أحمد نورالدين يكتب : الإعلام.. ودوره في السلام والتنمية المجتمعية
يمثل الإعلام وعالم المعلومات والمعرفة مكانا محوريا مهما في حياة الدول والشعوب الآن ، والإعلام وتكنولوجيا المعلومات ، تتيح للناس في كل أنحاء العالم، إمكانيات جديدة وفرصا للارتقاء في سلم التنمية, إذ لم يعد الإعلام كما يتصوره البعض وسيلة للتسلية أو الترفيه بل أصبح الإعلام مفجرا للثورات ، وناقلا لها كما له دوره في حث الشعوب علي التعاون في أحداث تنمية حقيقية في مجتمعاتهم بما تمتلكه وسائل الإعلام من قدرة علي استنهاض الطاقات وتوجيه الانتباه نحو الوسائل والأهداف التي ينشدها المجتمع .
ويأخذ الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تنمية المجتمعات الآخذة في النمو حيزا كبيرا ورئيسا من اهتمام الباحثين في فروع المعرفة المختلفة سواء أكانوا علماء سياسة أم اجتماع أم اتصال أم اقتصاد.. ولذلك قامت دراسات كثيرة تبحث عن الصلة بين الإعلام والتنمية، وتبحث عن دور وسائل الإعلام ومدى فعاليتها في إنجاز التنمية.. لذا ارتبط الإعلام بالتنمية ارتباطا وثيقا.. فيذكر الدكتور جمال الجاسم المحمود في دراسته ( دور الإعلام في تحقيق التنمية والتكامل الاقتصادي العربي ” تعريف الإعلام التنموي بأنه: “المنظومة الإعلامية الرئيسية أو الفرعية المتخصصة في معالجة قضايا التنمية”.. بينما يُعرفه آخرون بقولهم الإعلام التنموي فرع أساسي ومهم من فروع النشاط الإعلامي يعمل على إحداث التحول الاجتماعي بهدف التطوير والتحديث، أو بمعنى آخر هو العملية التي يمكن من خلالها توجيه أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري داخل المجتمع بما يتفق مع أهداف الحركة التنموية ومصلحة المجتمع العليا.
كما ويُعرَّف بالجهود الاتصالية المخطط لها والمقصودة التي تهدف إلى خلق مواقف واتجاهات ايجابيه وصديقه للتنمية، وبذلك فإن الأعلام التنموي غير معني بصناعة التنمية ولكنه يهيئ الظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية للأفراد والجماعات من اجل أن يستجيبوا للخطط والبرامج التنموية بشكل فعال.. فهو إعلام هادف وشامل، ويفترض أن يكون إعلامًا واقعيًا.. يهدف إلى تحقيق غايات اجتماعية تنموية.. مرتبط بالنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، ويستند إلى الصدق والوضوح والصراحة في التعامل مع الجمهور.
والاستراتيجيات التنموية لا تستغني عن الإعلام فهو العمود الفقري للخطط التنموية , حيث إن علاقتها علاقة تشابكيه موغلة في الترابط على نحو لا يقبل الفصام ، فحاجة الخطط التنموية للإعلام كحاجة الإنسان لأطرافه الحيوية التي يتوصل بها إلى حاجاته الأساسية والكمالية.. ومسئولية الإعلام تجاه عملية التنمية تزويد المجتمع بأكبر قدر من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها والتأكد من دقتها والتثبت من مصدرها ، وبقدر ما في الإعلام من حقائق ومعلومات دقيقة ، بقدر تحقيق أهداف التنمية ، ويركز الكثير من العلماء المهتمين بدور الإعلام في التنمية علي هذه النقطة ويسمون الدور الذي يضطلع به الإعلام في تطوير المجتمعات باسم ( الهندسة الاجتماعية للإعلام الجماهيري ) ، خاصة وان هذا الدور ينصب علي كيفية توجيه الجمهور لخدمة الرخاء الإنساني, ومن هنا نؤكد دورين رئيسيين لوسائل الإعلام: دور الرقيب الحارس على الحكومات، ودور توعية الناس حول القضايا التي تؤثر في حياتهم.
وأشارك الباحث الدكتور خالد ابراهيم المحجوبى رأيه في دراسته (الإعلام والتنمية : نظرة في الترابطية والتفاعلية) : ” لقد صار من الفروق الظاهرة بين المجتمعات المتخلفة ، والمجتمعات المتقدمة ،مدى توغل وشيوع وسائل الإعلام ونجاحها التأثيري في الرأي العام للمواطنين المتواصلين بوعي مع تلك الوسائل ،إن شيوع الوسائل الإعلامية متناسب طردياً مع ازدياد التنمية ، وبتعبير آخر إن انتشارها وتأثيرها متناسب عكسياً مع التخلف والبعد عن الحالة التنموية .
والتنمية في حاجة لوعي جماهيري شعبي ، وهذا الوعي هو من صنائع الإعلام , فالإعلام هو من وسائل تحقيق التنمية فهو آلية ضمن آليات الانتشار التنموي على المستوى الاقتصادي والبشري بعامة ، إنه بلا ريب آلية تنموية فاعلة, علاقتهما ارتباطية متفاعلة ليست علاقة صورية ، ولا وهمية ، ولا معطلة ” .
ومن هنا وجدنا أن ثنائية الإعلام والتنمية ثنائية مترابطة في فاعليتها العملية الواقعية ، ولم يكن غريباً أن نجد في بعض الدول وزارة تحمل اسم وزارة الإعلام والتنمية كما في جزر القمر , تلك الدولة النامية الفقيرة , وأن نجد بعض الجامعات تدرس مادة اسمها (الإعلام والتنمية ) مع وجود مصطلحات دراسية من قبيل : الإعلام التنموي ، والاتصال التنموي , فضلاً عن إنشاء مراكز بحوث قائمة على البحث في ثنائية وتواصلية وتفاعلية الإعلام والتنمية .
بل تتجاوز علاقة الإعلام بالتنمية فيما يشكل الإعلام التنموي , حيث أدواره الوطنية أو المحلية المتخذة بعدا عالميا ودوليا, وقد أولت الدول المتقدمة اهتماماً بالغاً بهذا الفرع, حتى أنه اعتبر 24 أكتوبر من كل عام يوم الإعلام التنموي في العالم. وقد حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1972 يوماً عالميا للإعلام الإنمائي(الإعلام التنموي) للفت انتباه الرأي العام العالمي لمشاكل التنمية والحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي من أجل حلها. وقررت الجمعية العامة أن يتوافق تاريخ هذا اليوم العالمي مع يوم الأمم المتحدة في 24 أكتوبر، وهو التاريخ الذي اعتمدت فيه في عام 1970 الإستراتيجية الإنمائية الدولية الثانية لعقد الأمم المتحدة الإنمائي.
ولما كان الإعلام مرتبط ومرهون بالسلام والتنمية المجتمعية ..فعلى أن أذّكر بأهمية الكلمة في إعلامنا ” المقروء والمسموع والمرئي “وأثرها في بناء أو هدم السلم والسلام الاجتماعي بالمجتمع , فمن الإعلام ما هو صادق يصدق قارئه ومتلقيه .. وما هو كاذب أشر يضل ويضلل , في استهانة بأمانة الكلمة التي أوجبها الله – عز وجل – ورسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم) وشرعنا الحنيف , حيث للكلمة أمانة والتزام.. تبنى وطننا ومجتمعنا .. و تسعى في لَمِّ شَعَثِ أمَّتنا.. و جمعا لصفّه .. و معالجة لقضايا المجتمع التنموية والسلوكية الأخلاقية , تتدثر بثوب الحرية والمسئولية والإخلاص والشجاعة والموضوعية والمهنية.
من هنا أؤكد على إعلامنا, لابد أن يكون أمينا في طرحه وتناوله لقضايا المجتمع ككل خاصة ما يتعلق بالسلوكيات والأخلاق والتنمية.. وان يكون حديثنا كإعلاميين وطرحنا .. كلاما طيبا أصله ثابت وفرعه في السماء يؤتي أكله كل حين بإذن ربه ..وان يكون قلمنا سيفا مشروعا في ساحة الجهاد الفكري .. وميدان المواجهة المعرفية ولن يغلب قلم يكتب صدقا وعدلا .. ويغمس في محابر الأمانة .. ويقطر نزاهة وشفافية وأخلاقا تسمو بالمجتمع وتنهض به إلى كل خير وعلو.
ولعل ما جاء بمواثيق الشرف الإعلامي العربي والإسلامي والمصري لخير دليل على ما يحمله إعلامنا من هموم التنمية المجتمعية للمواطن العربي , ففي باب المسؤوليات بالمادة الثالثة من ميثاق الشرف الإعلامي العربي: ” تتحمل وسائل الإعلام العربية مسؤولية خاصة تجاه الإنسان العربي وهي تلتزم بأن تقدم له الحقيقة الخالصة الهادفة إلى خدمة قضاياه وأن تعمل على تكامل شخصيته القومية وإنمائها فكريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا وإظهار حقوقه وحرياته الأساسية وترسيخ إيمانه بالقيم الروحية والمبادئ الخلقية الأصلية وعلى تربية الشباب على احترام حقوق الإنسان والاعتداد بشخصيته القومية وتنمية حس الإنسان بواجباته تجاه مجتمعة ووطنه وأمته العربية ” .
وورد بميثاق الشرف الإعلامي الإسلامي ما نصه : ” يلتزم الإعلاميون في الدول الإسلامية في التنمية والاهتمام بقضايا المجتمع بدعم خطط التنمية الشاملة في المجتمع الإسلامي بجوانبها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية, بإلقاء الضوء عليها , وتوعية المواطنين بها حافزاً لهم على المشاركة الإيجابية في تحقيق أهدافها ، وتبصير المجتمع بقضاياه الأساسية ومشكلاته العامة والإسهام بشكل إيجابي في علاجها في إطار مفاهيم الإسلام في المسئولية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي ” .
ولابد لنا أن نفعل مواثيق الشرف الاعلامى المصري والعربي والاسلامى.. وأن يكون همنا الأول والأخير ورسالتنا – كإعلاميين- حمل هموم مجتمعنا .. وهمّ كل مواطن مصري وعربي وتنميته أينما كان.. رمزا لإعلام صادق.. نظيف وموضوعي .. بأيد وفضائيات أمينة وأقلام تتمتع بالحرفية والصدق والوطنية والنزاهة والأنصاف و التوازن والحيادية والوضوح والدقة.. إيمانا وعملا ومهنية.. فكلمتنا أمانة عظيمة وكبرى.. مُلقاة على عاتقنا.. نهدف من خلال دورها الفعّال.. إلى توجيه وإرشاد أمّتنا ووطنا الغالي مصر لكل خير ومنفعة .. نسمو به , نبثّ أفكارا وآراء تبنى ولا تهدم , تعالج ولا تسقم , تعلو ولا تهبط, نطرح قضايا تأخذ مسار التوجيه ، نسُموًّا في كتاباتنا .. ونعُلوًّ في همّتنا .. بعلاج مصيب.. لا يُكتب إلا بعد التمحيص والنظر الدقيق..حفاظا على وطننا .. وأخلاقه .. وقِيَمه .. وأمنه .. متشحين برداء وثوب الحرية والمسئولية والفضيلة .. رافعين شعارها .. نقبل الرأي الآخر ولا نحجر عليه في شجاعة وود لا ينفصلان .
وإذا كان من وظيفة الإعلام الرئيسة والأساسية التصدي لكل ما هو سلبي وعلاجه بالمجتمع , فإنني أرى أن له مهمة سامية لا تقل عما سبق, وهى إبرازه للتجارب البناءة الايجابية بالمجتمع التي تدفع وتخطو به خطوات حثيثة إلى الأمام وتعلو به إلى العلا.. ومن التجارب التي أرى عظم نفعها العام على مجتمعنا ووطننا الحبيب مصر –حفظها الله- ونحن نتحدث عن الإعلام ودوره في بناء السلام والتنمية بالمجتمع .. هذه التجربة الرائدة التى أنفذها للأزهر الشريف بدعوة مباركة منه ومن القائمين على رواق التدريب به.. وهى تنفيذ دورة فن التحرير الصحفي برحاب الرواق العباسي بالجامع الأزهر .. وصولا لهدف سام مبتغاه , تخريج جيل من الصحفيين والإعلاميين يراعون الله وأمانة الكلمة فيما يكتبونه ويتناولونه في طرحهم المهني , واضعين نصب أعينهم قول ربَّنا عز وجل : ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].. وقوله سبحانه : ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 24 – 25].. انطلاقا من دور الأزهر الشريف التنويري الفكري المعرفي, ومعينه الذي لن ينضب بمشيئة الله تعالى .
ختاما .. ليكن إعلامنا دعوة إلى اللسان ليكف أذاه ويعف، فلا ينطق إلا حقا، ولا يقول إلا صدقا .. نقدمه بناء للوطن لا هادم له، وعمارة لمجتمعنا لا مخرب له.. وسمواً يرفض السقوط والتدني، وشرفاً يرفض المساومة ويأبى المتاجرة، ميدانا للفكر والثقافة وكل ما يرقي الإنسان ويطهر وجوده ويصحح رسالته ويرشد دوره.. نقدمه على أنه منهجاً لاستثمار الطاقات الإنسانية ودافعاً لقوى الإبداع فيها لتتقدم وتجدد وتضيف.. و ليكن أملى وأملكم ورسالتُنا جميعا التي نهدف إليها.. بناء إنسان مصري وعربي.. ينمى وينهض بوطننا الكريم .. وصدق المثل الصيني : ” إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحا, وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة, أما إذا أردت أن تزرع لمائة سنة فازرع إنسانا “.. وليكن إعلامنا لمجتمعنا فاتحا لكل خير .. غالقا لكل شر .