الدرس الثامن: رمضان شهر العبادة ، للدكتور خالد بدير
سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثامن: رمضان شهر العبادة ، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الدرس رمضان شهر العبادة كما يلي:
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
سلسلة الدروس الرمضانية : رمضان شهر العبادة
الدرس الثامن: رمضان شهر العبادة
لقد تعود الناس بمجرد دخول شهر رمضان المبارك أن يحافظوا على العبادة من صيام وصلاة وقيام وقرآن وإنفاق وغير ذلك من العبادات والأعمال الصالحة .
ولكن هنا عدة أسئلة تشغل الكثير ؛ نقف حول الإجابة عنها في هذا اللقاء إن شاء الله تعالى وذلك من خلال المحاور الأربعة الآتية :
المحور الأول: لماذا خلقنا الله ؟!!
المحور الثاني: هل الله –عز وجل– في حاجة وافتقار إلى عبادتنا؛ أو بمعنى آخر: هل عبادتنا تنفع الله أو معصيتنا تضر الله؟!
المحور الثالث: ما هو تصوير القرآن لمن لا يعبد الله على الإطلاق ؟!!!
المحور الرابع: هل إذا كنت في عملي أو وظيفتي أو مصنعي أو تجارتي أعتبر في عبادة لله ؟!!!
فتعالوا بنا لنجيب عن هذه الأسئلة من خلال هذه المحاور والله والمستعان وعليه التكلان !!
رمضان شهر العبادة
المحور الأول: لماذا خلقنا الله ؟!!
الجواب على ذلك في القرآن والسنة، فقد خلق الله الخلق ليعبدوه ويوحدوه ولا يشركوا به شيئاً، يقول الحق عزّ وجلّ: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}( الذاريات: 56 – 58)
فقد تكفل الله لعباده بالرزق وضمنه لهم، ومع ذلك إذا انقطع العبد عن الطاعة والعبادة فإن الله لا يقطع عنه الرزق، ( عبدي لي عليك فريضة ولك عليَّ رزقٌ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك.)
ولأجل سمو العبادة عن مدارك الأفهام وعن سلطان العقول لم يكلها الله سبحانه وتعالى إلى أفكار الناس وتجاربهم، بل أرسل بها رسله مبشرين ومنذرين، وكلّ رسول منهم يحمل الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وإخلاصها له وعدم إشراك غيره فيها، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء/25)، { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}(النحل/36)، وقد حكى سبحانه وتعالى عن نوح وهود وشعيب وصالح، أنهم قالوا لقومهم: { اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ( الأعراف/59)، وحكى عزّ وجلّ عن المسيح عليه السلام أنه قال: { اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم } (المائدة/72)،
ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – ظل الفترة المكية كلها يدعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له:
واستمر ذلك ثلاثة عشر عاماً لم ينزل فيها أحكام تشريعية، فحق الله على عباده أن يعبدوه وفي المقابل إذا حققوا العبودية كانوا بمأمن من عذاب رب العالمين، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : ” كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ ، يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ ، قَالَ : فَقَالَ : يَا مُعَاذُ ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ، قَالَ : لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ” . [متفق عليه].
المحور الثاني : هل الله –عز وجل– في حاجة وافتقار إلى عبادتنا ؛ أو بمعنى آخر: هل عبادتنا تنفع الله أو معصيتنا تضر الله ؟!
الجواب على ذلك: أن الله – عز وجل – ليس مفتقراً أو محتاجاً لعبادتنا ، وكما جاء في الأثر: ” يا عبادي إني لم أخلقكم لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستعين بكم على أمر عجزت عنه، وإنما خلقتكم لتعبدوني طويلاً، وتذكروني كثيراً، وتسبحوني بكرة وأصيلاً ” .
كما أن عبادتك وطاعتك لا تنفع الله، ومعصيتك لا تضر الله: ” يَا عِبَادِي, إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي, وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي, يَا عِبَادِي, لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ, مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا, يَا عِبَادِي, لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ, مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا, يَا عِبَادِي, لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي, فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ, مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي, إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ, يَا عِبَادِي, إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ, ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ, وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ, فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ “. (مسلم)
فالذي يعمل صالحاً يعمل لنفسه، فهو المستفيد بعمله الصالح في دنياه وأخراه، وذلك في مقابلة المسيء فعمله السيئ كذلك لنفسه في دنياه وأخراه. قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}( فصلت: 46)
ولنضرب لذلك مثالاً على أرض الواقع: إنك تسعى بكل جهدك ووسعك وطاقتك أن تُعَلِّم ولدك ليحصل على أعلى الشهادات، ومع ذلك هو المستفيد إن نجح وأفلح، وهو الخاسر الأكبر إن خاب وفشل، وكما قيل في المثل العامي: ( إل بياكل على درسه بينفع نفسه )
نخلص من عنصرنا هذا أن الغاية من خلق الإنسان هي العبادة، والعبادة لا تنفع الله، والمعصية لا تضر الله، وأن الإنسان أحسن أو أساء فلنفسه.
المحور الثالث: ما هو تصوير القرآن لمن لا يعبد الله على الإطلاق ؟!!!
كثيرٌ من الناس لم يركع لله ركعة ولم يدخل المسجد يوماً، ويعيش في الدنيا ليأكل ويشرب فقط فكيف صوَّره القرآن؟!!!
إذا كان الإنسان يتكون من روح وجسم، وكان الغذاء المادي هو قوام الجسم؛ فإن عبادة الله تعالى على اختلاف أصنافها، وتنوع ضروبها هي قوام الروح ، وهي الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان وكرمه من بين سائر المخلوقات، ومظاهر هذا التكريم أن الله جمع فيه صفات العالم العلوي ( الملائكة ) والتي تتمثل في الجانب الروحي، وصفات العالم السفلي ( الحيوانات والبهائم ) والتي تتمثل في الجانب المادي الشهواني، فإذا اهتم الإنسان بالجانب الروحي وتغلب على شهواته وقمعها وهذبها؛ صعد بروحه إلى أعلى حتى يصل إلى درجة الملائكة، لأن هناك قاعدة عامة عند العلماء تقول: وجود الشهوة مع قمعها أفضل من عدم وجودها، فكلما كثرت الشهوات والفتن وتغلب العبد عليها كلما كان أكثر أجراً عند الله، يدل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – :
” الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ” [مسلم]. قال الإمام النووي: ” المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس ، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ، ويشتغلون عنها ، ولا يتفرغ لها إلا أفراد .”
فالذي يعبد الله في زمان الفتن كالزمان الذي نعيش فيه الآن، يأخذ أجور الناس جميعًا.
لذلك فإن المعصية تصير كبيرة من الشيخ الكبير، كما أن الطاعة أجرها عظيم من الشاب الفتيِّ.
فقد جاء في الأثر الإلهي: ” أحب ثلاثاً وحبي لثلاث أشد ، أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد، وأحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، وأحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد ، وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد ، وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد ، وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد “
أما إذا أهمل الجانب الروحي واهتم بغذاء الجانب المادي من ملبس ومركب وغذاء وشراب وغيرها من ملذات الحياة كحال كثير ممن الناس الذين لا يعرفون للمسجد طريقاً ولا للحسنات سبيلاً، فإنه يهبط إلى أسفل حتى يصل إلى درجة البهائم.قال تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }(الأعراف: 179)
إن الحياة بدون عبادة حياة خاوية الروح، مظلمة الفكر، منتنة الطبع، متعفنة الفطرة، مرة المذاق، ولا أدل على ذلك من حالات الناس في تلك المجتمعات التي فقدت السلطان الروحي؛ حيث يندفع الكثير منهم إلى الانتحار نتيجة القلق النفسي، فإن عبادة الله سبحانه وتعالى بها يحفظ التوازن بين مطالب الجسم ورغائب الروح، وبين دوافع الغرائز ودواعي الضمائر، وبين تطلعات العقل وأشواق القلب، وهي مدد ووقود لجذوة العقيدة التي تنير جوانب النفس.
ولذلك ” كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا حزبه أمر صلى ” ( أبو داود )، وكلما أحس – صلى الله عليه وسلم – بضيق أو هَمٍّ يقول: ” أقم الصلاة يا بلال أرحنا بها ” ( أبو داود ) ، فكلما بعدتَّ عن العبادة والطاعة كنتَ في ضيق وغمٍّ وقلق نفسي وتوتر وضنك ، والشفاء والعلاج في صلتك بالله، { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }( طه: 124 – 126 )
وقد وصف الله حال من لا يعبده بالبهائم، بل هو أضل لأن البهائم تسبح الله وتسجد له؛ فتكون أعلى مرتبة منه. { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }( الإسراء:44)
وقد أوقفتني آية كريمة في سورة الحج تبين أن الكون بما فيه يسجد لله لا يتخلف لحظة إلا الإنسان {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }.( الحج : 18) ، فمن المعروف في اللغة أن المعطوف يوافق المعطوف عليه في أربعة من عشرة، والله – عز وجل – عطف جميع المخلوقات بــ ” ال ” التي تفيد عموم وشمول جنس كل نوع من هذه المخلوقات – من شمس وقمر ونجوم وجبال وشجر ودواب- وجاء عند الإنسان فعدل عن سياق العطف فقال: { وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } ليشير إلى أن جميع المخلوقات لا تتخلف لحظة عن التسبيح والسجود والعبادة, وأن الإنسان الوحيد الذي لم يخلق إلا للعبادة هو الذي يتخلف!!!!
المحور الرابع: هل إذا كنت في عملي أو وظيفتي أو مصنعي أو تجارتي أعتبر في عبادة لله ؟!!!
الجواب: من عظمة الإسلام وروحه أنه صبغ أعمال الإنسان – أياً كانت هذه الأعمال دنيوية أو أخروية – بصبغة العبادة إذا أخلص العبد فيها لله سبحانه وتعالي، فالرجل في حقله والصانع في مصنعه والتاجر في متجره ، والمدرس في مدرسته ، والزارع في مزرعته….. الخ ، كل هؤلاء يعتبرون في عبادة إذا ما أحسنوا واحتسبوا وأخلصوا النية لله تعالي في عملهم، فالفرد مع أنه يعمل من أجل العيش والبقاء والحصول على زاد يقيم صلبه إلا أنه في عبادة لله سبحانه وتعالي ، وهذا هو الفارق بين العامل المسلم الذي يرجو ثواب الآخرة قبل ثواب الدنيا.
وقد أكد القرآن هذه الحقيقة في قوله تعالى: { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }. ( المزمل: 20) ،قال الإمام القرطبي – رحمه الله – “سوى الله تعالي في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال ، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله”
وعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”.(الطبراني بسند صحيح).
ويقول – صلى الله عليه وسلم – : ” وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ” . ( مسلم )
قال الإمام النووي: ” في هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات ، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به ، أو طلب ولد صالح ، أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعهما جميعاً من النظر إلى حرام ، أو الفكر فيه ، أو الهم به ، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة .”
يؤخذ من كل ما سبق أن العمل عبادة ، وهذه عبارة صحيحة في ميزان الشرع ولكن يضاف لها إضافة بسيطة ( العمل عبادة في غير وقت العبادة )
لأن كثيراً من الناس يتركون الصلاة بحجة العمل عبادة ، لذلك وقَّتَ الله الصلاة بوقت { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}(النساء: 103 )، وأمرك أن تترك تجارتك وعملك وتهرع إلى الصلاة، لأن هذا الوقت ملك لله ويحرم فيه بيع أو شراء أو عمل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }. ( الجمعة : 9 – 11 )
لَمَّا حَجَر الله عليهم في التصرف بعد النداء بيعاً وشراءً وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، كما كان عرَاك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين. ( رواه ابن أبي حاتم ).
وكان أحد الصالحين يعمل حداداً فإذا سمع الأذان لا ينزل المطرقة على السندان حتى يستجيب لنداء الله، لأن المؤذن يقول: الله أكبر، أي أكبر مما في يدك.
وقد عاتب الله بعض الصحابة لما انشغلوا بالتجارة وتركوا سماع الخطبة، فروي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بينما هو يخطب في الناس، إذ قدم المدينة عيرٌ تحمل تجارة، فلما سمع الناس بها، وهم في المسجد، انفضوا من المسجد، وتركوا النبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب استعجالاً لما لا ينبغي أن يستعجل له، وترك أدب، فأنزل الله: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ، فلا ينبغي للعبد أن ينشغل بالدنيا وما فيها ويترك العبادة، لأن الله سخر كل هذه المخلوقات الكونية لخدمة الإنسان ليستعين بها على طاعة الله لا لتشغله عن عبادته!!!!
وقد جاء في الأثر الإلهي: ” عبدي: خلقتك من أجلى، وخلقت الأشياء كلها من أجلك، فلا تنشغل بما هو لك عما أنت له.”
وبعد: فهذه رسالة أحببت أن أبلغها لإخواني وآبائي الذين يعملون في حقولهم وزراعاتهم وتجاراتهم أن لا تشغلهم عن عبادة ربهم.
اللهم إني قد بلَّغت اللهم فاشهد يا رب العالمين، جعلني الله وإياكم من عباده المخلصين،،،،،،،
كتب رمضان شهر العبادة : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع