أحمد نورالدين يحاور الداعية والباحث في العلاقات الإسلامية الغربية والمدير التنفيذي السابق لرابطة “الجامعات الإسلامية، د. أحمد علي سليمان

شيخ الأزهر يستحق عن جدارة جائزة نوبل للسلام بعد زيارته للفاتيكان ومبادراته للسلام المجتمعى

نحتاج تربية إعلامية تقوي الجهاز المناعي الفكري والسلوكي لشباب الأمة.. وتواجه اختراق الإعلام الجديد

همّي تطوير التعليم والارتقاء به في دول العالم الإسلامي وتحقيق جودته بطروحات تغذيه وتساعد صناع القرار التربوي

–  نهض المسلمون عندما أيقنوا أن العقل شريك النص في معرفة الحقائق  والاختلاف في الرأي وسيلة للتقارب والتآلف

الداعية الذكى لا يبدأ بالمحرمات والممنوعات.. بل يرسم الطريق الصحيح والقويم لمن يدعوهم

إصلاح المؤسسات التربوية ضرورة حياتية لتحقيق النهضة المنشودة لمصرنا ولابد من التعرف على مكمن الداء

يتصدى المسلمون لتحدياتهم بالاعتصام بالله و الاهتمام بالعلم وتوفير ومناخ محفز وحاضن للإبداع

–  على منظمة التعاون الإسلامي وحكوماتنا والأزهر الشريف ووسائل الإعلام النهوض بالحوار مع الغرب

الداعية الموسوعي  قادر على التجديد والفهم العميق لنصوص القرآن والسُّنة وتطوير الخطاب الديني

– مجلة الأزهر مفخرة للمسلمين في كل مكان عبر تاريخها الممتد لـ90 عاما، وبعد تطويرها الأخير

حاوره : أحمد نور الدين%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d9%85

الدكتور أحمد على سليمان شابٌ نابهٌ من علماء الأزهر الشريف، لديه خبرة كبيرة بطبيعة الدول الغربية وثقافتها ومشكلات المسلمين هناك، حيث أُوفد إلى كثير من دول الغرب وقارة أسترليا؛ للدعوة إلى الله والتعريف بالإسلام إبان المشكلات التي تعرض لها العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة ومنها: الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، وفيلم فتنة، وغيره، فأسهم في تغيير صورة كثير من الغربيين عن الإسلام وقد نموذجُا دعويًّا حضاريًّا للداعية الناجح في أستراليا والدانمارك والسويد وبلجيكا وهولندا. وتُعول عليه المؤسسات الدينية والتربوية كثيرا من الآمال؛ فهو يتميز بحضور عال في المحافل الدولية والمحلية، وعلى الرغم من جهوده الدعوية، فإنه لم يبتعد عن التربية والتعليم، فيعمل حاليا عضوا بالمكتب الفني بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد – قطاع التعليم الأزهري، وظل ملتصقًا بالمؤسسة الأزهرية الدينية، فاختير عضوًا بمكتب جامعة الأزهر للتميز الدولي، ومع كثرة مشاغله الإدارية والدعوية، حافظ على وشائج التواصل مع رابطة الجامعات الإسلامية التي عمل بها مدة طويلة مديرًا تنفيذيًّا لها، ويمتلك دائرة معارف كبيرة جدا مع قادة العمل الإسلامي في كثير من دول العالم.

“صوت الدعاة” التقته، فأكد لنا أن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الحائز على لقب أول الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم، يستحق عن جدارة واستحقاق جائزة نوبل للسلام، بعد أن تبنى قضية الحوار سواء على مستوى حوار المسلم مع المسلم فأنشأ الرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف وترأس مجلس حكماء المسلمين وغيره لدعم هذا التوجه، كما عمل على ترسيخ الحوار الإسلامي مع شركاء الوطن من الأخوة المسيحيين من خلال إنشائه ودعمه لبيت العائلة المصري، ودشن جهوده في نشر السلام العالمي بالزيارة التاريخية التي قام بها إلى الفاتيكان وهي الأولى من نوعها التي يقوم بها شيخ للأزهر عبر تاريخه، فأحيا بها قضية حوار الأديان بعد توقف دام سنوات متعددة، وناقش مع بابا الفاتيكان البابا فرنسيس قضية السلام العالمي ملحًا على ضرورة إيجاد مواقف مشتركة تقرب المسافات بين الشرق والغرب وتزيل آثار صراعات الماضي وحروبه وأزماته، وتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب وتحقيق المحبة والسلام العالمي, كما وتناول د. سليمان في حواره مع “صوت الدعاة” إصلاح المؤسسات التربوية وضرورة ذلك الإصلاح لتحقيق النهضة المنشودة لمصرنا الحبيبة, وكذلك قضية التطرف والإرهاب موضحاً أن الأزهر الشريف الذي مر على إنشائه ألف وسبعة وسبعين عاما هجريًّا / ألف وأربعة وأربعين عاما ميلاديًّا، لم يعرف طوال هذه المدة التطرف والتعصب ضد الآخر المختلف معه في الفكر أو المذهب أو الدين، بل حرص على تدريس جميع المذاهب الإسلامية التي تعتتنقها الأمة، وسمح لغير المسلمين بالدراسة والتدريس في جاِمعِه العتيق. وغير ذلك من قضايا مهمة.. وإلى نص الحوار.%d9%85%d8%b9-%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d9%87%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86-%d9%88%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d8%b7%d8%a9

** بداية فضيلة الدكتور، ما تعليقك على الزيارة التاريخية التي قام بها الإمام الطيب إلى الفاتيكان ودلالاتها من وجهة نظرك؟

علماء التربية النفس الاجتماع يقررون بأن رؤية الإنسان لذاته ودوره ورسالته، ورؤيته للبيئة المحيطة، وكذلك رؤيته للكون والحياة، تتشكل من خلال: العقيدة التي يعتقدها الإنسان ويدين بها، والبيئة التي يعيش فيها والثقافة التي تربى عليها وتكوَّن عقلُه ووجدانُه من خلالها والإمام الأكبر نشأ وتربي في مدينة الأقصر مدينة الحضارات، ورأى أمامه السياح الوافدين على المدينة بجميع جنسياتهم وألوانهم، وتعلم بعض اللغات، ونشأ في الأزهر الشريف، وتعلم فيه أن الصحابة الكرام حينما دخلوا مصر رأوا الآثار المصرية والرومانية القديمة، ولم يعتدوا عليها، وكذلك دور العبادة اليهودية والمسيحية، فأبقوقها كما هي، وحموها وحثوا على احترامها، ثم نال فضيلته الدكتوراه ودرس في باريس، وكّون صداقات علمية كثيرة مع أساتذة الغرب، ومن ثم فليس غريبًا عليه أن يتبنى قضية الحوار سواء على مستوى حوار المسلم مع المسلم، كما عمل على ترسيخ (الحوار الإسلامي مع شركاء الوطن من الأخوة المسيحيين) من خلال إنشائه ودعمه لبيت العائلة المصري.

 وعلى العموم، أعتقد أن زيارات شيخ الأزهر الخارجية تعزز من مكانة مصر بين الدول ليس لشيء إلا لأن الأزهر هو بحق ينبوع النور والمحبة والأمان، ومن ثم فإن الإمام الطيب يستحق جائزة نوبل للسلام بعد زيارته للفاتيكان إذ هي الأولى من نوعها التي يقوم بها شيخُ للأزهر عبر تاريخه، وتعد بمثابة إحياء لقضية حوار الأديان بعد توقف دام سنوات عديدة. وقد ناقش إمام السلام شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان بحضور وفد رفع المستوى يضم كلا من: د. عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، د. محمود حمدي زقزوق عضو هيئة كبار العلماء ورئيس مركز الحوار بالأزهر الشريف، د. محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والمستشار محمد عبد السلام مستشار فضيلة الإمام الأكبر، قضية السلام العالمي وكيف أن الغرب والشرق يحتاج إلى مواقف مشتركة تقرب المسافات بينهما وتزيل آثار صراعات الماضي وحروبه وأزماته، من أجل التكاتف سويا لمحاربة الإرهاب، وزرع بذور السلام العالمي وتحقيق المنافع المشتركة بين الأمم والشعوب، وأقوم حاليا بالتعاون والتنسيق مع سعادة الأستاذة الدكتورة/ أماني عبد الله الشريف نائب رئيس مكتب جامعة الأزهر للتميز الدولي، والأستاذة بكلية الصيدلة جامعة الأزهر، بقيادة حملة لترشيح فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر للحصول على جائزة نوبل للسلام.

 

** لكن مع عظيم دور الأزهر ورسالته المعاصرة لماذا عند أي حادثة إرهابية يُستدعى الأزهر وتُصوّب له سهام الاتهام؟

العالم الآن أصبح قرية صغيرة بفضل التطور الرهيب في وسائل الإعلام وتقنياته، ومما يؤسف له أن ممارسة الإعلام أصبحت متاحة للجميع بانتشار الإعلام الجديد، كما دخل على خط الإعلام شخصيات دخيلة لا تعرف مواثيق الشرف الإعلامي ولا بعضها لا يعرفها الشرف الإعلامي، وهناك جهات لها أجندات ويهمها إضعاف دور الأزهر الشريف والتشكيك فيما يقوم به من جهود فريدة لا يقوى على القيام بها إلا هو، ولك أن تعلم أن التاريخ أثبت أنه كلما قوي الأزهر قويت مصر وشع تأثيرها في كل كان، والعكس بالعكس، وهنا أؤكد لك وللسادة القراء الكرام أن الأزهر الشريف الذي مر على إنشائه ألف وسبعة وسبعين عاما هجريًّا / ألف وأربعة وأربعين عاما ميلاديًّا، لم يعرف خلالها التطرف والتعصب ضد الآخر المختلف معه في الفكر أو المذهب أو الدين، بل حرص على تدريس جميع المذاهب الإسلامية التي تعتتنقها الأمة، وهو الذي سمح لغير المسلمين بالدراسة والتدريس في جاِمعِه العتيق كما أشرنا كالمصنف اليهودي المعروف “موسى بن ميمون” الذي كان يعيش في بلاد الأندلس.

وأروقة الأزهر أسهمت عبر تاريخه المديد في التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب، فكان الوافدون بعد أن يتقنوا اللغة العربية يترجمون ما تعلموه في الأزهر إلى لغاتهم والعكس؛ ما أدى إلى التقارب والتفاعل بين الشعوب والثقافات.

أما مناهج التعليم الأزهري فهي بلا شك تحارب التطرف في الفكر وفي السلوك، وتحث في الوقت نفسه على القيم الإنسانية الدافعة نحو التعايش السلمي وقبول الآخر والتعاون معه، كالتسامح والعفو والرحمة والمحبة والإحسان وعدم إيذاء الجار والقول بالتي هي أحسن، فضًلا عن النظافة واحترام الوقت وخصوصية الآخرين، وعدم التجسس، وجودة العمل واتقانه، وتعمير الأرض، والاستثمار في الإنسان كإنسان.

وهذه قوافل الأزهر الشريف الدعوية والتعليمية تنتشر في كل مكان من أرض الله؛ لنشر التسامح والسلام، كما يفتح الأزهر الشريف أبوابه كل عام لاستقبال آلاف الطلاب الوافدين للدراسة بمعاهده وجامعته.والدليل الدامغ على سقوط دعاوى اتهام الأزهر يتجّلى في الحقيقة التي تقول إن ظهور تيارات العنف والقتل والتخريب كداعش وغيرها في الفترة الأخيرة قد مثَّل تحديًا كبيًرا أمام الأزهر الشريف الذي استنفر علمائه لمجابهة الفكر المنحرف بالفكر الرشيد وأعتقد يقيناً أنهم لم يكلوا ولن يتوانوا في تصحيح الفكر المغلوط وتجديد الخطاب الديني ونشر رسالة المحبة والتسامح والسلام بين الناس.

ولدينا تجارب حضارية يمكن الاحتذاء بها وهي تجربة مرصد الأزهر باللغات الأجنبية الذي أنشأه فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر الشريف، وتجربة مجلة الأزهر الشريف التي يمتد عطاؤها الفكري والإشعاعي والتنويري لتسعين عاما، وتولى رئاسة تحريرها نخب من أساطين الفكر، وبعد تطويرها الأخير الذي قاده أ.د. محمود حمدي زقزوق رئيس التحرير ومجلس التحرير يتكون من كوكبة من خيرة العلماء يتقدمهم: أ.د. إبراهيم الهدهد، أ.د. عبد المنعم فؤاد، أ.د. عبد الفتاح العواري، ومدير عام التحرير الأديب الأستاذ محمود الفشني، أصبحت المجلة مفخرة للمسلمين في كل مكان؛ بشهادة الدراسات العلمية التي نوقشت مؤخرا، وآخرها رسالة الماجستير في الإعلام المقدمة من الباحث أ. محمد سعد الحداد، والتي أثبتت أن مجلة الأزهر في صدارة المجلات الإسلامية من حيث رصانة الفكر وجودته وتجديده وعدد المتابعين لها عالميا وانتظامها الدقيق في الصدور، ودورها في تفنيد الشبهات وإيضاح الصورة الحقيقية للإسلام في العالم.

** فى نظركم.. لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا عن الركب ؟

المسلمون هم أول مَن أبدعوا المنهج العلمي، وهم الذين أضاءوا مشاعل الحضارة الإنسانية، وقت أن كان الأوروبيون يعيشون تيه الظلام والتخلف، ولقد نهض المسلمون عندما تعلقوا بحبال الله، وبالوحي الشريف المعصوم، وعندما أيقنوا أن العقل شريك النص في معرفة الحقائق، ونهضوا عندما تحررت عقولهم من أغلال الجهل وأسر التأثيرات الفلسفية الشاذة التي تسعى للتشويش على منظومة القيم التي جاء بها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ومن بينها القيم الدافعة للتقدم في الفكر الإسلامي..

نهضوا عندما كانوا يحترمون الوقت باعتباره مطلبًا إيمانيًّا، كما في الصلاة والزكاة والحج وغيرها من العبادات، وكلها مرتبطة بالوقت، وكأن الله تعالى يريد أن يدربنا على احترامه واتخاذه منهجًا للحياة،نهضوا عندما كانوا على قلب رجل واحد، وعندما كانوا كثيري العمل، قليلي الكلام، ملتزمين الصدق، بعيدين عن الكذب، يتسمون بحسن الخلق، يعملون بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ) (صححه الألباني)، نهض المسلمون عندما كانوا لا يلتفتون إلى الفوارق في اللون، والجنس، والعرق، والنسب؛ فالناس كلهم لآدم، وآدم خلق من تراب، فالتفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى، وفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه.

نهضوا عندما كان الاختلاف في الرأي وسيلة للتقارب والتآلف وتعظيم الحق وإحقاقه، وتغليب المصلحة العليا للمسلمين، وتنحية الأهواء مكانا قصيا، نهضوا عندما كانوا يعلمون نواقض الوضوء، وفي الوقت ذاته يعلمون نواقض الحضارات، نهضوا عندما كان الواحد منهم يفكر، ويعمل، ويبدع إلى آخر لحظات حياته، متمثلا قول الصادق المعصوم عليه الصلاة والسلام: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا).

** ما رؤيتكم لإعداد دعاة عصريين؟

* إن التطور الطبيعي للحياة يقتضي إيجاد أجيال من الدعاة الموسوعيين، بحيث يكون كل واحد منهم على مستوى رفيع من العلم والثقافة والخبرة والتطور ليكونوا مسايرين للتطور المتلاحق، قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104). فالدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين، وسبيل العلماء العالمين…فإذا كان الطبيب يعالج الأمراض، فإن الداعية يعالج السلوك المُعْوَّج، ويرسم الطريق الصحيح والقويم لمن يدعوهم وفق تعاليم الإسلام.. والدعوة منصبٌ خطيرٌ ومرتقى صعب المنال لا يصل إليه طالبه بيسر، بل يحتاج مبتغوه إلى زاد عظيم؛ لذا يتعين عليه أن يتخلَّق بأخلاق الإسلام ويتزود بكثير من العلوم والمعارف والمهارات، التي من أهمها: أن يكون حافظًا لكتاب الله -عز وجل- عالـمًا بتفسيره وبأسباب نزوله، وبالناسخ والمنسوخ، وبمُحْكَمِه ومُتَشَابِهِه.. وعالـمًا بالسنة النبوية، وما صح منها وما لم يصح، وأن يكون مُتمكنًا من اللغة العربية، له لسان فصيح، قادرًا على الإنشاء، معبرًا عمّا يخطر بباله وما يجيش في صدره، وأن يكون عالـمًا بالفقه وأصوله وبالفروع؛ حتى لا يتخبط في الأحكام، وأن يكون قدوة حسنة طيبة، مأمونًا في دينه وعقيدته، ضابطًا عاقلاً ورعًا تقيًّا نقيًّا مهذبًا نبيهًا مُهابًا في قومه، زاهدًا متواضعًا، غير مجاهر بمعصية ولا متلبس بمخالفة، موسوعي المعرفة، ومطلعًا على عدد من الثقافات والعلوم الأخرى، دائم الاطلاع، مستنيرًا في فكره، وعالمًا ببعض اللغات، وعالما (بسيكولوجية) المخاطبين، مراعيًا الفروقَ الفرديةَ بينهم، قادرًا على استمالتهم والتأثير عليهم، وأن يكون كذلك قوي الشخصية، قادرًا على السيطرة على المواقف الحرجة والمفاجئة، قابلاً للتطور ومهمومًا به، ومحافظًا على الثوابت والمقدسات، وقادرًا على التعامل مع العصر بكل متغيراته ومستحدثاته وتحدياته، وأن يحذر تنفير الناس من دين الله -عز وجل- من خلال الإفراط في استخدام أسلوب الترهيب والتخويف الذي يؤدي في أحيان كثيرة إلى نتائج عكسية ولابد أن يكون الداعية ذكيا بحيث لا يبدأ بالمحرمات والممنوعات، وأن يبتعد الداعية عن الفتوى بغير علم؛ لأن أمر الفتوى خطير، مع ضرورة إعدادهم إعدادًا علميًّا دقيقًا يتناسب مع مباشرة مهامهم في الغرب، لأننا حينما نخاطب أحدا بالإسلام فلابد أن نَلِجَ إلى ثقافته العامة والخاصة، ونتخذ هذه الثقافة تكئة لنبني عليها أسسنا ومنهجيتنا في التعريف، ومن ثم فإننا حينما نُعَرِّف بالإسلام في لندن فإن المنهج يختلف في باريس عنه في نيويورك وهكذا، ومن ذلك: يلزم تزويد الدعاة بمعرفة متعمقة عن الديانتين اليهودية والمسيحية، وبالعقائد الدينية الأخرى ذات الأثر في المجتمعات المعاصرة، وتزويدهم كذلك بعلوم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا والأيديولوجيات والفلسفات السائدة، والواقع السياسي والاقتصادي في العالم المعاصر، وكذلك إمدادهم بالخبرات اللازمة لمخاطبة الجماعات المتباينة بمختلف أنواعها وقطاعاتها.. فضلاً عن حتمية إتقانهم للغة البلد التي يعملون فيها وثقافته وتراثه، ولن يتأتى ذلك إلى بعقد دورات مكثفة ودقيقة لهم من خلال كبار الأسـاتذة المتخصصين.

** ذكرت في كلامك مصطلح “الداعية الموسوعي”.. فماذا تعنى به؟

* الداعية الموسوعي هو الذي يمتلك قدرات وكفايات تمكنه من الفهم الدقيق للأمور الدينية، ولديه ثقافة عامة يستطيع توظيفها في شتى جوانب الحياة، وذلك يستدعي إعداد الدعاة وتكوينهم وتدريبهم على أسس علمية من خلال برامج دقيقة، إضافة إلى تطوير التعليم الأزهري لينهض بدوره في تخريج خريجين عصريين غير نمطيين، قادرين على التفاعل مع متغيرات العصر ومستجداته، وقادرين على مواجهة التحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية، من خلال مناهج وآليات تربوية عصرية تضع المتعلمين في بؤرة الاهتمام وفي محور العملية التعليمية، وتنقلهم من الحفظ والتلقين والقدرة على الاسترجاع، إلى مهارات التفكير والفهم العميق والنقد والتحليل والاستشراف والإبداع وحل المشكلات؛ بما يحقق نقلة نوعية في مخرجات المؤسسات التعليمية بالأزهر الشريف، بحيث تجعلهم قادرين على التجديد والفهم العميق لنصوص القرآن الكريم والسُّنة الشريفة ومن ثم تطوير الخطاب الديني وتجديده، والتعاطي مع القضايا الفقهية المعاصرة.. نعم نريد داعية قدوة وموسوعيا في فكره و مهاراته وسلوكياته؛ ليتمكن من مخاطبة أهل الإيمان، ويتمكن أيضا من مخاطبة الذين يتبنون الفكر المادي، بخطاب عقلي ومنطقي.

ومن ثم يكون هذا الداعية قادرا على عقد وتنظيم ورش عمل في المساجد والمراكز والمنتديات مع الشباب والجماهير لدراسة شتى القضايا التي تمس المشكلات الحياتية من منظور إيماني، وأيضا تعليم الناس السلوكيات الإيجابية والتنموية.. والتوعية بطرق الوقاية من بعض الأمراض مثل “فيروس سي” وغيره، من خلال التزاوج بين الأئمة والمتخصصين بحيث يشارك الأطباء في ورش عمل وندوات بالمساجد والمراكز ليعلموا الناس السلوكيات الصحية السليمة، ومنهج الإسلام في الوقاية من الأوبئة والأمراض.. كما نحتاج إلى خبراء في الصحة النفسية والإرشاد النفسي والاجتماعي والتربوي يتحدثون للشباب وينمون فيهم تمسكهم بالله والبعد عن المخدرات والإدمان….إلخ، في ظل ظهور الفكر الإلحادي بين بعض الشباب، نحتاج إلى خبراء وداعيات موسوعيات لشرح قضايا المرأة، نحتاج إلى تفعيل دور الكُتَّاب باستخدام التكنولوجيا الحديثة، نحتاج إلى ورش عمل وندوات تعقد في كل مساجدنا ومراكزنا بحيث يعقد في مساجد كل بيئة جغرافية ما تحتاجه لحل مشكلاتها من خلال تفعيل الدور الحضاري للمسجد. ومن ثم لا يقدر على القيام بذلك إلا الداعية الموسوعي.

** وفضيلتك خبير تربوى.. أين مكمن الداء في مؤسساتنا التربوية؟

* علينا أن نوقن أن إصلاح المؤسسات التربوية ضرورة حياتية لتحقيق النهضة المنشودة لمصرنا الغالية، ومن ثم فلابد من وضع أيدينا على مكمن الداء، ويمكن المضي في إصلاح المؤسسات التربوية وإيجاد المناخ المحفز للتعلم والإبداع، وتكوين المواطن الصالح، من خلال إيجاد مناخ داعم وبيئة محفزة على التعليم والتعلم والإبداع فلا إصلاح حقيقي إلا بجعل المؤسسات التعليمية بيئات جاذبة ومحببة إلى الطلاب وكل المنتسبين لها، من المعلمين والباحثين والطلاب والإداريين وتطوير المناهج بحيث تركز على التعلم بدلا من التعليم وتركز على التفكير الإبداعي والنقد والتحليل وحل المشكلات  بدلا من دورها في ترسيخ الحفظ والتلقين من خلال (علميات الشحن والتفريغ في أدمغة الطلاب المساكين) أي شحن المعلومات وتفريغها في الامتحانات وقضي الأمر!!، ولابد من الاهتمام بالمعلم، حجر الزاوية في تطوير التعليم ومن هنا يلزم أن تركز برامج إعداد المعلم على التربية بالقدوة، ولابد من تدريب المعلم ليكون جاذبا لطلابه، وأن يتحلي بالحلم والصبر وأن يكون قدوة لطلابه في أقواله وأفعاله وهندامه، وأن يرسخ العلاقات الإنسانية بينه وبين المتعلم، وسيادة السلوك الرشيد في المؤسسات التربوية، وإشاعة القيم الإسلامية (الصدق – التسامح – العدل- الصبر- الحلم – الروية – العفو – العطاء- الرضا- الأمانة- الوسطية…. إلخ) بصورة عملية في البيئة الدراسية، مع التركيز على قبول الآخر بمعناه الواسع، وهنا يؤدي الفرد واجباته الدينية والمجتمعية بقوة وروية وثبات. أضف إلى ذلك العناية التامة بذوي الاحتياجات الخاصة من الطلاب واكتشاف مواهبهم والتركيز على تنميتها، وتدريب المتعلمين على العطاء بمفهومه الشامل وإيجاد إدارة لمواجهة الأزمات وتدريب الطلاب على الأساليب التي بها يواجهون أي أزمات تقابلهم في الحياة. وذلك كله يقع على عاتق المعلم الذي يجب أن نستثمر في تكوينه وإعداده وتدريبه وتنميته.. وقد قامت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بتطوير معاييرها بما يضمن حال تطبيقها أن يحقق تطوير التعليم ويرتقي به فهذا هو الطريق السليم لتطوير وتحقيق نقلة نوعية حقيقية في التعليم المصري.

** ترى ما أهم الأسباب الداعمة لتمزيق العالم العربي والإسلامي إلى هذا الحد؟

* أهمها بلا ريب البعد عن كتاب الله وعن المنهج الإسلامي، ناهيك عن حملات التغريب وتداعيات العولمة، والأنانية وحب الذات، وضعف التعليم والبحث العلمي والبعد عن العلم التطبيقي وعدم الاهتمام بالعقول المبدعة والموهوبين، وظهور النعرات الطائفية كل ذلك يزيدنا تمزيقا للأسف الشديد.

** وما السبيل للخروج من هذا النفق المظلم الممتليء بالكيد والمؤامرات والأزمات؟

* طريق الله المستقيم واضح كل الوضوح ألا وهو الاعتصام بحبل الله، وتوحد المسلمين، وتمكين القيم الدافعة للتقدم في المجتمع، والأخذ بأسباب التقدم وعلى رأسها الاهتمام بالعلم والبحث العلمي، والاهتمام بالعلم التطبيقي والإبداع في البحث العلمي واستنبات التكنولوجيا الجديدة، وتوفير بيئة محفزة ومناخ داعم وحاضن للإبداع؛ يستقطب الموهوبين والمبدعين والمخترعين وما أكثرهم في بلادنا، وأيضا لابد من الاستفادة المثلى من العقول المهاجرة، ويمكن الاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال، ذلك أن كثيرا من الدول المتقدمة تُعيّن الحاصلين على الماجستير والدكتوراه معلمين لتلاميذ المرحلة الابتدائية؛ ليسهموا في بناء عقول الطلاب بناء صحيحا.. وأعتقد أننا لو سرنا في هذا الاتجاه فسنكون قد وضعنا أنفسنا على المسار الصحيح للتصدى لكثير من التحديات التى تواجه بلادنا المسلمة ومن ثم التوقف عن الانحدار.

** دواعي الحزن للأسف الشديد كثيرة هذه الأيام، لكن ما أشد ما يحزنك؟

* أشد ما يُحزنني تلك الافتراءات والهجمات التي يتعرّض لها الإسلام من الغرب أو من غيره، وهنا يجب أن نفرق بين الغرب كشعوب والغرب كمؤسسات أكاديمية، وبين الغرب كمؤسسات للقرار، فالغرب كشعوب ومؤسسات علمية وأكاديمية ليس لدينا معهم مشكلة، ولا يجب أن تكون، أما الغرب كمؤسسات للقرار فبعض هؤلاء لهم أهدافهم وأطماعهم، وأجندتهم الخاصة ولذلك فالمشكلة الحقيقية مع هؤلاء؛ أصحاب مشروع السيطرة والتقسيم والعدوان على الآخرين مستخدمين في ذلك منظومة الكذب التي تشوه الآخر وتحط من قدره، وتحاول إشاعة الخوف منه، وتلصق به أبشع الاتهامات، ولا تكف عن الهجوم عليه، واستعداء الشعوب ضده.

وما يحزن القلب أن تشويه صورة الإسلام في الغرب يُسهم فيه بنصيب كبير بعض المسلمين الذين يعيشون هناك، فتراهم يسلكون سلوكياتٍ لا يرتضيها الإسلام، تتمثل في غياب القدوة، وشتاتهم، وانتشار ظاهرة الإسلام الوهابي، والتركي والباكستاني والسلفي والإخواني والعِلماني والسني والشيعي وهكذا، وكل فرقة تتعصب لمبادئها، ومن ثَمَّ تتولد الصراعات والأحقاد…إلخ، ولا يكاد يجد الإنسانُ الغربي المسلمين إلا في حالة شتات، ويحرص الإعلام الصهيوني على تصدير هذه الصورة عن الإسلام والمسلمين بحرفية عالية في أذهان الغرب، ناهيك عن سيطرة الدعة والكسل والخمول على الكثير من المسلمين هناك، فنرى فريقًا منهم يكتفي بإعانات البطالة التي تمنحها لهم الدول التي يقيمون فيها، وعدد كبير منهم لا يسهمون في الأعمال التي تسهم في نمو المجتمع ونهضته، إضافة إلى انعزالهم وعدم انخراطهم في المجتمع ومن ثَمَّ لا يشكلون قوة يحسب حسابها، على الرغم من كثرتهم! وكان الأجدر بهم أن يسلكوا مسلك الأداء الحضاري المتميز الذي يعبر عمليا عن دينهم ويجعل الغرب يسعى بسلوكم الرشيد إلى البحث عن دينهم ومن ثم يقدموا صورة طيبًة للإسلام؛ تسهم في انتشاره وتدعم وجودهم فى تلك المجتمعات، كما حدث من أسلافهم التجار الأوائل.

** هل تعتقد إمكانية تلاقى الغرب والشرق؟

* من الممكن طبعا التلاقي ولو بصورة تدريجية وعلى مراحل ونفرق كما ذكرت آنفاً بين الشعوب والمتسيدين على الشعوب، ولنا في رابطة الجامعات الإسلامية تجارب رائدة قادها الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية أ.د. جعفر عبد السلام في عدة دول أوروبية ومنها هولندا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا وغيرها، والمهم هنا هو الحوار الناجح بين المسلمين والغرب عموما لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع وبناء العلاقات الطيبة التي ترتكز علي الأخوة الإنسانية وعلي العقل والمنطق والحوار للتعاون والبناء‏،‏ وتحقيق الفهم المتبادل وتحقيق المنافع المشتركة بين الشعوب‏،‏ والإنسان الغربي عموما مازال لديه من رصيد الفطرة ما يجعله يقبل الحوار العلمي‏،‏ ويستمع إلي الرؤية الإسلامية السليمة بجد وإنصات‏، فلابد إذن من اعتماد الحوار بدلا من الصراع، وعلى منظمة التعاون الإسلامي وحكومات الدول المسلمة والأزهر الشريف ووسائل الإعلام وغيرها من المؤسسات فالمطلوب أن تنهض بدور فاعل لترسيخ قيم التفاهم والتعاون بدلا من ترك الساحة للمغرضين الذين كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين، ولدينا في الغرب شخصيات أزهرية قامت بجهود ممتازة ورائدة في تحويل نظرة الغرب إلى الإسلام –في محيطهم الجغرافي- من نظرة العداء للإسلام، إلى نظرة الحياد، ومن نظرة الحياد إلى مناصرة الحقوق العربية والإسلامية، ومنهم العالم الأزهري المصري فضيلة أ.د. إبراهيم أبو محمد مفتي أستراليا، والعالم الأزهري المغربي أ.د. مرزوق أولاد عبد الله الأستاذ بالجامعة الحرة بأمستردام بهولندا.. وتجاربهم في التواصل الإنساني والحضاري تستحق الدراسة والاستفادة منها.. وغيرهم في ذلك كثير.

** حدثنا عن جميل ذكرياتك في رابطة الجامعات الإسلامية؟

* تاريخ عملى بالرابطة كان عبارة عن وصلة تربوية علمية دينية، حيث ألفت 13 كتابا، تأثرا بالمناخ البحثي المحفز والداعم بها والرحلات التي قمنا بها لزيارة العشرات من الجامعات في كثير من دول العالم تحت مظلة الصرح الإسلامى، كما كتبت 33 بحثا منشورا في مجلات علمية ومؤتمرات دولية، وشاركت أيضا في كثير من المؤتمرات حول العالم، واشتركت مع د. جعفر عبد السلام وتحت إشرافه في تنظيم ما يقرب من مئتي مؤتمر دولي وندوة ولقاء علمي في مصر ودول العالم، وأصدرنا أيضا حوالي 90 كتابا لكبار العلماء والمفكرين، ونمتلك بفضل الله دائرة علاقات أكاديمية متميزة مع عدد كبير من الجامعات والمؤسسات التعليمية والتربوية ومراكز البحوث حول العالم، وكان همي الأول الإسهام في تطوير التعليم والارتقاء به في دول العالم الإسلامي وتحقيق جودته في لجنة دراسة مشكلات التعليم في دول العالم الإسلامي برئاسة المفكر التربوي العالمي أ.د. سعيد إسماعيل علي (أمد الله في عمره)، والخبير التربوي الراحل أ.د. علي أحمد مدكور (رحمه الله)، والعلماء الأفاضل أ.د. رأفت غنيمي الشيخ، أ.د. نبيل السمالوطي، أ.د. محمود أحمد شوق، أ.د. سامي الشريف أ.د. محمد كمال الدين إمام (أمد الله في أعمارهم) والراحل أ.د. وجدي أحمد زيد، أ.د. عبد الغني عبود، أ.د. محمد إبراهيم منصور (رحمهم الله)، وتقديم الرؤى والأفكار والطروحات التي تغذي هذا الاتجاه وتساعد صناع القرار التربوي، وكذلك الاستفادة من الخبرات الدولية الرائدة في نظم التربية والتعليم والتعريف بها لتعظيم الاستفادة منها والعمل على تطبيقها والاستفادة من أوجه تميزها التي تناسب البيئة الجديدة المراد تطويرها.

** وسائل الإعلام الجديد على الرغم من أهميتها الفائقة، فإنها قد تستهدف اختراق ثقافتنا الإسلامية الأصيلة.. ما تعليق فضيلتكم؟

إن نصيب الجيل الحالي من تأثيرات وسائل الإعلام في تكوين ثقافته، وتحديد أنماط سلوكه، وإكسابه المفاهيم والقيم والعادات والاتجاهات في تزايد كبير؛ نظرًا لتقدم تقنية الاتصالات والمعلومات وهذا أمر جيد لكن في ظل الفوضى السائدة في المجال الإعلامي الخارجي، ربما تتأثر بالسالب أخلاقيات الشباب المسلم. لقد فقدت الدول السيطرة الكاملة على البث المباشر، وفقدت قدرتها على التصدي للبث الإعلامي الخارجي بما يحمله من غزو ثقافي أجنبي، ولم يعد بإمكانها التحكم في وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، ومن ثم لابد من تربية الضمير لدى النشء والشباب.أما التفاوت في القدرات الإعلامية بين الدول المتقدمة والدول غير المتقدمة فحدث عنه ولا حرج، وقد أدى إلى سيطرة الدول المتقدمة وتمكينها من تشكيل وعي الشعوب المغلوبة على أمرها، بثقافة الاختراق بشتى مظاهرها الفكرية والسلوكية، ومن بينها مشاهد العنف التي تولد العنف وتربي أجيالا على انتهاجه ومن ثم ينشأ السلوك الإرهابي، كما يسهم بعضها في ترويج الشائعات والأفكار العنصرية، وتيسير الجرائم وتجارة الدعارة، وتسهيل الوصول إلى ممتهنيها، وترسيخ الأنشطة المحرمة التي تحملها العقائد الفاسدة، والتشكيك في الثوابت الدينية والحضارية، وزعزعة الأمن الفكري والعقدي للشعوب المغلوبة على أمرها، فضلاً عن نشر ثقافة القوى الغالبة والتمكين للغتها وآدابها، ومن ثم تترك بصماتها على سلوك الشباب المسلم، وتدفعهم إلى التصرفات غير المسؤولة والأعمال العدوانية بفعل غريزة التقليد والمحاكاة للغالب.

وأمام هذه التحديات يشعر كثير من الخبراء أنه ربما تنزوي فعالية الخطط الدعوية وتتوارى! ذلك أن الخطط الإصلاحية التي تتوجه إلى الفكر الواعي في الإنسان وتنشر السلام والمحبة بين الناس، تفتقد الآن الإرادة الصلبة، والعزيمة القوية، والتنسيق الكامل، والإمكانات المادية، والوسائل التقنية الحديثة، والكوادر المؤهلة والقادرة على حمل دعوة الخير ونشرها للناس في مشارق الأرض ومغاربها. ولذا تبرز أهمية وضرورة تدارس سبل تحقيق الأمن الإعلامي من خلال التوسع في نشر مناهج وبرامج التربية الإعلامية في المؤسسات التربوية والإعلامية، وتمكين الموهوبين من الشباب من الظهور في وسائل الإعلام حتى يصبحوا قدوة ومؤثرين عالميًّا. ولمواجهة المخاطر السابقة أطالب الأزهر الشريف بضرورة صياغة استراتيجية تربوية إعلامية ثقافية موحدة للعالم الإسلامي؛ تسعى للحفاظ على هوية المسلمين، ومواجهة التطرف والإرهاب والإلحاد والحفاظ على معطياتنا الحضارية وتوجهاتنا التربوية، وإعادة بناء منظومة القيم من خلال التربية الإعلامية بشقيها (تربية المتلقي على عمليات الفرز والانتقاء، وتربية المرسل على بث الرسالة النافعة للناس) وبما يسهم في تكوين الجهاز المناعي والحصانة الفكرية والثقافية للشباب المسلم.

وفي النهاية أؤكد أننا نحتاج إلى مقررات في التربية الإعلامية لتقوية الجهاز المناعي والحصانة الفكرية والسلوكية لشباب الأمة لمواجهة أساليب الاختراق وتحديات الإعلام الجديد، وأدعو إلى الاستخدام الرشيد لمواقع التواصل الاجتماعي، وعدم إضاعة الوقت أمامها، وتوظيفها في نشر العلم النافع والثقافة التي ترسخ الجانب الإيماني والاجتماعي، وجعلها ساحة لنشر دعوة الخير للعالمين حتى يصبح صوت الإسلام جهيرا في كل مكان، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

 

 

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!