الدكتور أحمـد علي سليمـان يكتب : الصيام وتربية المسلم على التواضع
الصيام ركن ركين من أركان الإسلام، فضله عظيم ونفعه عميم، يزرع الأخلاق والقيم الفاضلة في نفس المسلم، لذلك شرفه الله سبحانه وتعالى بإضافته إلى نفسه، حيث جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: (كل عمل ابن آدم له، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به، إنه يترك الطعام وشهوته من أجلي، ويترك الشراب وشهوته من أجلي، فهو لي وأنا أجزي به) (سنن الدارمي).. والصيام يؤثر في أخلاق المسلم أيما تأثير.. ومن ضمن الآثار التي يتركها الصيام على الصائم قيمة التواضع.. تلك القيمة الراقية التي نحن في أمس الحاجة لها، وإلى تمثلها في شتى مراحل حياتنا..
والتواضع هو عدم التعالي أو التكبر على خلق الله.. وهو صفة جميلة تدل على صفاء النفس وطهارتها وتدعو إلى المحبة والمساواة التي ينشرها شهر الصيام، والتواضع ينشر الحب والترابط ويمحو الحقد والحسد من نفوس الناس ، وقبل ذلك كله يؤدي إلى رضا الله. وربنا سبحانه وتعالى أراد أن يلفت أنظارنا ويحفزنا بقوة إلى هذا الخلق الكريم فقال: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص : 83).. ويقول مولانا: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159) ويقول: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (لقمان: 18). وغيرها من الآيات كثير..
ويؤكد النبي (صلى الله عليه وسلم) على هذه المعاني فيقول: (من تواضع لله رفعه الله). ويقول: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). وورد في الأثر أن الله قال في الحديث القدسي: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيما أدخلته النار..وقديما قيل: المتكبر على الطائر في السماء كلما علا وارتفع، كلما قل في نظر الآخرين.. والتواضع كان خلقا أصيلا وسمة أساسية من أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) وله في حياته صور كثيرة ومتجددة كانت تظهر كل يوم للصحابة الكرام: منها ما قالها (صلى الله عليه وسلم) ومنها ما فعلها : ولنتأمل : (إن الله يكره من عبده أن يكون متميزا على غيره)، (أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)، ولما أراد بعض الصحابة أن يذبحوا شاة قال أحدهم: أنا عليّ ذبحها، وقال الآخر وأنا عليّ سلخها، وقال الثالث وأنا عليّ شويها.. حينها قال (صلى الله عليه وسلم) وأنا عليّ جمع الحطب.. حيث أختار (صلى الله عليه وسلم) عملا متواضعا لكي يرسخ قيمة التواضع.. ولم يضع ساقا على ساق ويجلس في مكان مرتفع يأمر ويوبخ. كلا فهو الصادق وهو الرحيم وهو المتواضع المعصوم.. إن التواضع أنواع، أسماه وأعلاه التواضع مع الله سبحانه وتعالى، والتواضع مع رسوله (صلى الله عليه وسلم) بأن يقدس المرء ويحترم تعليمات الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، وهناك التواضع مع الناس بعدم التكبر أو التعالي عليهم أو ينظر إليهم نظرة فيها دونية أو احتقار.. ولنرفع إلى عنان السماء قول سيدنا أبي بكر الصديق: “لا يحقرن أحد أحدا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير” والمسلم أيضا مطالب بأن يكون متواضعا مع كافة مفردات الطبيعة والكون من نبات وحيوان وجماد..
والمسلم حينما يتواضع لله فيصوم رمضان ويخلص العمل فيه ويساعد الفقراء ويقف متواضعا في الصلاة وفي صلاة التراويح، ويحنو على الضعفاء.. إلخ هذا المسلم يصبح متواضعا ويتمثل هذا الخلق -الذي اكتسبه من الصيام- طوال العام.. فما أجمل شهر رمضان شهر الخير.. ناشر الفضيلة والجمال والقيم في أرجاء أرض الإسلام والمسلمين.. وما أحوجنا إلى ذلك.