السماحة في الإسلام وثمراتها في الدنيا والآخرة، خطبة الجمعة 10 يناير للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 10 يناير 2020: السماحة في الإسلام وثمراتها في الدنيا والآخرة ، بتاريخ: 15 جماد أول 1441هـ – 10 يناير 2020م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : السماحة في الإسلام وثمراتها في الدنيا والآخرة :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : السماحة في الإسلام وثمراتها في الدنيا والآخرة ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : السماحة في الإسلام وثمراتها في الدنيا والآخرة ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : السماحة في الإسلام وثمراتها في الدنيا والآخرة : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : السماحة في الإسلام وثمراتها في الدنيا والآخرة :
العنصر الأول: الإسلام دين السماحة
العنصر الثاني: مظاهر وصور السماحة في الإسلام
العنصر الثالث: فوائد وثمرات السماحة في الدنيا والآخرة
العنصر الرابع: حاجة المجتمع المعاصر إلى خلق السماحة
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: الإسلام دين السماحة
عباد الله: إن الدين الإسلامي دين السماحة، فهو مبني في تشريعاته وأحكامه على اليسر والمسامحة، وقد أمر الشارع الحكيم أفراده بأخذ العفو والمسامحة في كل الأمور والتعاملات . قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]. قال السعدي: “هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع النَّاس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به النَّاس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق… ويتجاوز عن تقصيرهم، ويغض طرفه عن نقصهم”.أ.ه
ولما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما هذا يا جبريل؟” قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.”( تفسير ابن كثير).
فالسماحة هي طيب في النفس عن كرم وسخاء، وهي انشراح في الصدر عن تقى ونقاء، وهي لين في الجانب عن سهولة ويسر، وهي بشاشة في الوجه عن طلاقة وبشر، هي ذلة على المؤمنين دون ضعف ومهانة، وهي صدق في التعامل دون غبن وخيانة .
إن السماحة لباب الإسلام وزينة الأنام، وهي ذروة سنام الأخلاق، وأشهر علامات الوفاق..كم فتحت بها قلوب ، وكم رفعت أصحابها عند علام الغيوب ؛ فما أحب صاحبها عند الناس ، بل وأعظم منه عند رب الناس!!
كما حثت السنة النبوية على التحلي بخلق السماحة؛ فعن ابن عباس- رضي اللّه عنه- قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اسمح يسمح لك»)( رواه أحمد )؛ بل عدها النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان؛ فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ فقال: ” الصبر والسماحة “. (أحمد والبيهقي بسند حسن).
على أن السماحة لا تعني الضعف والهوان والذل والصغار؛ وإنما تعني العزة والكرامة؛ وهذه المعاني للسماحة قد وقف أمامها الغربيون عجباً ! يبين الشاعر غوته ملامح هذا التسامح في كتابه (أخلاق المسلمين) فيقول: “للحق أقول : إن تسامح المسلم ليس من ضعف، ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته” .
أحبتي في الله: وإذا كان الإسلام يحث أفراده على السماحة والرفق واللين؛ فقد نهاهم عن الشدة والغلظة؛ لذلك نفى الله عن رسوله الفظاظة وغلظة القلب، فقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. يقول الإمام السعدي: ” أي:
برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك. وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيه، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأنَّ هذا يُنفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيِّئ.”( تفسير السعدي)
عباد الله: السماحة السماحة تفلحوا ؛ السماحة السماحة تسعدوا ؛ السماحة السماحة تغنموا !!
وما أجمل قول الإمام الشافعي في ديوانه:
وكنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا …………………. وشيمتُكَ السَّمَاحَةُ والوفاءُ
وإن كثرت عيوبُكَ في البرايا …………………… وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ
تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَـــــيْبٍ …………………… يُغـــــــــطِّيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا ترجُ السَّمَاحَةَ مِن بخيلٍ ……………………. فَما في النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
العنصر الثاني: مظاهر وصور السماحة في الإسلام
عباد الله: للسماحة صور ومظاهر عديدة تشمل جميع مجالات الحياة وتتمثل فيما يلي:
– السماحة في البيع والشراء : وذلك بأن لا يكون البائع مغاليًا في الربح، ومكثرًا في المساومة، بل عليه أن يكون كريم النفس؛ وبالمقابل على المشتري أيضًا أن يتساهل، وأن لا يدقق في الفروق القليلة، وأن يكون كريمًا مع البائع وخاصة إذا كان فقيرًا ؛ فيتحلى كل من البائع والمشتري بالسماحة . فعَن جابر أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشتَرى وإذا اقتَضَى”.( البخاري). يقول الإمام ابن حجر:
” فيه الحض على السماحة في المعاملة ، واستعمال معالي الأخلاق ، وترك المشاحة ، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم.” ( فتح الباري). وقال المناوي: “وهذا مسوق للحث على المسامحة في المعاملة، وترك المشاححة والتضييق في الطلب، والتَّخلُّق بمكارم الأخلاق، وقال القاضي: رتَّب الدعاء على ذلك؛ ليدل على أنَّ السهولة والتسامح سبب لاستحقاق الدعاء، ويكون أهلًا للرحمة والاقتضاء والتقاضي، وهو طلب قضاء الحق”. (فيض القدير).
– السماحة في القضاء والاقتضاء:
فقد ضرب لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في سماحة القضاء والاقتضاء . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: ” أَعْطُوهُ . فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا فَقَالَ: أَعْطُوهُ . فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ” .(متفق عليه) .
كما ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في التسامح والرحمة في القضاء والاقتضاء؛ فقد روي في ذلك أن أبا قتادة رضي الله عنه كان له دين على رجل ، وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه ، فجاء ذات يوم فخرج إليه فقال: ما يغيبك عني ؟ فقال: إني معسر وليس عندي شيء ، قال : آلله إنك معسر؟ قال : نعم ، فبكي أبو قتادة ، ثم قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
” من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة.”( أحمد والدارمي) .
فعلى المسلم بأن يتسم المسلم بالسماحة في اقتضائه دينه؛ وأن يسقطه عن غريمه إن كان معسراً ؛ ففي صحيح الإمام مسلم أنّ أبا اليسر – أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم- ذهب ليأخذ حقاً من رجل، فجاءه إلى بيته، فقال: أثمّ هو؟، قالوا: لا، فخرج ابن له صغير، قال: أين أبوك؟، قال: لما سمع صوتك دخل أريكة أمي، فناداه، فقال: يا فلان، قد علمتُ أين أنت فاخرج! فلما خرج، قال: لماذا اختبأت عني؟، قال:
خشيت أن أحدثك، فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت رجلاً معسرًا، فقال: له آلله، قال: آلله، قال: آلله، قال: آلله، قال: آلله، قال: آلله، حلفه ثلاثاً، ثم أتى بصحيفته فمحاها، وقال له: إن وجدت قضاءً فاقضِ، وإلا فأنت في حل، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: “من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله”. إنها السماحة طريق إلى الجنة، إنها تربية محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ فأين نحن من هذه السماحة ؟!
– السماحة مع الجيران : فقد حثنا الدين الإسلامي الحنيف إلى السماحة مع الجيران؛ بل عد الإسلام الإحسان إلى الجار والتسامح معه وعدم إيذائه شعبة من شعب الإيمان؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ”. (متفق عليه).
ولقد ضرب لنا سلفنا الصالح أروع الأمثلة في التسامح مع الجيران:
” روي أنه كان لسهل بن عبدالله التستري (رحمه الله) جارٌ مجوسي، وكان قد انبثق مِن كنيفه (مرحاضه) إلى بيت سهل ثقب، فكان سهل يضع كل يوم الجَفنة (الوعاء) تحت ذلك الثقب فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد، فمكث رحمه الله على هذه الحال زمانًا طويلًا إلى أن حضرت سهلًا الوفاة، فاستدعى جاره المجوسي، وقال له: ادخُلْ ذلك البيت وانظر ما فيه، فدخل فرأى ذلك الثقب والقذر يسقط منه في الجفنة، فقال:
ما هذا الذي أرى؟! قال سهل: هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت وأنا أتلقاه بالنهار وألقيه بالليل، ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف ألا تتسع أخلاق غيري لذلك، وإلا لم أخبرك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟ مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل رحمه الله”. (الكبائر للذهبي).
فانظر إلى حسن معاملة سلفنا الصالح لجيرانهم مع كفرهم ؛ فقد أدت السماحة معهم إلى دخولهم في هذا الدين الإسلامي الحنيف السمح ؛ فهلَّا تخلقنا بهذه الأخلاق العطرة مع جيراننا مسلمين وغير مسلمين ؟!! ليرى العالمُ كلُّه أخلاقَ الإسلام وسماحته مع طوائف المجتمع !!!
-السماحة مع من سبّك أو شتمك أو آذاك :
ومن المعلوم أن رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – المثل الأعلى في العفو والسماحة مع قومه؛ وشواهد ذلك كثيرة؛ فقد آذاه قومه وطردوه من وطنه وأحب البلاد إليه؛ ومع ذلك لما رجع وفتحها عفا عنهم وسامحهم فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!! وكان قادرا على أن يبيدهم عن آخرهم!! ولما نزل جبريل يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين ( الجبلين) رفض وعفا عنهم وسامحهم وقال: يا أخي يا جبريل لا تفعل؛ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. والرجل الذي أشهر سيفه وقال:
من يمنعك منى؟ والرجل الذي جاء يتقاضاه فأغلظ ؛ والرجل الذي قال أعطنى يا محمد من المال فإنه ليس مالك ولا مال أبيك؛ والرجل الذي بال في المسجد . وغيرها من المواقف التى تدل على سماحة وعفو وحلم النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه!!
وهذا صديق هذه الأمة، أبو بكر رضي الله تعالى عنه، كان يتصدق على رجل فقير من قرابته، كان ينفق عليه، فلما وقعت حادثة الإفك، كان هذا الرجل ممن خاض في عرض ابنة الصديق رضي الله عنها، وتكلم بالظلم والخطأ، فلما برأها الله من فوق سبع سماوات، وإذا بصديق الأمة يعيد عليه صدقته ونفقته، على هذا الفقير من أقاربه، أيُّ سماحة هذه وقد فعل ما فعل، أتدري لماذا؟، لأن الله قال له: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [النور: 22]، حتى لو كنتَ قد أحسنتَ له بهذا الإحسان، وهو أساء إليك بهذه الإساءة، سامح، لعل الله أن يغفر لك ما هو أكبر من هذا وأعظم، فيما فعلت في حقه سبحانه.
فيجب عليك أخي المسلم أن تجعل خلق المسامحة منهج حياة تطبقها على أرض الواقع:
فلا تطلق لسانك سباً وشتماً في الآخرين، بل تتحلى بالحلم والصبر والسماحة، وأن الله سيوكل ملكاً يدافع عنك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ ، وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَآذَاهُ ، فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ ، فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ ، فَلَمْ أَكُنْ لأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ “( أحمد وأبو داود بسند حسن ) .
– السماحة مع غير المسلمين في السلم والحرب:
ففي الحرب التي تأكل الأخضر واليابس وتزهق فيها الأرواح وتدمر المدن والقرى ويموت الصغير والكبير؛ أمر الإسلام بالسماحة والعدل وحرم الظلم. فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”
فلا يجوز أن يُقصد بالقتال مَن ليسوا بأهل له، كالنِّساء والأطفال والشُّيوخ، والزَّمنى والعُمي والعَجَزة، والذين لا يُباشرونه عادةً كالرُّهبان والفلاَّحين، إلاَّ إذا اشترك هؤلاء في القِتال وبدؤوا هم بالاعتداء، فعندها يجوز قتالُهم.
هذه السماحة في حال الحرب فما بالك في حال السلم؟!!
أترك الشهادة للغربيين المنصفين وتصويرهم لهذه السماحة والتي تعاملوا من خلالها مع المسلمين والنصارى في الدول الغربية. يقول غوستاف لوبون في ” مجلة التمدن الإسلامي: ” إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وبين روح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى وإنهم مع حملهم السيف فقد تركوا الناس أحرارا في تمسكهم بدينهم ؛ وكل ما جاء في الإسلام يرمي إلى الصلاح والإصلاح ، والصلاح أنشودة المؤمن ، وهو الذي أدعو إليه المسيحيين” .
ويقول توماس أرنولد في كتابه الدعوة الإسلامية : ” لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة ، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح “
أبعد كل هذا التسامح – والحق ما شهدت به الأعداء – يأتي حاقد على الإسلام ليقول: إن الإسلام دين تطرف وعنف وإرهاب؟!!
عباد الله: إن سماحة الإسلام لم تقتصرِ على النهي عن الاعتداء على بني البَشر فقط؛ وإنَّما تجاوز ذلك ليشملَ النهي عن الإتلاف، وقطع الشَّجر، وقتْل الحيوانات، وتخريب الممتلكات والمنشآت العامة، وهذا سُموٌّ أخلاقي لم تعرفْ له البشرية مثيلاً في تاريخها قديمًا وحديثًا!!
فإذا كانت سماحة الإسلام مع غير المسلمين بهذه العظمة والسمو؛ فإن السماحة بين المسلمين أنفسهم يجب أن ترتقي أعلاء من ذلك؛ فالمجتمع المسلم يجب أن يعيش أبناؤه في حب وتسامح وتراحم ؛ وأن يسود حياتهم اللين والسهولة واليسر والتسامح؛ أما العنف والشدة والحقد ودوافع الانتقام والكراهية فتنذر بالهلاك ؛ وتقطع الأرحام وتكثر الصراعات؛ وتنزع الرحمة ويحل الشقاء؛ ويذهب الخير بين الناس ؛ وتقوض مجتمعات بسبب ذلك ؛ وتتلاشى أمم وتنهار حضارات …
العنصر الثالث: فوائد وثمرات السماحة في الدنيا والآخرة
عباد الله: إن للسماحة فوائد وثمرات كثيرة تعود على صاحبها بالخير والبركة في الدنيا؛ والفوز بمرضاة الله في الآخرة ومن هذه الفوائد:
محبة الناس للمسامح: فيستطيع سمح النفس الهين اللين، أن يظفر بأكبر قسط من محبة النَّاس له، وثقة النَّاس به؛ لأنه يعاملهم بالسَّمَاحَة والبشر ولين الجانب، فإذا باع كان سمحًا، وإذا اشترى كان سمحًا، وإذا أخذ كان سمحًا، وإذا أعطى كان سمحًا، وإذا قضى ما عليه كان سمحًا، وإذا اقتضى ما له كان سمحًا؛ فينعم بالخير الدنيوي بتسامحه؛ وذلك لأنَّ النَّاس يحبون المتسامح الهيِّن الليِّن، فيميلون إلى التعامل معه، فيكثر عليه الخير بكثرة محبيه والواثقين به؛ فتربح تجارته وينمو ماله؛ ويحظى برضا الله والناس؛ فيسعد في دنياه وأخراه .
شهادة الناس للمسامح عند موته:
فالرجل المسامح الهين اللين المشهور بحسن خلقه بين الناس؛ يحظى بشهادة الناس له عند موته ويكثر المصلون على جنازته فيكون ذلك سبباً في وجوب الجنة له. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ” مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ . قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ!!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ” ( متفق عليه واللفظ لمسلم ) .
فشهادة الجيران للميت شفاع ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ما من مسلمٍ يموتُ فَيَشْهَدُ لهُ أربعَةٌ أهلُ أَبْياتٍ من جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ أنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ إلَّا خيرًا ؛ إلَّا قال اللهُ: قد قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فيهِ، وغَفَرْتُ لهُ ما لا تعلمُونَ.” [صحيح ابن حبان].
فإذا أردت أن تعرف حقيقة نفسك محسن إلى جارك أم مسيء سل جيرانك ؟!! فقد أخرج البيهقي في شُعب الإيمان من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: ” أن رجلاً قال: يا رسول الله دُلَّني على عمل إذا عمِلت به، دخلت الجنة، فقال: كن محسنًا ، فقال: يا رسول الله، كيف أعلم أني محسن؟ قال: سل جيرانك، فإن قالوا: إنك محسن، فأنت محسن، أو قالوا: إنك مسيء، فأنت مسيء “.
السماحة من مكفرات الذنوب :
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :” كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ؛ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا؛ فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ”.(متفق عليه). فقد تجاوز الله عنه لأنه تجاوز عن العباد فكان الجزاء من جنس العمل. يقول الإمام النووي: ” والتَّجاوز والتَّجوز معناهما، المسامحة في الاقتضاء، والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير، وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه، إمَّا كل الدين، وإما بعضه من كثير، أو قليل، وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء، سواء استوفي من موسر أو معسر، وفضل الوضع من الدين، وأنَّه لا يحتقر شيء من أفعال الخير، فلعله سبب السعادة والرَّحْمَة”.
السماحة تجلب رحمة الله: كما في الحديث الشريف :” رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى”. (البخاري)
السماحة منجاة من كرب يوم القيامة : قال صلى الله عليه وسلم:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ “، وقال أيضاً :” مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ” ( رواهما مسلم)
السماحة تُحرّم صاحبها على النار : فعن جابر قال قال صلى الله عليه وسلم :” ألَا أُخبِرُكم على مَن تحرُمُ النَّارُ غدًا؟! على كلِّ هيِّنٍ ليِّنٍ سهلٍ قريبٍ “. (ابن حبان والطبراني).
وهكذا – أيها المسلمون- يفوز المسامح بخيري الدنيا والآخرة؛ والفرصة أمامكم فهل أنتم فاعلون؟!!
العنصر الرابع: حاجة المجتمع المعاصر إلى خلق السماحة
أيها المسلمون: إن الأمة الإسلامية في افتقار إلى خلق السماحة؛ لأن المسامح كريم الطبع عفيف النفس؛ يعم خيره وبركته كل مكان؛ وما أجمل وصف الأستاذ عبدالرحمن حبنكة الميداني للنفس السمحة حيث يقول: ” والنفس السَّمحة كالأرض الطَّيِّـبَة الهيِّنَة المستوية، فهي لكل ما يراد منها من خير صالحة، إن أردت عبورها هانت، وإن أردت حرثها وزراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت، وإن شئت النوم عليها تمهدت”.( الأخلاق الإسلامية) .
إن خلق السماحة لا يظهر إلا عند التعامل بالدرهم والدينار، إنك حينما تجلس مع أحد يقول لك كلاما معسولا تحسبه صالحا تقيا ورعا؛ ولكن حينما تعامله بالدينار والدرهم تظهر حقيقته؛ لذلك قيل ( الدين المعاملة ) وهذه الأخلاق والمعاملة السمحة كان يطبقها النبي – صلى الله عليه وسلم- على أرض الواقع، حتى أصبحت منهج حياة. فعَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ؛ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى وَوَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ؛ فَاشْتَرَى مِنَّا سَرَاوِيلَ؛ فَقَالَ لِلْوَزَّانِ:” زِنْ وَأَرْجِحْ “. ( أحمد وأبو داود والترمذي وصححه). فكان صلى الله عليه وسلم يعطي زيادة في ثمن السلعة تسامحاً منه وكرماً، لأن الدنيا لا تساوي عنده شيئاً .
بهذه الأخلاق السمحة كان الرجل لا يكاد يعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ويسلم إن كان كافراً:
أو يزيد إيمانه إن كان مسلماً، إننا يجب أن نكون دعاة بتعاملنا وتسامحنا قبل أقوالنا، يجب أن نكون سمحاء رحماء بإخواننا حتى تسود المودة، وينتشر الإخاء، لأن غياب التسامح يمزق شملنا، ويفرق جمعنا !!
انظروا إلى سلفنا الصالح ومدى سماحتهم مع من عاملهم؟!! روي أن قيس بن عبادة – وكان من الأجواد المعروفين – مرض يوماً فاستبطأ إخوانه في عيادته، فسأل عنهم فقيل له : إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين!! فقال أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة!! ثم أمر منادياً ينادي: من كان عليه لقيس مال فهو منه في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده وزاره!!
هكذا فلتكن الأخلاق، هكذا فليكن الصفح، وهكذا فلتكن السماحة !!
أخي المسلم: هل أنت ممن يتصف بخلق السماحة ؟! إذا بعت، إذا اشتريت، إذا أخذت أجرة عملك، إذا دفعت للأُجراء أجرهم، هل أنت ممن يتصف بهذا الخلق؟، تجد بعض الناس – سبحان الله – إذا باع، نزّل للناس من الثمن دون أن يطالبوه، وزاد لهم في السلعة، وتبسّم في وجوههم، فإذا بالقلوب مقبلة على الشراء منه، محبة له، وترى بعض الناس إذا باع، ما أنقص من الثمن قرشاً، ولا زاد في السلعة شيئًا، وفوق هذا إذا كاسرته أو فاوضته، رد عليك بكلمة قاسية، فنفرت القلوب منه، ففاز ذاك بمحبة الناس، ورواج ببضاعته، ومحبة رب الناس قبل ذلك، وباء هذا بعداوة الناس، وبوار تجارته، وفقد هذا الخلق الذي أحبه الله سبحانه.
عباد الله:
كثير من الناس يقول الكلمة الشائعة والمعروفة : إنني أعامل فلانا بمعاملته، أعامله بغلظة وعنف وشدة!! ولكني أقول لك:
عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به؛ فعاملهم بطبعك لا بطبعهم . وأذكر لكم هذه القصة الرائعة في هذا المضمون: جلس عجوز حكيم على ضفة نهر وفجأة لمح قطاً وقع في الماء، وأخذ القط يتخبط؛ محاولاً أن ينقذ نفسه من الغرق؛ فقرر الرجل أن ينقذه؛ ومدّ له يده فخمشه القط؛ فسحب الرجل يده صارخاً من شدّة الألم؛ ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه، فخمشه القط مرة أخرى؛ فسحب يده مرة أخرى صارخاً من شدة الألم ؛ وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة !! على مقربة منه كان يجلس رجل آخر ويراقب ما يحدث ؛ فصرخ الرجل:
أيها الحكيم ، لم تتعظ من المرة الأولى ولا من المرة الثانية ، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة ؟لم يأبه الحكيم لتوبيخ الرجل ، وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ القط ، ثم مشى الحكيم باتجاه ذلك الرجل قائلاً : يا بني … من طبع القط أن يخمش ومن طبعي أنا أن أُحب وأعطف وأسامح ؛ فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي !!؟ يا بني :
عامل الناس بطبعك لا بطبعهم!!
فكثير من الناس في واقعنا المعاصر يخمشونك في تعاملاتهم وأقوالهم وأفعالهم كالقط أو يزيد ؛ وليس هذا مسوغاً لك ان تعاملهم بمعاملتهم ؛ ولكن عليك أن تظهر لهم سماحة الإسلام وأخلاقه في التعامل مع الغير؛ فإن قالوا لك شراً فقل لهم خيراً؛ فقد روى أن عيسى عليه السلام مر على قوم من اليهود فقالوا له شراً فقال لهم خيراً ، فقالوا: يقولون لك شراً فتقول لهم خيراً ؟! قال عليه السلام: كل واحد ينفق مما عنده!! وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ؛ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ؛ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ:” لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ “(مسلم).
قال الإمام النووي: ” معناه كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن ، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته ، وإدخالهم الأذى عليه . وقيل : معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل . وقيل : ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم ” . وانظر إلى عبدالله بن مسعود فقد جاءه رجل فقال: “إن لي جار يؤذيني ويشتمني ويضيق عليّ فقال ابن مسعود: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه” (إحياء علوم الدين) .
ولذلك ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والصفح والتسامح، فقيل له:
كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.
عباد الله: فما أحوجنا إلى الخلق الجليل في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته، ما أحوجنا إلى السهولة واليسر، والسماحة والتجاوز، حتى نعيش في هذه الدنيا بهناء، ونكون يوم القيامة سعداء !!
اللهم طهر قلوبنا من النفاق؛ وألسنتنا من الكذب؛ وأعيننا من الخيانة؛ وارزقنا السماحة في أقوالنا وأفعالنا وتعاملاتنا؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
__________________________
للإطلاع علي قسم خطبةالجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعةالقادمة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع