروا فىّ الأستاذ العقــــــــــاد, والأستاذ محمود شاكر, و الدكتور محمد كامل حسين, و الدكتور إحسان عباس, والدكتور توفيق الطويل, والدكتور عبدالرحمن بدوى, والدكتور فؤاد زكريا, والدكتور محمـد عبدالهادى أبوريده, و الدكتورعثمان أمين, والدكتورة فوقية حسين, و الدكتور ابوالوفا التفتازانى, و يحى حقى, و الشاعر محمـد الفيتورى, والشاعر عبدالله البردونى, والشاعر صلاح عبدالصبور, والشاعر أمل دنقل .