اغتنموا العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر ، للشيخ كمال المهدي
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والتسليم.
أما بعد :
أحبتي في الله :
!!! بداية : أقول لكم لقد انشغل الكثير من الناس في هذه الأيام بهذا الوباء الذي حل بالعالم أجمع وأردت أن أنبه أنه لا ينبغي أن يشغلنا هذا الوباء عن هذه النفحات والبركات القادمات علينا ألا وهي أيام وليالي العشر الأواخر من رمضان..
* فها هي أيام رمضان تمر بسرعة فائقة حتى وصلنا إلى العشر الأواخر منها
وما أدراك ما العشر؟
أيها الأحبة إن الله جل وعلا يصطفي من خلقه ما يشاء ويختار فهو القائل (وربك يخلق ما يشاء ويختار)
فاختار من الشهور شهر رمضان فضله على بقية الشهور وخص لياليه بالفضل المشهور
واختار من لياليه ليالي العشر الأواخر
واختارمن ليالي العشر ليلة القدر
وها هي أيام العشرالاواخر قد أقبلت.
**(هذه العشر) **عباد الله :
قد خصها ربنا جل وعلا بفضائل جمة وخصائص مشهودة ،وهذا من كرم الله تعالى وعظيم جوده واحسانه ان جعل خير ليالي الشهر أواخرها ليزداد المحسنون ويستدرك المقصرون .
**هذه العشر”” الأواخر من رمضان التي أختصها الله عز وجل بالفضائل والأجور الكثيرة والخيرات الوفيرة،
*هذه العشر* حوت فضائلَ جليلةً كثيرةً، وأجوراً كريمةً وفيرةً؛ فحريٌّ بكلِّ مسلم أن يغتنمها، وبكلِّ مؤمنٍ أن يستثمرها، أسوته في ذلك نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام الّذي كان إذا دخلت عليه العشر الأواخر، أقبل على عبادة ربِّه وشمّر، واعتزل نساءه وشدّ المئزر، وأحيا اللّيل بالصّلاة وقرأ القرآن وتدبّر، واجتهد فيها بالطّاعة ما لا يجتهد في غيرها من اللّيالي الغوابر..
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ -أي: من رمضان- مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ»، رواه مسلم وفي الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ». ومعنى (شدّ المئزر) أي: اعتزل النّساء ؛ كما فسّره بذلك سفيان الثّوريّ . وإنّما كان النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في هذه الليالي الطّيّبات ؛ ليتقرّبوا إلى الله سبحانه بالصّالحات، ويشهدوا ما فيها من الخيرات، وينالهم ما فيها من الرّحمات والبركات.
*وعلى هذا النهج كان الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يجتهدون في العبادة في هذه الليالي العشر ، ويأمرون بذلك أهليهم ويوقظونهم؛ فها هو عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلاَةِ، يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلاَةَ! الصَّلاَةَ!، ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)
**فينبغي للمسلم في هذه الليالي الغاليات التي والله إنها لتمر كما مرت الليالي الماضيات أن يجد ويجتهد في هذه العشر من قيام الليل الذي هو دأب الصالحين وأن يعتني بالصلاة ويكثر من القيام والركوع والسجود والتلاوة والخشوع.
وأن يوقظ الأهل والأولاد ليشاركوا المسلمين في إظهار هذه الشعيرة ويشتركوا في الأجر والثواب ويتربوا على العبادة.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ».
**وإن من أعظم أسباب البركة و الفضل، والاجر لهذه الليالي العشر، أن فيها
* ((ليلة القدر)) *
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر: في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى”، وفي لفظ: “هي في العشر الأواخر في تسع يمضين أو في سبع يبقين”
***
فطوبى لإمريء يطلبها ** في هــذه العشـر
ففيها تنزل الامــلاك. ** بالانــوار والبـر
وقـد قال سـلام هي ** حتى مطلع الفجـر
ألا فادخــرها انهـا ** من أنفس الذخـر
فكم مـن معتق فيهـا ** من النار ولايدري
***
تلك الليلة المباركة الشريفة التي أنزل فيها القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، والتي هي خير من ألف شهر في العبادة والذكر والدعاء والقيام ، قال تعالى في فضلها وعظم قدرها:” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِوَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍتَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍسَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”
***
**(هذه الليلة)
سلام للمؤمنين من كل سوء، وحصن لهم من كل شر ،من غروب شمسها الى طلوع فجرها
قال تعالى :
( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)
.** هذه الليلة مطلب المؤمنين ورجاء الصالحين وأمنية المتقين ، فيها يتنزل الروح الامين جبريل عليه السلام والملائكة الكرام يشهدون مواطن الذكر والقيام والدعاء ،فتعم الانوار وتحل البركات وتكثر الخيرات وتجاب الدعوات ، سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم :” أرأيت ان وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال:قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني”
**،(وفي هذه الليلة)
عباد الله تقدر أقدار العام َقَالَ قَتَادَة وَغَيْره تُقْتَضَى فِيهَا الْأُمُور وَتُقَدَّر الْآجَال وَالْأَرْزَاق كَمَا قَالَ تَعَالَى ” فِيهَا يُفْرَق كُلّ أَمْر حَكِيم ” . وقد بشر المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضلها العميم حين قال :” من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه”
**(في هذه الليلة)
• نزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ونزل أوله من السماء الدنيا
وقال تعالى (إنا أنزلناه في ليله القدر)
**(في هذه الليلة)
العمل خير من العمل في ألف شهر في غيرها، فالعمل والعبادة في هذه الليلة لمن وفقه الله تعدل هذا الزمن الكبير ألف شهر، فهل يحق لعاقل أن يفرط في هذا الفضل
**(في هذه الليلة)
يغفر الله لمن قامها إيمانا واحتسابا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ،)).
***
وقد أخفى الله ليلة القدر رحمة بعباده؛ لأمور منها: زيادة حسناتهم إذا اجتهدوا في العبادة بأنواعها في هذه الليالي، واختباراً لعباده؛ ليتبين الصادق في طلبها من غيره؛
***
فحري بنا أيها الأحبة أن نجتهد في تحريها وان نجّد في طلبها ، فهي والله الغنيمة الباردة فاز من ظفر بها ، وحرم من ضيعها وفرط ، كما أخبر الصادق المصدوق حين قال :” فيه ليلة هي خير من الف شهرمن حرم خيرها فقد حرم” .
*فسابقوا أيها الأحبة طالما في العمر بقية واغتنموا الساعات واللحظات في هذه الليالي المباركات.
***
فبادر إذاً مادام في العمر فسحةٌ * وعدلُك مقبول وصرفك قيِّمُ
!!! فبادر أخي الحبيب قبل أن يأتيك الموت وعندها تتمنى أن لو قدرت على لحظة طاعة ولكن هيهات هيهات.!!!
يا ساهياً يا لا هياً عما يرادُ به **
آن الرحيلُ وما قدمتَ من زادِ **
ترجوا البقاء صحيحا سالما أبدا **
هيهات إن غداً فيمن غدا غادِ..
*
أسأل الله تعالى أن يوفقنا للقطاعات في هذه الايام الماركات وأن يتقبل منا صالح الأعمال…
**كتبه:
كمال السيد محمود محمد المهدي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية