آداب العالم والمتعلم ، خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح
آداب العالم والمتعلم ، خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 14 محرم 1441 هـ ، الموافق 13 سبتمبر 2019.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
لتحميل خطبة بعنوان : آداب العالم والمتعلم ، للشيخ عبد الناصر بليح ، وعناصرها:
لتحميل خطبة بعنوان : آداب العالم والمتعلم ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة بعنوان : آداب العالم والمتعلم ، بصيغة pdf أضغط هنا.
ولقراءة خطبة بعنوان : آداب العالم والمتعلم ، للشيخ عبد الناصر بليح : كما يلي:
آداب العالم والمتعلم :
الحمد لله رب العالمين..: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ “وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد ان سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل :”فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير”(لترمذي).
قُــمْ للمعلّمِ وَفِّـــهِ التبجيـــــلا ***كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولاً
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي*** يبني وينشئُ أنفساً وعقولاً.
اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعدُ فيا عباد الله: “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” (البقرة/282).
عباد الله: آداب العالم والمتعلم
ونحن علي أعتاب عام دراسي جديد ينبغي علينا أن نلقي الضوء علي أداب العالم والمتعلم الأستاذ والتلميذ.. وماذا ينبغي علي ولي أمر التلميذ أن يفعله حتي تتم التربية ويزدهر التعليم معاً وتسعد الأسرة والمجتمع بأجيال قد تربت وتعلمت من اجل بناء أوطانها وخدمة مجتمعاتها..
#فضل العلم والعلماء
إخوة الإيمان: ” ولما كان العلمُ هو أكملَ مطلوب في الدنيا، وأشرف مرغوب، وطريق الخوف من الله وخشيته، وسبيل الوصول إلى مرْضاته وجنته أمَر الله تعالى نبيَّه بالاستزادة منه؛ فقال: “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”(طه/ 114)، وقد جعل تعالى العلمَ سببًا للرِّفعة في الدُّنيا والآخرة؛ قال سبحانه :”يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”(المجادلة/11)، ونفى سبحانه استواء أهل العلم بغيرهم ممن لا حظ له فيه؛ فقال:
“قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ”(الزمر: 9)، وما ذاك إلا لأن العلماء هم أهل الصبر واليقين، وهم أعرف الناس بالله، وأتْقاهم له، وأخشاهم منه، وأخوفهم مِن عذابه، ولأنهم الهُداة إلى الصِّراط المستقيم، والمُرشدون إلى الطريق القويم، والحامون للثقلَيْن والحافظون للوحيَيْن، المتدبِّرون لما فيهما من الأمثال، العاقلون لما ينطويان عليه من الحكم والأسرار؛ قال تعالى:
“وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ”(السجدة: 24)، وقال سبحانه: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ”(فاطر: 28)، وقال تعالي: “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ”(العنكبوت: 43).، وقال صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كلِّ خلَفٍ عُدُو لُه، ينْفُون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”( البيهقي).
ولقد استشهد الله بالعلماء في أجلِّ مشهود عليه، وهو توحيده؛ فقال – تعالى:
“شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ “(آل عمران/18). قال ابن القيم – رحمه الله -: “وهذا يدلُّ على فضل العلم وأهله من وجوه: أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشَر، والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته، والثالث: اقتران شهادتهم بشهادة ملائكته، والرابع: أن في ضمن هذا تزْكيتهم وتعدِيلَهم؛ فإنَّ الله – تعالى – لا يستشهد من خلقه إلا العدول”.
#واجب الأهل وأولياء الأمور
وقبل ان نشرع في أداب المعلم والمتعلم هناك أمور علي أولياء الأمور ينبغي ان يلتزموا بها ومنها:”
#احترام المعلم وتوقيره:”
فعلى الأهل احترام وتقدير المعلم أمام أولادهم لغرس ذلك في نفوسهم؛ لأنّ الطلاب يقلّدون أهلهم في العادة، وإذا حصل موقف ما، تتمّ معالجته بطريقة ذكية ليس بالضروري أمام الطالب، وأن يُعذر المعلم ويبرر خطؤه إذا أمكن، فلا يجوز أن تهزّ صورة كيان المعلم أمام الطالب.
عدم تذمّر الأهل وكثرة الشكوى من جانب الأهل على المعلم أمام الطالب، أو نعته بألقاب تخُلّ بالأدب. على الأهل أن يوازنوا بين نفسية ابنهم إذا شعر بالملل، وبين متطلبات المعلم. عدم مناداة المعلم باسمه دون ذكر لقب أو تناديه بكاف المخاطبة، إنما تناديه بلقب، يا أستاذ، وحتى في غيبته تتحدث عنه مع مراعاة ذكر اللقب بإجلال وهيبة. ومن هنا يتعلم الطالب أن يُكرم المعلم، ويعرف فضله، ويُقدره، فهو يفني كلّ طاقاته لأجل الطلاب.
وأن لا يُجادل معلمه، ويتعمد إحراجه في أسئلة قد تكون خارج تخصُّصه. لذلك حثنا المعلم الأول رسول الله صلي الله عليه وسلم علي مكانة المعلم في الإسلام قائلاً: “ليس من أمَّتي مَن لم يُجِلَّ كبيرَنا ويرحَمْ صغيرَنا ويعرِفْ لعالِمِنا حقَّه”( الهيثمي).
#إكرام المعلم، وتوفير سبل الراحة له قدر الإمكان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباد الله : ” وقد عرَف المسلمون للعلماء والمعلمين قدْرهم، وحفظوا لهم مكانتهم، وأنزلوهم منْزلتهم اللائقة بهم، فكانوا من الخلفاء والولاة محل الثقة وفي غاية التقريب، ومن العامة في عين الإعزاز ومركز التقدير، وإنما فعل المسلمون ذلك تديُّنًا وتقرُّبًا إلى الله؛ لما يحمله العلماء من ميراث النبوة الذي هو أثمن ميراث وأغلاه، :”وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لَم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورّثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بِحظ وافر”
وينبغي أن ينظر إلي راتب المعلم نظرة احترام وتوقير فكان المسلمون علي مر العصر يوقفون العقارات من أجل العلم والعلماء ..أجمع المؤرخون على أن الخليفة العباسي الثاني، وهو أبو جعفر المنصور (ت 158 هـ/775م)، كان أول رعاة العلم من خلفاء بني العباس. فعلى الرغم من انشغاله في تثبيت أركان دولته، فقد اهتم اهتماماً كبيراً برعاية الحركة العلمية. فقد كان الخليفة نفسه كما تؤكد المصادر جيد المشاركة في العلم والأدب.
وحظي العلماء والأدباء باحترام وتكريم فائقين من الرشيد. فيروي أحد العلماء، وهو أبو معاوية الضرير، أنه أكل مع الرشيد يوماً، ثم صب الماء على يديه رجل لا يعرفه (ثم قال الرشيد: أتدري من يصب عليك? قلت: لا يا أمير المؤمنين، قال: أنا. فقلت: يا أمير المؤمنين أنت تفعل ذلك إجلالا للعلم فقال: نعم).
# وفي المانيا رفضت رئيسة الوزراء الألمانية أن ترفع مرتبات الأطباء لمستوى المعلمين.. وقالت لهم بالنص: “لا يمكن ان ارفع مرتباتكم واجعلكم متساوين مع من علمكم وجعلكم تتفاخرون بأنكم أطباء ومهندسين”.
أما علماؤنا ومعلمينا اليوم فينطبق عليهم قول القائل:”
تموت الأسد في الغابات جوعا***ولحم الضأن يرمي للكلاب.
وذو جهل ينام على حريــــــر ***وذو علــم ينام على التراب
#يزدهر العلم باحترام المعلم:”
وعندما يشعر المعلم بمكانته واحترامه سوف يبذل قصاري جهده مع الطالب فيكون حكيماً، وعادلاً، منصفاً مع جميع الطلاب. و يكون مثال للقدوة الحسنة الذي يُحتذى به في المواقف. ويعمل علي تشجيع الطلاب، واكتشاف قدراتهم، ومواهبهم، ومساعدتهم على تنميتها. ومراعاة الفروق الفرديّة بين الطلاب، وبالتالي مراعاة قدراتهم. مراعاة الظروف النفسيّة التي يمرّ بها الطالب. والاهتمام بمصلحة الطالب، ويعتبره أحد أبنائه.
فيحسن معاملة طلابه برحمة، وشفقة، والصبر عليهم إذا أخطأوا. و يسعى في تجميع وتوحيد قلوب الطلاب من خلال المساواة بينهم، وجعلهم يعيشون كالأخوة. ويراقب أحوال الطالب باستمرار،
#احترام المعلم من كافة فئات المجتمع:”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي المسلم :” وإنك لتعجب أن نجد المعلم يستهان به ويكون مادة للسخرية والضحك في وسائل الإعلام و بعض صحف بلادنا وجرائدها ومواقع الشبكة فيها، وأن يتولاه أناسٌ ممن ينسبون لهذا الوطن، لا هَمَّ لهم إلا السخرية والاستهزاء والشماتة، ولا وظيفة لهم إلا تصيُّد الزلات، وتكبير السقطات، يبحثون عن الكلمات الموهمة، وينقبون عن الألفاظ المحتملة، ويضعون الأقوال في غير سياقها، ويبترون النصوص عما قبلها وبعدها..
قُــمْ للمعلّمِ وَفِّـــهِ التبجيـــــلا ***كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولاً
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي*** يبني وينشئُ أنفساً وعقولاً.
#ومثال على مكانة المعلم في العصر العباسي ازدهر انتشار العلم في العصر العباسي، لما أولوه للمؤدّب والمعلم مكانة خاصة في قلوب أبنائهم، فهذه وصية تربوية من هارون الرشيد لأحد مؤدبي أبنائه وهو الأحمر النحوي قائلاً فيها:
“يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة، وطاعتك عليه واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القران، وعرفه الآثار، ورووه الأشعار، وعلّمه السنن، وبصّره مواقع الكلام وبدئه، وامنعه الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القوّاد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيده إياها، من غير أن تخرق به فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومّه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإنْ أبَاهُما فعليك بالشدّة والغلظة، وبالله توفيقكما.
#آداب العالم المعلم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباد الله: “علي المعلم أن يقصِد بتعليمه وجه الله تعالى، ولا يقصد توصُّلًا إلى غرضٍ دنيوي؛ كتحصيل مالٍ أو جاهٍ أو شهرةٍ أو سمعةٍ أو تميز ٍعن الأشباه، أو تكثُّر بالمشتغلين عليه، أو نحو ذلك..
فليعلم كل من اشتعل بالتدريس: أن أقل ما يُنتظَر من المعلم أن يتقي الله في قوله وفعله وسلوكه، وأن يكون ذلك كله متفقاً مع شرع الله، في التعامل مع الطلاب، والتخاطب معهم، وأن يروا فيه القدوة الصالحة التي تحتذى. وما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها يا عباد الله إلا حينما ضاع الأبناء بين أبٍ مفرط لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة – وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته.
وهذا الحكم ليس عاماً؛ فإن بين صفوف المدرسين أتقياء بررة، ومربين أوفياء، وهم كثير بحمد الله تعالى وإن المنصف ليدرك دور ذلك الجندي المجهول-المعلم المخلص-في تعليم الأجيال، وتربيتهم، و تقويم سلوكهم، وإن واجب الأمة نحوه: أن تشكر جهوده، وتؤدي إليه بعضاً من حقه، وأن تعرف له قدره واحترامه وفضله.
إنَّ المُعلِّم والطَّبِيبَ كِلَيهِمـــا***لا يَنْصَحانِ إِذا هُما لَمْ يُكْرَمـــا
فاصْبِرْ لِدائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ***وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّماً
ينبغي علي المعلم أن يرغِّبَ الطالبَ في العلم، ويذكِّره بفضائله وفضائل العلماء وأنهم ورَثةُ الأنبياء، ولا رتبةَ في الوجود أعلى من هذه. وأن يحنُوَ على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسِه وولده، ويُجريه مجرى ولده في الشَّفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جَفائه وسوء أدَبه، ويعذِره في سوء أدبٍ وجفوةٍ تعرِضُ منه في بعض الأحيان. وأن يتفقَّدَ أحوال طلابه، ويسأَل عمن غاب منهم.
ينبغي أن يكون باذلًا وُسْعَه في تفهيم طلابه، وتقريب الفائدة إلى أذهانهم، حريصًا على هدايتهم، ويُفهِّم كل واحدٍ بحسب فهمه وحفظه؛ فلا يعطيه ما لا يحتمله، ولا يقصِّر به عما يحتمله بلا مشقةٍ، ويخاطب كل واحدٍ على قدر درجتِه، وبحسَب فهمه وهمَّته. وأن يحرِّض طلابه على الاشتغال في كل وقتٍ، ويطالبهم في أوقاتٍ بإعادة محفوظاتهم، ويسألهم عما ذكَره لهم من المهمات، فمَن وجده حافظه مراعيًا له أكرمه وأثنى عليه، وأشاع ذلك، ما لم يخَفْ فساد حاله بإعجابٍ ونحوه، ومَن وجده مقصرًا عنَّفه، إلا أن يخافَ تنفيره، ويُعيده حتى يحفظه حفظًا راسخًا.
وأن يورِّث طلابَه كلمة:
“لا أدري”، ويُكثِر منها؛ ليتعلَّم الطلاب أن قول العالم: “لا أدري “لا يضَعُ منزلتَه، بل هو دليلٌ على عِظَمِ تقواه. ويتعلم أن يحصل العلم من مصادره القرآن والسنة والمراجع الصحيحة وليس من السماع واتباع الشائعات..
وأن يطرَحَ على طلابه ما يراه مِن المسائل؛ ليختبِرَهم بذلك، وليعرفَ مدى تحصيلهم للعلم ولا يبخل في تعليم العلم ولا يكتمه لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: “من كتم علما يَعلمه جاء يوم القيامة مُلْجَمًا بِلِجَام من نار”(أحمد وأبو داود) .
لذلك لما زار الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أحمد بن حنبل ذات يوم في داره ، وكانت للإمام أحمد ابنة صالحة تقوم الليل وتصوم النهار وتحب أخبار الصالحين والأخيار، وتود أن ترى الشافعي لتعظيم أبيها له ، فلما زارهم الشافعي فرحت البنت بذلك، طمعاً أن ترى أفعاله وتسمع مقاله .
وبعدما تناول طعام العشاء قام الإمام أحمد إلى صلاته وذكره، والإمام الشافعي مستلقٍ على ظهره، والبنت ترقبه إلى الفجر، وفي الصباح قالت بنت الإمام أحمد لأبيها :يا أبتاه … أهذا هو الشافعي الذي كنت تحدثني عنه ؟قال : نعم يا ابنتي .فقالت : سمعتك تعظم الشافعي وما رأيت له هذه الليلة .. لا صلاة ولا ذكراٍ ولا ورداً؟ وقد لا حظت عليه ثلاثة أمور عجيبة ، قال : وما هي يا بنية ؟قالت : أنه عندما قدمنا له الطعام أكل كثيراً على خلاف ما سمعته عنه ، وعندما دخل الغرفة لم يقم ليصلي قيام الليل ،وعندما صلى بنا الفجر صلى من غير أن يتوضأ .
فلما طلع النهار وجلسا للحديث ذكر الإمام أحمد لضيفه الإمام الشافعي ما لاحظته ابنته ، فقال الإمام الشافعي رحمه الله :
يا أبا محمد لقد أكلت كثيراً لأنني أعلم أن طعامك من حلال، وأنك كريم وطعام الكريم دواء، وطعام البخيل داء، وما أكلت لأشبع وإنما لأتداوى بطعامك، وأما أنني لم أقم الليل فلأنني عندما وضعت رأسي لأنام نظرت كأن أمامي الكتاب والسنة ففتح الله عليّ باثنتين وسبعين مسألة من علوم الفقه رتبتها في منافع المسلمين ، فحال التفكير بها بيني وبين قيام الليل ، وأما أنني صليت بكم الفجر بغير وضوء ، فوالله ما نامت عيني حتى أجدد الوضوء . لقد بقيت طوال الليل يقظاناً، فصليت بكم الفجر بوضوء العشاء. ثم ودّعه ومضى .فقال أحمد لابنته:
هذا الذي عمله الشافعي الليلة وهو نائم(أي مستلقٍ)أفضل مما عملته وأنا قائم .ويروى عن الإمام أحمد أنه قال: “ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي، وقال ابنه: يا أبتِ أيُّ رجلٍ كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء؟ قال: “يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للناس، فانظر يا بني هل من هذين خلف؟ هكذا كان العلماء الصالحون كالشمس للدنيا والعافية للناس وليس منهما خلف…فإن الله يدفع بهم البلاء ويُنزل الرخاء، وتعمّ البركة وتُنشر الرحمة .
الخطبة الثانية: آداب العالم والمتعلم “
ـــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فيا عباد الله ..لازلنا نواصل الحديث حول أدب المعلم والمتعلم وقد تحدثنا في إيجاز عن واجب الأهل والمجتمع تجاه المعلم وآداب المعلم ..ونكمل هنا عن في خطبة آداب العالم والمتعلم
#آداب المتعلم :
ــــــــــــــــــــــــ
عباد الله :” هناك عدة أمور يجب أن يُراعيها كل طالب مع معلمه ومنها:
الاستماع إلى المعلم، وعدم مقاطعته حتى لا يقطع أفكار المعلم ويشوّش على باقي الطلاب. والتحاور والمناقشة معه بأسلوب راقٍ، وبصوت منخفض، وعدم مجادلته، وأن ينظُر إليه بوجهه، بعيداً عن الفكاهة التي يتصنّعها الطالب لينال إعجاب أصدقائه.. فينظر إلى معلمه بعين الاحترام وأن يتحرى رضاه، وإن خالف رأي نفسه ولا يدخل عليه بغير إذن ، وأن يتأدب مع رفقته وحاضري المجلس، فإن تأدبه معهم تأدب مع الشيخ واحترام لمجلسه .
ولا يغتابَ عنده أحدًا، ولا يفشيَ له سرًّا، وأن يرُدَّ غَيبتَه إذا سمعها، فإن عجَز فارَق ذلك المجلسَ ولا يرفع الطالبُ صوته في مجلس شيخِه رفعًا شديدًا مِن غير حاجةٍ، ولا يضحَك ولا يُكثِر الكلام بلا حاجةٍ، ولا يعبَث بيدِه ولا غيرها، ولا يلتفِت بلا حاجةٍ. وإذا جَفاه المدرس ابتدأ هو بالاعتذار، وأظهَر أن الذنبَ له والعَتْبَ عليه؛..
وأن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول العلم وحفظه واستثماره وأن يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد في التحصيل، ويرضى باليسير من القوت، ويصبر على ضيق العيش ويتحرى الحلال والبعد عن المعاصي فقد قال الشافعي:” شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي***فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْــــــمَ نُـــــورٌ*** ونورُ الله لا يهدى لعاصي
وإذا مشى مع أستاذه فليكن أمامه بالليل وخلفه بالنهار ويتقدم عليه في المواطئ المجهولة الحال كوحل أو حوض أو المواطئ الخطرة ، ولا يمشي لجانب الشيخ إلا لحاجة أو إشارة منه ، ويؤثره بجهة الظل في الصيف وبجهة الشمس في الشتاء ولا يمشي بين الشيخ وبين من يحدثه بل يجب أن يتقدم أو يتأخر ولا يستمع ولا يلتفت إليهما .فتحصيل العلم يحتاج للتواضع والحلم والصبر وحسن الخلق وليكن لنا في عبد الله بن عباس ترجمان القرآن مثلاً نحتذي به..
عبدالله بن عباس رباني أمة محمد وأعلمها بكتاب الله وأفقهها بتأويله وأقدرها على النفوذ إلى أغواره وإدراك مراميه وأسراره ، ولد ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنوات ولما توفي الرسولُ صلوات الله وسلامه عليه كان له ثلاث عشرة سنةً فقط ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيهم ألفاً وستمائةٍ وستين حديثاً أثبتها البخاري ومسلم في صحيحيهما .
ولما وضعته أمه حملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحنكه بريقه، فكان أول ما دخل جوفهُ ريقُ النبي المبارك الطاهرُ ودخلت معه التقوى والحكمةُ:
“ومن يؤتى الحكمة فقد أُوتيَ خَيْراً كثيراً “وما إن حلت عن الغلام الهاشمي تمائمه ودخل سن التمييز حتى لازم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ملازمة العين لأختها فكان يعدُّ له ماء وضوئه إذا همَّ أن يتوضأ ويصلي خلفه إذا وقف للصلاة ويكون رديفه إذا عزم على السفر .حتى غدا له كظله يسير معه أنى سار ويدور في فلكه كيفما دار وهو في كل ذلك يحمل بين جنبيه قلباً واعياً وذهناً صافياً وحافظةً دونها كل آلات التسجيل التي عرفها الحديث ،حدَّث عن نفسه قال :
همَّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بالوضوء ذات مرةٍ فما أسرع أن أعددت له ماء فسُر بما صنعت ولما همَّ بالصلاة أشار إليَّ : أن أقف بإزائه (بجانبه) فوقفت خلفه .فلما انتهت الصلاةُ مال عليَّ وقال :
ما منعك أن تكون بإزائي يا عبد الله؟ فقلت :أنت أجلُّ في عيني وأعز من أن أوازيك يا رسول الله ، فرفع يديه إلى السماء وقال: “اللهم آتِهِ الحكمة “وفي روايتين دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الل عنه فقال: “اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ”(البخاري)،”وعلّمهُ التَّأْوِيلَ”(أحمد).وقد استجاب الله دعوة نبيه عليه الصلاة والسلام فآتى الغلام الهاشمي الحكمة ما فاق به أساطين الحكماء. تربية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس
وقد كان ابن عباس رضي الله عنه من الغلمان المحببين والمقربين للرسول صلى الله عليه وسلم:
وقد حظي باهتمام كبير في صغره منه صلى الله عليه وسلم، وقد أثر ذلك بالطبع على بناء شخصيته وتكوين فكره وعلمه، وادبه فعن ابن عباسٍ رضي اللّه عنهما قال: أنه ركب خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ. احْفَظِ اللَّهِ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ. وَإِذَا سَأَلْتَ فَسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ. رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ”(مسند أبو يعلي صحيح].
#احترام التلميذ للمدرس أدب راق :”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباد الله : ” احترام المعلم هو حقّ من حقوقه الأخلاقية التي يتوجّب على الطالب أن يتعلّمها منذ صغره من خلال أهله؛ وإلاّ ستتخلخل وتهتزّ صورة المعلم في نظر طالبه، فينشأ ويتربّى على عدم تقدير الأشخاص بشكل عام، وهذا يؤثر عليه فيما بعد في كيفيّة تواصله وتحاوره مع الناس، فالمعلم هو أوّل الأشخاص الذي يلتقي بهم الطالب في حياته ومحيطه الخارجي ويتناقش ويتحاور معه، فكيف لطالب يستطيع أن ينهل من علم ومعرفة معلمه إذا كان لا يحترمه ويُقدر مكانته.
واستمع أخي المسلم : “لقد اختار الخليفة المأمون الإمام يحيى بن زياد الفراء لتأديب ولده العباس وتعليمه إذ كان يدرسه النحو .وكان الخليفة المأمون قد وكَّل يحيى بن زياد الفراء للقيام بمهمة تأديب ابنيه وتلقينهما النحو فأراد الفراء أن ينهض لقضاء بعض حوائجه ، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدِّمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منها فرداً فقدَّماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر ، فرفع إليه ذلك الخبر، فوجه إلى الفراء فاستدعاه فلما دخل عليه قال له من أعز الناس؟ قال: “ما أعرف أعزَّ من أمير المؤمنين، قال:
بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضي كل واحد أن يقدم له فرداً .قال :يا أمير المؤمنين لقد أردت منعهما من ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها ، وأكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها .فقال له المأمون: “لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوماً وعتباً وألزمتك ذنباً، وما وضَعَ ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما، وبَيَّن عن جوهرهما، وقد بيَّنتْ لي مَخْيِلة الفِراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيراً عن ثلاث، عن تواضعه لسلطانه، ووالده، ومعلِّمه العلم، وقد عوّضتُهما بما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهم”(التأديب والمؤدبون في العصر العباسي ).
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله ..
كتب : آداب العالم والمتعلم الشيخ عبد الناصر بليح
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف